عطوان: هل تُجبر حركة “أنصار الله” اليمنيّة “الكيان الإسرائيلي” على وقف إطلاق النّار وإنهاء حِصارها لقِطاع غزة؟ وما هي المخاوف التي تمنع أمريكا من إعادتها مُجَدّدًا إلى قائمة الإرهاب؟ وماذا وراء الطّلب السعودي من الرئيس بايدن بعدم التهوّر والالتِزام بضبْطِ النفس..!

6٬947

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

بقلم/ عبد الباري عطوان:

حركة “أنصار الله” اليمنيّة باعتِراضها سُفنًا إسرائيليّة وفُرقاطات بحريّة أمريكيّة وفرنسيّة، لم “تُحرِج” بهذه المواقف الشّجاعة مُعظم الحُكومات والجُيوش العربيّة التي التزمت الصّمت المُتواطِئ مع العُدوان على قِطاع غزة فقط، وإنّما قد تُسَرّع بهزيمةِ هذا العُدوان وتضع حدًّا له، ولمنعه تدفّق المُساعدات الإنسانيّة على القِطاع في تحدٍّ بُطوليٍّ للحِصار الإسرائيليّ الأمريكيّ المُشترك.

حركة “أنصار الله” وحُكومتها في صنعاء، كانت الأكثر صلابةً في دعمها للمُقاومة في القِطاع وتصدّيها لحرب الإبادة والتّطهير العِرقي الإسرائيلي الأمريكي الخانِق على مليونيّ فِلسطيني، بفرض حصارٍ بحريٍّ عسكريٍّ وتجاريٍّ على دولة الاحتِلال، وكُلّ الدول الغربيّة الدّاعمة لها، وعلى رأسِها الولايات المتحدة الأمريكيّة بإغلاقها “عمليًّا” باب المندب، وكُل البحر الأحمر وبحر العرب، ليس في وجْه سُفُن الاحتِلال فقط، وإنّما كُل السّفن الأخرى التي تحمل شُحنات تجاريّة إلى موانئه، بغضّ النّظر عن جنسيّتها وهُويّة مُلّاكها.

الأشقّاء في اليمن يقولون ويفعلون، ومُستعدّون لدُخول الحرب مع أمريكا ناهِيك عن إسرائيل انتِصارًا للشّهداء وذويهم في قِطاع غزة، فالقضيّة الفِلسطينيّة مُقدّسة بالنّسبة إلى جميع اليمنيين دُون إستثناء، ولعلّ المُظاهرات المليونيّة في مُعظم المُدُن اليمنيّة دعمًا لهذه القضيّة أحد الأدلّة.

بمُجرّد أن خرج العميد يحيى سريع النّاطق العسكري للقوّات اليمنيّة على شاشات التّلفزة اليمنيّة لإعلان بيانه الأخير بضرب جميع السّفن التي تتّجه إلى الموانئ الإسرائيليّة في فِلسطين المُحتلّة، أطلقت القوّات اليمنيّة ثلاث مُسيّرات لضرب فرقاطة عسكريّة فرنسيّة قُبالة ميناء الحديدة، وأكّدت مصادر عسكريّة فرنسيّة هذا الهُجوم، وقالت “إنّ الفرقاطة لانغوك تعرّضت لهُجومٍ بالمُسيّرات بصواريخ “إستر 15″ وأسقطت دِفاعاتها الصاروخيّة اثنتين منها في أوّل عمليّة من نوعها للبحريّة الفرنسيّة”.

الولايات المتحدة الأمريكيّة التزمت الصّمت والامتِناع عن الرّد حتّى الآن لإخفاء حالة الارتِباك التي تعيشها أوّلًا، وخوفًا من العواقبِ الوخيمة التي يُمكن أن تترتّب على أيّ رَدٍّ انتقاميّّ يستهدف اليمن، وقوّات “أنصار الله” تحديدًا، لدرجة أنها طلبت من دولة الاحتِلال الإسرائيلي بعدم تنفيذ تهديداتها “الكاذبة” بالإقدام على أيّ عُدوان كرَدٍّ على احتِجاز سفينتها المُحتَجزة حتّى الآن في ميناء الحديدة.

نِتنياهو طلب رسميًّا من الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومن قادة أوروبيين آخرين، اتّخاذ “الإجراءات اللّازمة” لمُواجهة هذا الحِصار البحري اليمني على “إسرائيل” وكَسرِه، وهدّد الجِنرال تساحي هنغبي مُستشار الأمن القومي الإسرائيلي بالرّد إذا لم يهتم العالم بهذا الأمر.

التردّد الأمريكي يعود إلى قناعةٍ راسخةٍ لدى البيت الأبيض بأنّ أيّ عُدوانٍ على اليمن سيتم الرّد عليه “فورًا” بقصف القواعد الأمريكيّة في السعوديّة والإمارات وقطر والبحرين التي يتواجد فيها آلاف الجُنود الأمريكيين.

مِن المُفارقة أن ردّ قِيادة حركة “أنصار الله” على هذه التّهديدات الإسرائيليّة كان مُختَصرًا جدًّا ومُرعِبًا في الوقتِ نفسه، “نحنُ جاهِزون للحرب، وتفضّلوا”.

حركة “أنصار الله” صمدت ثماني سنوات أثناء حرب اليمن، ولم تستسلم مُطلقًا رُغم الفارق في موازين القِوى نوعيًّا من النّاحية العسكريّة، وتملك عشرات، وربّما عشرات الآلاف من الصّواريخ الباليستيّة والمُجنّحة، والمُسيّرات وأعداد لا تُحصى من الألغام البحريّة، علاوةً على زوارق استشهاديّة سريعة جدًّا، وما نُريد قوله إنّ تهديدات العميد سريع تأتي مدعومة بالقوّة العسكريّة المُجرّبة وليس من قبيل التّهويل.

“إسرائيل” المُدلّلة أمريكيًّا وأوروبيًّا ترى أن تهديد سُفنها من قِبَل حركة “أنصار الله” اليمنيّة يُشكّل حِصارًا لها، سُبحان الله، ولِمَ لا.. ألا تُحاصر قِطاع غزة مُنذ 17 عامًا، وتمنع عنه ومِليونين من سُكّانه الحدّ الأدنى من المطالب الأساسيّة للبقاء، وتُحصي على أهله عدد السّعرات الحراريّة، 2000 سُعر للنساء، و2200 للرّجال يوميًّا، بضاعتكم رُدّت إليكُم.

القِيادة السعوديّة كانت “بعيدة النّظر” عندما طالبت الإدارة الأمريكيّة بضبْط النّفس، وعدم الإقدام على أيّ رَدٍّ مُتسرّعٍ من قبلها على احتِجاز السّفينة الإسرائيليّة وجرّها مِثل الخروف إلى السّاحل اليمني، لأنّها تعلم جيّدًا، وبحُكم التّجربة العمليّة، أنّ أيّ ردٍّ سيُعطي نتائج عكسيّة، فعلاوةً على قصف القواعد الأمريكيّة، ستنهار الهدنة بينها (السعوديّة) واليمن، وستعمّ المِنطقة حالة من الفوضى وعدم الاستِقرار، وتحوّل البحر الأحمر إلى ميدانٍ لحُروبٍ مُدمّرة، وفوق هذا وذاك منْع مُرور 4 ملايين برميل من النفط إلى المُستهلك الغربي عبر مضيق باب المندب، ممّا سيُؤدّي إلى أزمة وقود عالميّة بسبب النّقص أو ارتفاع الأسعار.

القيادة الأمريكيّة تبحث حاليًّا مع أتباعها في المِنطقة والعالم أمْرين أساسيين، الأوّل: وضع حركة “أنصار الله” على قائمة الإرهاب مجددًا، والثاني: تشكيل قوّة حماية عسكريّة في البحر الأحمر وبحر العرب للتصدّي لأيّ مُحاولة لإغلاق مضيق باب المندب.

لا نعرف ما إذا كانت ستُحقّق أي من الهدفين المذكورين أو كليهما، ولكن ما نعرفه أنها سترتكب إثمًا طالما حذّرت منه، أي توسيع الحرب في قِطاع غزة، وتحوّلها إلى حربٍ إقليميّةٍ مُتعدّدة الجبهات، وستكون أمريكا الخاسِر الأكبر، أمّا اليمن بلدُ الحكمة والإيمان سيكون الفائز الأكبر ليس لأنّه يتطلّع للشّهادة ولا يملك ما يخسره، وإنّما لانه سيُضيف انتصارًا جديدًا وعالميًّا لرصيده التاريخيّ الضّخم في هذا المِضمار، والحياة بالنّسبة له وقفةُ عز.. والأيّام بيننا.

 

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com