عطوان: لماذا تطاول وزير الخارجيّة الإسرائيلي بطريقةٍ وقحةٍ على غوتيرش أمين عام الأمم المتحدة؟ وما هي التصريحات القويّة التي أدلى بها وهزّت الكيان؟ هل جاءت “تراجُعات” بلينكن اعتِرافًا بالهزيمة في غزّة ورُعبًا من كثافةِ قصف قواعِد بلاده في العِراق وسوريا؟ وكيف انتصرت “حماس” في الحرب الإنسانيّة..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان:
أن يتطاول إيلي كوهين وزير خارجيّة دولة الاحتِلال على أنطونيو غوتيرش أمين عام الأمم المتحدة بسبب تصريحاتٍ أدلى بها أمام جلسة لمجلس الأمن تتناول الأوضاع في غزّة، ويتّهمه بأنّه “يعيش في عالمٍ آخر” فهذا أمرٌ غير مُفاجئ، لأنّ الوقاحة تحتلّ الكلمة الأولى في قاموس المسؤولين الإسرائيليين، خاصّةً هذه الأيّام بعد هزيمتهم الكُبرى والمُهينة في مُستوطنات غِلاف القِطاع على أيدي حركة “حماس”، وتعاظُم الانتقادات العالميّة لحربِ الإبادة التي يُمارسونها حاليًّا في غزّة بقتلِ آلاف الأطفال والمدنيين.
الخطيئة الكُبرى التي ارتكبها غوتيرش جاءت لانتِقاده التّطهير العرقيّ الذي تُمارسه دولة الاحتِلال في القِطاع أثناء مُداخلته في جلسةٍ لمجلس الأمن الدوليّ اليوم، انتقد فيها المجازر الإسرائيليّة، وعبّر عن قلقه إزاء الانتِهاكاتِ الواضحةِ للقانونِ الإنسانيّ الدوليّ التي تجري في قِطاع غزّة.
العبارةُ الأقوى التي أثارت قلق وانزِعاج كوهين، وتعكس “قرفًا” عالميًّا مُتزايِدًا من انتِهاكات دولة الاحتِلال لحُقوق الإنسان وفوقيّتها وغطرستها، وقتل الأطفال والنّساء والعجَزة، تتمثّل في قوله، وبكُلّ شجاعةٍ وجُرأةٍ “هجمات حماس على المُستوطنات الإسرائيليّة لم تأتِ من فراغ، فالفِلسطينيّون تعرّضوا إلى احتِلالٍ خانقٍ على مدى 56 عامًا”، وأضاف “كُل طرف مُسلّح ليس فوق القانون الإنساني الدولي”، وطالب بوقف إطلاق نارٍ “إنسانيٍّ” ودُخول المُساعدات، ووصف ما دخَلَ إلى القِطاع من مُساعداتٍ مُجرّد “قطرة”.
هذه التّصريحات الشّجاعة، ومن الأمين العام للأمم للمتحدة تحديدًا، تعكس حجم الانقِلاب المُتسارع في أوساط المُؤسّسات الدوليّة، والرّأي العام العالمي، بدء مرحلة انتقال مُهمّة مع دُخول حرب غزّة أُسبوعها الثالث، أبرز عناوينها رفض الرّواية الإسرائيليّة الأمريكيّة المُزوّرة والمُضلّلة، والتمرّد على الحمَلات الإعلاميّة الزّائفة، وشيطنة المُقاومة الفِلسطينيّة بشَكلٍ خاص لتبرير العُقوبات الجماعيّة، وحرب الإبادة.
