عطوان: رسالة أسامة بن لادن التي هزّت أمريكا والغرب.. لماذا أرعبهم إعادة نشرها في ذروة حرب التّطهير العِرقيّ الحاليّ في غزّة؟ وماذا يعني حذف صحيفة “الغارديان” الليبراليّة لها..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان:
ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي طِوال اليومين الماضيين خاصَّةً في أمريكا برسالةٍ كتبها زعيم تنظيم “القاعدة” عام 2002، ووجّهها إلى المواطنين الأمريكيين وقيادتهم، يسرد فيها الأسباب التي دفعته، وتنظيمه، إلى شن هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001 على مركز التجارة العالمي في نيويورك، وأبرزها الدعم الأمريكي العسكري، والسياسي، والمادّي لدولة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمها في حقّ الشعب الفلسطيني، والسياسات الأمريكيّة المُعادية للعرب والمسلمين عُمومًا، ويؤكّد أن هذه الهجمات جاءت ثأرًا وانتقامًا من هذه الجرائم، ويصل إلى خُلاصة مفادها “أن إنشاء إسرائيل جريمة يجب أن تُمحى، وكُل من تلوثّت يداه بالمُساهمة فيها يجب أن يدفع الثمن غاليًا”.
السبب الرئيسي للبحث عن هذه الرسالة في أرشيف صحيفة “الغارديان” البريطانيّة التي نشرت نصّها كاملًا في أحد أعدادها قبل 22 عامًا، وإعادة تداولها على مُعظم وسائل التواصل الإجتماعي هو العُدوان الهمجي الإسرائيلي الرّاهن على قِطاع غزّة، والدعم الأمريكي له، وكُل ما يترتّب عليه من حرب إبادة وتطهير عرقي، ورفض إدارة الرئيس جو بايدن أي وقف لإطلاق النّار، ممّا يعني إعطاء الضّوء الأخضر للجيش الإسرائيلي لمُواصلة مجازره التي أدّت حتى الآن إلى استشهاد حواليّ 12 ألف مدني مُعظمهم من الأطفال والنساء، وإصابة وتدمير أكثر من نِصف المباني في القطاع.
إعادة نشر الرسالة هو رسالةٌ في حدّ ذاته، وتحذير واضح للولايات المتحدة، تقول إن هذا الدعم الذي تُقدّمه للمجازر الإسرائيليّة ربّما يُؤدّي إلى الدّفع ببعض أبناء الضّحايا وأشقائهم نحو التطرّف والإقدام على أعمالٍ انتقاميّة مُماثلة في المُستقبل المنظور، سواءً في الولايات المتحدة، أو في العالم الغربي.
مجلّة “الإيكونوميست” البريطانيّة الشّهيرة قالت الكلام نفسه تقريبًا في افتتاحيّةٍ لها تعليقًا على أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعد أسبوعين من وقوعها، وقالت إن بعض العرب والمسلمين يُقدمون على هذه الأعمال انتقامًا من الحُروب الأمريكيّة في بُلدانهم، وخاصّةً القصف التدميري للعراق، والحصار الخانق المفروض عليه وعلى شعبه من قبل الإدارة الأمريكيّة، والجرائم المُرتكبة في حقّ الفلسطينيين، وعدم تطبيق القرارات الدوليّة، ونشرت المجلّة هذه الافتتاحيّة قبل عامٍ من رسالةِ زعيم تنظيم القاعدة.
جريمة أمريكا بدعم حرب الإبادة الإسرائيليّة في قِطاع غزّة أكبر بكثير من جريمة مُنفّذيها الإسرائيليين، لأنها تدّعي زعامة العالم الحُر، وتغزو دول وتُدمّر أُخرى تحت ذريعة نشر قيم العدالة وحُقوق الإنسان، وكُل أشكال الديمقراطيّة الغربيّة في العالم الثالث، وتخوض مُنذ عامين تقريبًا حربًا بالإنابة في أوكرانيا تحت عُنوان احتلال روسيا لأراضٍ “أوكرانيّة”، وبلغ دعمها المادّي للجيش الأوكراني أكثر من مئة مليار دولار غير مئات الطائرات والصواريخ الأحدث في ترسانتها العسكريّة، بينما تفعل العكس تمامًا فيما يتعلّق بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربيّة.
لا نحتاج إلى رسالةِ زعيم القاعدة للتعرّف على جُذور الكراهيّة في أوساط مُعظم الدول العربيّة والإسلاميّة تُجاه سياسات النفاق الأمريكيّة والعنصرية، فالأدلة واضحة ومكتوبة على الحائط، ونراها حاليًّا في أبشع صُورها في قطاع غزّة حاليًّا، حيث تُقاتل قوّات نخبة أمريكيّة جنبًا إلى جنب مع القوّات الإسرائيليّة المُغيرة، ويجري ذبح أكثر من خمسة الاف طفل ورضيع فِلسطيني بالقنابل والذّخائر والأسلحة والطّائرات الأمريكيّة، وتهجير أكثر من مِليون ونِصف المِليون إنسان وقطع الماء والكهرباء والطّعام عنهم.
كان أمْرًا مُؤسفًا أن تحذف صحيفة “الغارديان” البريطانيّة اليوميّة التي كُنت لعدّة سنوات أحد كتّاب الرأي فيها عندما كانت تدّعي أنها تُمثّل الليبراليّة وحُريّة التعبير في الصّحافة العالميّة، كان أمرًا مُؤسِفًا أن تحذف الصّحيفة النصّ الحرفيّ لرسالة زعيم تنظيم القاعدة من أرشيفها، الأمر الذي يعكس حجم التّدهور في المهنيّة والحُريّات، والرّضوخ لمجازر القتل والتطهير العِرقي الإسرائيليّة المدعومة أمريكيًّا.
حرب غزة فضحت مُعظم، إن لم يكن كُل، الادّعاءات الغربيّة حول الحُريّة، وحُقوق الإنسان، وحُريّة التعبير في الإعلام الغربي، الأمر الذي سيُؤدّي إلى نتائج عكسيّة في تفجير الحُروب، ونشر الكراهيّة، والتطرّف، في مُختلف أنحاء المعمورة، ولا نستغرب، ولهذه الأسباب، أن يأتي اليوم الذي يترحّم فيه الغرب، وربّما العالم بأسْره، على أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) باعتِبارها لا شيء بالمُقارنة ممّا قد تُؤدّي إليه هذه السّياسات والمواقف العُدوانيّة الغربيّة من كوارثٍ وقتلٍ للأبرياء وزعزعةٍ لاستِقرار العالم، فيما هو قادمٌ من أيّام.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم