نظرة إستراتيجية على نتائج حرب غزة..!

5٬898

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

بقلم/ سعدالله زارعي

الكثير يرون أن فلسطين و”الكيان الإسرائيلي” لن تكونا كما كانتا عليه من قبل، بعد إنتهاء العدوان الحالي على غزة، بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك حيث قالوا إن وضع الغرب ومنطقة غرب آسيا لن يبقى على ما هو عليه بعد إنتهاء الحرب الحالية على غزة.

رئيس الوزراء الصهيوني الفاشل، بنيامين نتنياهو يعتقد أن تداعيات النصر والهزيمة في الحرب الحالية على غزة ستتجاوز “الكيان”. فقد قال في مقابلة مع مراسل “فوكس نيوز” الاثنين الماضي: “يجب أن ننتصر لحماية إسرائيل. يجب أن ننتصر لحماية الشرق الأوسط. يجب أن ننتصر من أجل العالم المتحضر. هذه هي المعركة التي نخوضها وهي مستمرة الآن. ولا يوجد بديل لهذا النصر. معركتنا هي معركتكم ولا بديل عن النصر”.

وقد طرح الرئيس الأمريكي جو بايدن ذات المضمون بأسلوب مختلف حيث قال: “إن إسرائيل هي القوة الأمريكية الوحيدة والأكبر في الشرق الأوسط. إن أمن أمريكا وإسرائيل مرتبطان ببعضهما البعض ارتباطاً وثيقاً”.

وكان وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت قد صرح أواخر الأسبوع الماضي بأنه “لا بد من هزيمة حماس، وإلا فلن توجد إسرائيل في موقعها الجغرافي الحالي”.

من جهة أخرى، كتب “توماس فريدمان”، وهو شخصية معروفة في مجال الأمن القومي الأميركي، في مقاله الأسبوعي في صحيفة “نيويورك تايمز” أن هزيمة إسرائيل قد تطيح بالجميع – أي كل من يدور في فلك أمريكا في غرب آسيا”.

وفي هذا البين هناك عدة نقاط:

1- في الواقع، لقد حذر نتنياهو في مقابلته مع شبكة فوكس نيوز، الغربيين من أن فشل “إسرائيل” في الحرب سيؤدي إلى إنهيار استراتيجية الغرب الرئيسية والحل الأساسي في آسيا، وبالتالي يجب ألا يسمحوا بأن تخسر إسرائيل في حرب غزة تحت أية ظروف.

بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الإستراتيجية الأساسية للدول الأوروبية والأمريكية هي الحفاظ على مبدأ الهيمنة على الحكومات وموارد دول غرب آسيا من خلال إنشاء “قاعدة آمنة”، ولهذا الغرض، فقد انبثق الكيان الإسرائيلي من رماد فترة الوصاية البريطانية والفرنسية على الدول العربية في المنطقة وتم تقديم دعم مستديم له وأصبح مبدأ لا يجوز المساس به في السياسة الخارجية الغربية.

وفي ذلك الوقت، كانت المهمة الموكلة إلى الصهاينة تتجاوز بكثير إنشاء حكومة قومية يهودية على أرض فلسطين، وبالتالي، قامت الوكالة اليهودية، رغم أنها واجهت مشاكل كبيرة ولم يكن لديها أي آفاق للاستيطان في فلسطين، بتوسيع نطاق حكومتها من النيل الى الفرات وبعبارة أخرى في غرب آسيا برمتها وبعد ذلك فقد اعترف الغرب بها في هذا الكيان وهذا الإقليم وبذل جهوداً كبيرة لتأسيسه.

وفي الوقت الحالي، فان نتنياهو يذكر الغربيين بماهية تأسيس “إسرائيل”؟ ويشير إلى أن “إسرائيل” أنشئت للهيمنة على الشرق الأوسط وتحقيق مصالح الغرب، وبقاؤها رهن بالانتصار في حرب غزة.

النقطة المهمة هي أنه لهذا السبب، وقبل خمسة أسابيع من مقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي الفاشل مع قناة فوكس نيوز، هرول الغربيون إلى تل أبيب لتقييم الوضع عن كثب والتفكير في إيجاد حل لمشكلة “إسرائيل” الأساسية.

وفي الحقيقة أن نتنياهو اعترف في هذه المقابلة وبعد خمسة أسابيع بأن هذا الدعم (الغربي) لم يغير الوضع، وأن انهيار “إسرائيل” لا زال وارداً بشكل جدي. ويتضح من تصريحه أنه يعتبر حاجة “إسرائيل” إلى الدعم الغربي أكثر بكثير مما قدم لها الغرب في الأسابيع الأخيرة.

2- في الواقع أن الغرب يواجه تحدياً خطيراً على صعيد دعم الكيان الإسرائيلي. والتحدي يتمثل في أن دعم “إسرائيل” وتحقيق مصالح الغرب في منطقة غرب آسيا الإسلامية، على عكس تصور الغرب، يواجهان بعضهما البعض بسبب إخفاقات “إسرائيل” المتتالية وكراهية المنطقة لها.

صحيح أن الغرب اوجد “إسرائيل” في هذه المنطقة من أجل ضمان هيمنته على المنطقة إستراتيجياً وبشكل طويل الأمد، لكن الظروف التي يعيشها الكيان الإسرائيلي والمنطقة الآن ليست كما كان يتوقعه الغرب إذ إن الوضع صار مختلفاً حيث كلما زاد دعم الغرب للكيان الإسرائيلي، أصبحت مصالحه أكثر عرضة للخطر وتحولت إسرائيل في الوقت الراهن من “حل مناسب” إلى “مشكلة استراتيجية” بالنسبة للغرب..

ولهذا السبب حذر بعض كبار المحللين الأمنيين الغربيين من أن إتباع سياسة نتنياهو في حرب غزة سيؤدي إلى تفاقم مشاكل الغرب.

وخاطب “توماس فريدمان” في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز” بايدن قائلاً: “يجب ألا نقع فريسة لاستراتيجية نتنياهو لأنها قد تسقط الجميع – التابعين لأميركا في المنطقة، أي الدول العربية”.

صحيفة “بلومبرغ” أيضاً كتبت يوم الأربعاء الماضي أن “الحكومة الأمريكية تشعر بالقلق إزاء سلوك الحكومة الإسرائيلية و”خاب أملها بشكل متزايد حيال سلوكها في الحرب ضد حماس”. وأضافت الصحيفة، “تحاول أمريكا احتواء الصراع في غزة وتأطيره لكن الكيان الإسرائيلي لا يفكر إلا في انتصاره في هذه الحرب”.

وقال جون ألترمان، نائب رئيس مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، وهو مركز أبحاث أمريكي، لبلومبرغ يوم الأربعاء: “على مدى الخمسين عاما الماضية – بعد حرب عام 1973 – انتهت حروب إسرائيل لسبب وهو أن الولايات المتحدة تدخلت وقالت: “لقد حان وقت التوقف”.

وخلال العقود السبعة الماضية، قام الغرب بضبط سياساته في غرب آسيا، وضبط كل شيء اعتماداً على مبدأ الحفاظ على التفوق الإسرائيلي. خلال هذه الفترة قدم الغربيون ما لا يقل عن 34 خطة شاملة لترسيخ التفوق الإسرائيلي والحفاظ عليه، لكن رغم ذلك فإن شعور الغرب الحالي هو أن بقاء “إسرائيل” وتعزيزها لم یفض الى ضمان مصالح الغرب في هذه المنطقة السياسية والاقتصادية الخاصة أي غرب آسيا بل ظهرت علاقة عكسية بين الاثنين على نحو متزايد.

والحقيقة أن هذا الموضوع ترك تأثيراً سلبياً على دوافع الغرب، وخاصة الشعوب الغربية، وأزعج نتنياهو وأقلقه بشكل كبير.

الأربعاء الماضي، نشر معهد “إيبسوس” الأميركي نتائج إستطلاع أجراه بين المواطنين الأميركيين في الأيام السابقة، حيث أظهرت نتائجه بأن مستوى الدعم لـ”إسرائيل” بينهم تغير بشكل غريب خلال اسبوعين. وبحسب هذا الاستطلاع، فإن 32% فقط من المواطنين الأمريكيين يؤيدون سياسات الدعم التي تتبعها إدارة بايدن تجاه “إسرائيل”، بينما كانت هذه النسبة قبل أسبوعين 41 بالمائة.