الفضّل في هذا الانقِلاب الصّحوة يعود بالدّرجة الأولى إلى التغوّل الإسرائيلي في القتل والتدمير وسفك الدّماء بصُورةٍ غير مسبوقة، وللشّباب العربي، والإسلامي والدولي، الذي تصدّى للأخبار الإسرائيليّة الكاذبة على وسائط التواصل الاجتماعي بقُوّةٍ وفاعليّة وذكاء، وأخيرًا إدارة حركة حماس للمعركة الإنسانيّة بطريقةٍ مُتميّزة عندما أحسَنوا مُعاملة الأسرى، وأفرجوا عن المرضى منهم دُونَ شُروط، وعادَ هؤلاء (إمرأتان) إلى دولة الاحتِلال وقدّموا شهادات مُشرّفة عن حُسن المُعاملة التي لاقُوها على أيدي رِجال حماس أثناء الأسْر.
أنتوني بلينكن هذا الوزير الصّهيوني البَشِع الذي إنحاز مُنذ اليوم الأوّل للمجازر الإسرائيليّة في غزّة، اضْطُرّ مُكرَهًا اليوم للتّراجع عن سِياساته ومواقفه، بعد أن أثبتت الوقائع على الأرض حُدوث الانقِلاب المذكور آنفًا في المُجتمع الدولي ضدّ أكاذيبه وأعمامِه الإسرائيليين، فقد فاجأنا اليوم بتصريحاتٍ عكست تغييرًا ملحوظًا في لونِ جلده، عندما قال “علينا العمل بكُلّ جديّة على حكايةِ كُل المدنيين في النّزاع والعمل على إطلاق سراح كُل المُحتجزين دُون شُروط، وأضاف “عازمون على منْع توسّع هذا الصّراع، فالأرواح البشريّة كلّها مُهمّة بالدّرجة نفسها”، سُبحان مُغيّر الأحوال.
هذه التّراجعات، سواءً من قِبَل الأمين العام للأمم المتحدة، أو الصهيوني بلينكن، تُؤكّد بدء العد التنازلي للهزيمة الثانية لدولة الاحتِلال بعد الهزيمة الأولى الإعجازيّة التحريريّة لمُستوطنات غِلاف القِطاع في السّابع من شهر تشرين أوّل (أكتوبر) الحالي.
أمريكا التي تبنّى رئيسها رواية قطع “حماس” لرُؤوس الأطفال، وتراجع عنها مُهانًا، وضعت خططًا ميدانيّة، بإجلاء رعاياها (600 ألف مُعظمهم يهود يحملون جنسيّةً مُزدوجة) من دولة الاحتِلال، ومن قواعدها العسكريّة في مِنطقة الشّرق الأوسط، خاصّةً في العِراق وسوريا خوفًا على حياتهم في المرحلة المُقبلة بعد تزايُد الهجمات الصاروخيّة عليها من أذرع المُقاومة، وتحديدًا في عين الأسد العِراقيّة والتنف في سورية والعِراق والأردن، وكنكو في شرق الفُرات قُرب حقل العمر السوري النّفطي.
أمريكا تعيشُ حالةً من القلق والرّعب من جرّاء احتِمالات توسيع الحرب في القِطاع وإطالة أمَدها ومُشاركة أذرع المُقاومة فيها، والنّتائج العكسيّة للهُجوم الدّموي الإسرائيلي على غزّة وما ترتّب عليه من مجازرٍ أدّت إلى تصاعد حالة الغضب في العالمين العربيّ والإسلاميّ، ونسْف كُل اتّفاقات “سلام أبراهام” الخِيانيّة.
خِتامًا نقول إنّه ليس غوتيرش أمين عام الأمم المتحدة الذي تطاول عليه وزير الخارجيّة الإسرائيلي ووصفه بأنّه يعيشُ في عالمٍ آخر، وإنما الولايات المتحدة حاميته، ودولته المُلطّخة يديها، وقادتها، بدِماءِ الأطفال.
نترحّم على أرواح أطفالنا وشُهدائنا في قِطاع غزّة، ولكنّنا على ثقةٍ أنّ هذه الأرواح والدّماء الزّكيّة لن تذهب سُدى، وستُؤرّخ لبداية النّهاية لدولة الاحتِلال، وإعادة رسم خرائط الشّرق الأوسط وربّما العالم بُدونها.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم