عطوان: بُطولات إعجازيّة لمُقاتلي القِطاع في الحرب البريّة.. ونحيب قادة الكيان يتصاعد بسبب تَناسُل الخسائر الميدانيّة.. لماذا نعتبر أيّ وقفٍ لإطلاق النّار انتِصارًا للكتائب وهزيمة لأمريكا الشّريك الأكبر في العُدوان..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان:
عندما شنّت دولة الاحتِلال عُدوانها على قِطاع غزّة قبل شهر تقريبًا، كان الهدف المُعلن هو إطلاق سراح جميع الأسرى (250 أسيرًا إسرائيليًّا) دُونَ شُروط، وتدمير حركة “حماس” بالكامِل، وإيجاد البدائل لحُكمها، الآن انقَضى شهر تقريبًا، ولم يُحَقّق هذا العُدوان أيّ من هذين الهدفين، بل ما حدث هو العكس تمامًا، أي تزايُد أعداد الأسرى، وتفاقم الخسائر الكبيرة في صُفوف قوّاتها بعد إرسال دبّاباتها إلى القِطاع في إطار الحرب البريّة التي توقّعوا أن تكون “نزهة” ولأيّامٍ معدودة.
أمران نُريد التوقّف عندهما لتأكيد ما تقدّم ذِكره، ويُسلّطان الأضواء على حقيقة المشهد العسكري في القِطاع:
الأوّل: الاستِعداد المدروس لكتائب المُقاومة بزعامة “القسّام” للتوغّل البرّي الإسرائيلي في القِطاع، وشجاعة مُجاهدي المُقاومة في التصدّي له، ولعلّ الفيديو الذي نشره الجناح الإعلامي لكتائب “القسّام” ويظهر فيه أحد المُجاهدين وهو يقترب من دبّابة “النّمر” ويُلصِق بها عُبوةً ناسفةً ويُفجّرها عن بُعد ثمّ يَقصِفها بصاروخ “الياسين” ممّا أدّى إلى تدميرها بالكامِل وقتل جميع من فيها، هذا التّوثيق غير المسبوق بالصّوت والصّورة، يعكس بصدق تصاعد الخسائر الإسرائيليّة في المَعدّات والجُنود معًا، ويُؤكّد أن الأيّام المُقبلة ستكون حافلة بالانتِصارات.
الثاني: إعتراف الجِنرال بيني غانتس عُضو حُكومة الطّوارئ الإسرائيليّة، والرّجل الثاني فيها، بأنّ الصّور القادمة من غزّة مُؤلمة جدًّا، وقال بالحرف الواحد “إن دُموعنا تتساقط عند رؤية جُنود كتيبة “جعفاني” (قوّات النّخبة في الجيش الإسرائيلي) يسقطون بقنابل وصواريخ كتائب القسّام”.
الأرض الطّاهرة تُقاوم مع أهلها، وهذا ما يجري حاليًّا في غزّة، فالمُقاومة علاوةً على الشّجاعة والصّمود والاستِعداد، تملك الأرض وما فوقها وتحتها، والوقت لصالحها، فكُلّما طالت المُواجهات تفاقمت خسائر الغُزاة، واتّسعت دائرة الهزيمة.
الإنجاز العسكري الكبير الذي حقّقته “الخُبرات” الإسرائيليّة، والطّائرات الحربيّة الأمريكيّة المُتطوّرة، هو اغتِيالٌ أكثر من عشرة آلاف مدني ليس من بينهم مُقاتل واحِد، بل حواليّ 5000 طِفل ورضيع، والعدد نفسه أو أقلّ قليلًا من النّساء، وتدمير المُستشفيات وقطع الماء والكهرباء، ووقف كُل إمدادات الطّاقة والطّعام.
قرار الحرب كان فِلسطينيًّا صرفًا، والانتِصار الكبير الذي تحقّق من جرّاء اقتِحام الحُدود والوصول إلى أكثر من 50 مُستوطنة وبلده في غِلاف غزّة المُحتل وأسْر 250 جُنديًّا ومُستوطنًا، بينهم جِنرالات كِبار، والصّمود أكثر من شهر في مُواجهة الجيش الذي لا يهزم، هذا الانتِصار كانَ فِلسطينيًّا أيضًا وغيّر كُل قواعِد الاشتِباك في المِنطقة، وفضح الخُنوع الرّسمي العربي، وأعاد الثّقة والأمل إلى أكثر من 400 مِليون عربي ومِلياريّ مُسلم وللمَرّة الأولى مُنذ ما يَقرُب من نِصف قرن من الهزائم والإحباطات.
أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي الذي يزور المِنطقة حاليًّا بدأ بتل أبيب، جاء لإنقاذ دولة الاحتِلال، وسُمعة بلاده كقُوّةٍ عُظمى أيضًا من خِلال السّعي للتوصّل إلى وقف إطلاق النّار تحت عُنوان “الإنسانيّة” لأنّ إدارة الرئيس بايدن التي أرسلت جُنودًا وخُبراء عسكريين وآلاف الأطنان من القنابل والذّخائر، إلى جانِب حامِلات الطّائرات، أدركت أنها أخطأت الحِسابات، وأن دولة الإحتلال التي جرى منحها أكثر من شهر لحسم الحرب في القِطاع لصالحها وتحقيق أهدافها في إطلاق الأسرى وإزالة “حماس” من الوجود فشلت وباتت على حافّة الانهِيار، والأهم من ذلك أنّ التّأييد الغربيّ لها، الذي تم في إطار “أُكذوبة” دعم حقّها في الدّفاع عن النّفس بدأ يتراجع بشَكلٍ مُتسارع بعد أن تحوّل إلى غِطاءٍ للإبادة الجماعيّة والتّطهير العِرقي، وقصف “كتائب” الأطفال والرّضّع.
نحن نعيش أيامًا تاريخيّة، أو بالأحرى نعيش تصحيحًا تاريخيًّا، يفضح الاحتِلال وجرائمه والدّعم الأمريكي الغربي له، ويظهر الوجه المُشرّف للجينات العربيّة والإسلاميّة، ويعكس القُدرات الخارقة لرِجال المُقاومة الذين اختاروا طريق الشّهادة لتحرير الأرض، وحِماية المُقدّسات، واستِعادة الكرامة المهدورة بسبب جُبن القادة، ورُضوخهم المُهين للإملاءات الأمريكيّة، والهرولة إلى حِماية هذا العدو الذي لا يستطيع حِماية نفسه من جِنرالات غزّة خرّيجي أكاديميّات عزّة النّفس العربيّة والإسلاميّة الصّرفة، وأهم دُروسها ومراجعها “الجِهاد”.
ما يُميّز قائد عن آخِر هو القُدرة على اتّخاذ قرار الحرب، وتحديد ساعة الصّفر، وهذا ما فعله الجِنرالان يحيى السنوار ومحمد الضيف ومُساعدوهم في غُرفة عمليّاتهم تحت الأرض.
قِطاع غزّة، هذا الشّريط الحُدودي الذي لا تزيد مساحته عن 150 ميلًا مُربّعًا، ولا تُوجد فيه غابات ولا جِبال أو هِضاب، ولا يحظى بأيّ دعمٍ أو مُساندة من الجُيوش العربيّة وجِنرالاتها المُتكرّشين والحمد الله، هذا القِطاع انتصر، ودخل التّاريخ بتضحية، ودعم أشقّائه في الضفّة الغربيّة وكتائبهم، والأيّام القادمة حافلة بالمُعجزات.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم