عطوان: لماذا عاد مشروع تهجير الفلسطينيين من الضفة والقطاع الى الواجهة مع عودة بلينكن الى المنطقة؟ وهل ترضخ له مصر والأردن في نهاية المطاف؟ وكيف سيكون رد الفعل الفلسطيني عليه في الحاضر والمستقبل المنظور؟ وما هي توقعاتنا..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان:
تجميد ملف تهجير اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وخروجه من العناوين الرئيسية هذه الأيام لا يعني انه لم يعد موضع بحث على موائد المفاوضات، سواء تلك المتعلقة بالهدن المؤقتة، أو في غرف واضعي الخطط الإستراتيجية لشؤون الشرق الأوسط في العالم الغربي، فحرب الإبادة والتطهير العرقي الإسرائيلية في القطاع بالدرجة الأولى، والضفة الغربية بالدرجة الثانية، جاء من أجل تنفيذه بأسرع وقت ممكن.
ما يدفعنا للتوصل الى هذه النتيجة عدة أمور أبرزها عودة انتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي و”عراب” هذا الملف، وأحد أبرز المتحمسين لتنفيذه، الى منطقة الشرق الأوسط بعد غياب طويل، وظهور أصوات لنواب في مجلس النواب الأمريكي تطالب بربط المساعدات المالية الأمريكية لدول عربية بمدى موافقتها أو رفضها لهذا المشروع، وفوق هذا وذاك تزايد الضغوط من ناحية، والمغريات المالية من ناحية أخرى (سياسة العصا والجزرة) من أمريكا والدول الأوروبية على الدول المُستهدفة بالدرجة الأولى، والمقصود هنا الأردن ومصر، فمن يأخذ مساعدات بالمليارات من أمريكا غيرهما؟
تهجير اللاجئين الفلسطينيين من الضفة والقطاع التي تصنف مخيماتهم بأنها “حواضن التطرف” ومعامل التفريخ للمقاومة، مشروع إسرائيلي بالدرجة الأولى، ووصل الى مرحلة التحشيد والتصعيد لتسويقه أوروبياً وأمريكياً بعد وصول حكومة الليكود الفاشية الحالية الى سدة الحكم في دولة الاحتلال، وتبنيها سياسة ضم الضفة الغربية والقطاع بعد تخفيف الكثافة السكانية الفلسطينية فيهما الى الحدود الدنيا، فإسرائيل الليكودية تريد ارضا (يهودا والسامرة) دون سكان، او أقل عدد ممكن منهم.
مجلس الأمن القومي المصري (العسكري) رفض رفضاً مطلقاً مشروع التهجير الذي حمله “سمساره” بلينكن الى القاهرة، متوقعاً التصديق عليه، ويتضمن خرائط مفصلة لإقامة “مدينة خيام” فوق الأراضي التي كانت تقام عليها مستوطنة “ياميت” في سيناء، ولأسباب تتعلق بالحرص على استتباب الأمن المصري، وسياسة فك الارتباط “عسكرياً” بالقضية الفلسطينية، وأخيراً وهو الأهم، رفض الشعب المصري المتجذر لأي مشروع للتهجير الى أراضي بلاده، ودعمه المطلق، ومن منطلقات وطنية واسلامية وعربية لأشقائه في فلسطين المحتلة.
إذا انتقلنا إلى الأردن المهدد بخطر تهجير الملايين من أبناء الضفة الغربية الى أرضه، وإقامة الوطن البديل ونسف التركيبة السكانية المستقرة والمتعايشة، فاللافت أن السلطات الأردنية التي تملك معلومات تفصيلية عن هذا المشروع، حملها إليها بلينكن أثناء زيارته السابقة إلى العاصمة الأردنية في إطار جولته في عدة عواصم عربية لتسويقه، صعّدت من انتقاداتها، واتخذت إجراءات عملية أدت الى توتير علاقاتها مع دولة الإحتلال، مثل دراسة إلغاء إتفاق إستيراد الغاز الإسرائيلي المسروق وقيمتها 15 مليار دولار، وتجميد إتفاق آخر رعته دولة الإمارات تحت عنوان “الطاقة” الكهربائية (الأردن) مقابل الماء (إسرائيل)، وهو ماء أردني مسروق ومنصوص عليه في معاهدة وادي عربة.
السيد أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني تخلى عن “نعومته” الدبلوماسية فجأة، وتحول إلى صقر شرس بمنقار جارح ومخالب قاتلة، وخرج عن النص المتبع على مدى عقود، لكل الحكومات الأردنية السابقة والحالية عندما هاجم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة اثناء مشاركته في “حوار المنامة” منصة إشهار صفقة القرن، وقال محذرا “ان الأردن الذي لديه معاهدة سلام مع إسرائيل منذ عام 1994، سيفعل كل ما يلزم لمنع تهجير الفلسطينيين سواء الى الأردن او سيناء المصرية”..
وأضاف “لن نسمح بحدوث هذا التهجير مطلقاً، فبالإضافة إلى كونه جريمة حرب، فإنه يشكل تهديداً مباشراً لأمننا القومي وسنعمل كل ما يلزم لوقفه”، أما العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني فأكد في رسالة بمناسبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني “أن إستمرار إسرائيل في القتل والتدمير ومحاولات تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية تحد للقانون الدولي والإنساني، وسيتسبب في إشعال المزيد من دوامات العنف والدمار في المنطقة”، وما لم يقله العاهل الأردني في هذه الرسالة وقاله لنا في لقاء سابق “ان الترانسفير للفلسطينيين الى الأردن يعتبر اعلان حرب لن تتردد في التصدي له مهما كلف الامر”.
مشروع التهجير الإسرائيلي المدعوم أمريكياً، ومن بعض الدول الأوروبية، والتابعين العرب، لن يمر، ولن يكون نكبة ثانية لعدة أسباب أبرزها رفض الشعب الفلسطيني له، واستعداده للشهادة لمنع تطبيقه سواء في الضفة او القطاع، لأنه لا يمكن للمؤمن أن يلدغ من الجحر الواحد مرتين، والأهم من ذلك انه لم يعد أعزلاً، وبلا مخالب أو أنياب مثلما كان عليه الحال عام 1948، فهناك حركات مقاومة في القطاع تملك الإرادة وأسباب القوة، وانتفاضة مسلحة مشرفة ومضحية بالأرواح والدماء في الضفة الغربية، وفوق هذا وذاك ان هذا الشعب فقد الثقة كليا بالحكومات العربية المتواطئة مع المشروع الصهيوني، وبات يعتمد على نفسه فقط.
الامريكان جوعوا مصر وأغرقوا الأردن بالديون والقواعد، تمهيدا لفرض هذه المشاريع التهجيرية، واذا لم يتم التصدي، وبقوة لإحباطه، فإن مصير البلدين سيكون أكثر سوءا من الأوضاع الحالية في سورية ولبنان والسودان وليبيا.
هجوم السابع من تشرين التاريخي الذي أفقد دولة الاحتلال كل أسباب غطرستها، وأذل جيشها ومؤسساتها الأمنية، وأفقدها قوة الردع والتفوق العسكري، غيّر كل المعادلات العسكرية والسياسية في المنطقة، ورفع البطاقة الحمراء في وجه كل المشاريع الإسرائيلية، وعلى رأسها مشروع التهجير للفلسطينيين واستبدله بآخر وهو مشروع التهجير للإسرائيليين بالتقسيط غير المريح.. والأيام بيننا.
المصدر: رأي اليوم