وفي الوقت نفسه، قال 39% من المواطنين أن على الحكومة الأمريكية أن تكون محايدة في الحرب بين “إسرائيل” وحماس، بينما أيد في الاستطلاع السابق 27% من الأمريكيين حياد الحكومة في هذه الحرب.

وفي هذا الاستطلاع، قال 68% من المواطنين الأمريكيين إن على “إسرائيل” إتباع سياسة التفاوض مع حماس بدلاً من الحرب، كما عارض 69% من المستطلعين إرسال أسلحة إلى “إسرائيل”.

3- إن إنخفاض تأييد الرأي العام الغربي لـ”إسرائيل” في الحرب يرتبط بشكل مباشر بالوضع في ساحة المعركة في غزة. إن هذا الإتجاه التنازلي وتصريح نتنياهو الاستجدائي الذي يطالب بالحصول على المزيد من الدعم من الحكومات الغربية يظهران وجود مأزق عسكري إسرائيلي في ساحة المعركة في غزة.

وتشير بعض التقارير الإخبارية إلى أنه قبل نحو أسبوعين، أبلغ مسؤولون أميركيون كبار حكومة نتنياهو أن أمامها أسبوعين لتحقيق نصر ذي مصداقية في غزة ومن ثم لن يكون أمامهم خيار سوى التوجه نحو التفاوض. والآن مر أسبوعان، وأصر نتنياهو في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز يوم الاثنين الماضي على أن “إسرائيل” تحتاج إلى مزيد من الوقت للحصول على ميزة استراتيجية في الحرب.

في بداية العملية البرية ضد غزة، قبل نحو ثلاثة أسابيع، اعلن نتنياهو عن ثلاثة أهداف استراتيجية؛ القضاء على حماس، وإطلاق سراح السجناء الإسرائيليين، وتغيير الوضع الإداري لغزة، أي بعبارة أخرى، إخراج إدارة غزة من يد حماس.

والآن انتهى هذان الأسبوعان، ورغم ان الجيش الإسرائيلي، احتل تكتيكياً، الجزء الشمالي من غزة، الذي تبلغ مساحته نحو 150 كيلومتراً مربعاً، بعد قصف جوي وبحري عنيف ودخول مدرعات ثقيلة، إلا أنه لم يحقق الأهداف الثلاثة التي أعلن عنها.

ولا تزال “إسرائيل” لا تعرف عدد السجناء الموجودين في أيدي حماس، ناهيك عن الاطلاع على قائمة بأسماءهم، وقبل ثلاثة أيام، بعد الاستيلاء على مستشفى الشفاء، الذي زعم أنه الحصن الأكثر أهمية عسكرياً لحماس، أعلن أنه لم يتمكن من الوصول إلى قوات حماس، ولم يعثر على أي أثر لأسراه هناك.

أمريكا تعلم جيداً أن “إسرائيل” عاجزة عن حل المشاكل عبر المناورات العسكرية في غزة، ولذلك طلبت من السلطات الإسرائيلية ترك سيطرة حماس وتغيير الوضع الإداري في غزة وإطلاق سراح الأسرى إلى المفاوضات السياسية، وتجنب القيام بأشياء تزيد الوضع سوءاً..!

هذا في حين أن الكيان الإسرائيلي لا يثق في المفاوضات السياسية لعدم تحقيق إنجازات ذات مصداقية، ويعتبر أن أي نوع من التفاوض قبل الحصول على الأسرى يتعارض مع مصالحه الأمنية. تصريح غالانت الذي جاء كرد فعل على المبادرة الأمريكية، يعبر عن وضع “إسرائيل” في هذا الطرف. وزير الحرب الصهيوني قال: “لا بد من هزيمة حماس، وإلا فلن توجد إسرائيل في الموقع الجغرافي الحالي”.

من وجهة النظر الإسرائيلية، إذا توقفت هذه الحرب مع بقاء الأسرى في أيدي حماس، فهذا يعني أن حماس انتصرت على “إسرائيل”. وانتصار حماس في هذه الحرب سيجعل الميزان العسكري يميل لصالحها على حساب “إسرائيل”، وسيشجع حماس على بلورة حرب أكبر، حرب سينزل فيها الفلسطينيون إلى الميدان في غزة والضفة الغربية والقدس بروح معنوية أعلى وقوة أكبر وينجزون المهمة.

المصدر: العالم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com