ثورة 14 أكتوبر المجيدة تبحث عن ثوارها.. “تقرير“..!

5٬927

أبين اليوم – تقارير 

بين 14 أكتوبر 1963، و14 أكتوبر 2023، 60 عاماً، وثورة تحرر وطني أنهت تراكمات 130 عاماً من الطغيان والعبث والإجرام والاستعباد والعربدة والوحشية الاستعمارية البريطانية، وقدّم شعبنا الحرّ في المناطق اليمنية الجنوبية والشرقية في سبيل نيل الحرية والاستقلال عشرات الألاف من الشهداء الأبرار.

60 عاماً مضت من عمر الثورة الأكتوبرية المجيدة، فما الذي تبقّى منها، وأين هي أهدافها؟.

الأهداف تبخّرت، وجنوبنا مُحتلّ من قِبَل أحذية بريطانيا، والثورة لم يتبقَّ منها سوى الإسم فقط، والصورة انقلبت رأساً على عقب، والمفاهيم تغيّرت، والأدوار تبدّلت، والمستعمِر لم يعد مستعمِراً بل مُحرِراً، ومقاومة الغُزاة والمحتلين لم تعد عملاً وطنياً بل عمالة وخيانة وإرهاباً، ويبقى المشترك بين الزمنين:

الخاصرة الجنوبية للجزيرة العربية، بما تتوافر عليه من موقع استراتيجي وثروات طبيعية بِكر، ساحة لعبث الغرباء، ومسرحاً لأطماع ونهب المهيمنين، القدماء والجدد.

وما بين الزمنين لا زالت ثورة 14 أكتوبر تبحث عن المناضل الحرّ الشيخ راجح غالب لبوزة ورفاقه من الثوار الأكتوبريين الأحرار، ليُعيدوا للثورة طُهرها وعفّتها ونقائها وألقها ووهجها، ويُعيدوا لأهدافها قُدسيّتها، ويُعيدوا لشعبنا اليمني الحرّ في الجنوب كرامته وعزته وحريته وأرضه وسيادته وقراره، ويُطهروا الجنوب وجُزره وسواحله ومياهه وبحاره من خبث ورجس ونجاسة تحالف العاصفة العبرية وأحذيتها المحلية، ويُوقفوا عبثهم وجرائمهم بحق أرض وإنسان تلك المناطق الطاهرة.

العملاء ورقة الإحتلال الرابحة:

منذ احتلال الانجليز لجزيرة “بريم” في العام 1799، ربطتهم علاقة صداقة ومودة بسلطان العبادلة، واستفادوا من تلك العلاقة في إكثار التردد على عدن تحت مبرر التزود بالماء والتزاور، وانتهى مطاف المغازلة كما يذكر الدكتور “أحمد فخري” بعقد معاهدة ودية وتجارية في 6 سبتمبر 1802 ميلادي بين أمير العبادلة بلحج السلطان “أحمد عبدالكريم” وممثل الشركة الهندية الشرقية الإنجليزية، تضمنت بنودها:

1 – فتح ميناء عدن للتجارة البريطانية.
2 – تأجير جزء من مدينة عدن للإنجليز.

أسهمت هذه المعاهدة في تعاظم النفوذ البريطاني، وتوجهه في 11 يناير 1839 ميلادي للبسط على عدن بالقوة، ومن يومها أصبحت مستعمرة بريطانية، وتذرّع الاحتلال بتحطم بعض سفنه في خليج عدن، ونهب سكان عدن محتوياتها.

وكان أمير العبادلة بلحج قد أعلن خروجه على إمام اليمن في العام 1732، وبدلاً من تعزيز استقلال بلاده وما جاورها قرر في 6 سبتمبر 1802 وضع الحجر الأولى في قبر ذلك الاستقلال بتوقيعه اللا واعي واللا مسؤول على تلك المعاهدة، والتي مثّلت صكّ غفران للاحتلال لتوسيع نفوذه وصولاً إلى البسط والسيطرة على عدن في العام 1839.

أخذ نفوذ الاحتلال بالتوسع والتغلغل داخل اليمن، انطلاقا من عدن، والتي مثّلت مُرتكزاً للانطلاق، وأصبحت سلطنة لحج نفسها محمية من بين عشرات المحميات بموجب معاهدة 5 مايو 1881، وأخطر ما ورد في هذه المعاهدة، تعهد السلطان “فضل بن علي محسن العبدلي” بـ:

1 – تحمّل المسؤولية عن أي تعدٍّ يحدث من رجال القبائل على المحتلين، بمعنى حماية المحتلين من غضب الشعب اليمني الحر.
2 – عدم عقد أي معاهدة مع الدول الأخرى دون إذن حاكم عدن الإنجليزي.
3 – عدم تعمير القلاع والعمارات على ساحل البحر دون إذن حاكم عدن الإنجليزي.
4 – ربط استيراد أو تصدير السلاح والذخائر والعبيد وكل أنواع التجارة والمكسرات والمكيفات من السواحل اليمنية بتصريح خطي من الحاكم الإنجليزي في عدن.

ولذا لا نستغرب من حال الحكومة اليمنية الكومبارسية الموالية للعدوان السعودي الإماراتي اليوم، فالمشهد يُعيد نفسه، وعبادلة اليوم أكثر قذارة وانبطاح وعمالة من عبادلة الأمس، على الأقل عبادلة الأمس كان لهم بعض المواقف الداعمة للانتفاضات الشعبية ضد الاحتلال وإن على استحياء، بينما هم اليوم كالأنعام السائمة همّها علفها وليذهب الشعب والوطن إلى الجحيم.

وثمن بيع القرار والسيادة اليمنية بخس ومُخزي، حيث تعهد الاحتلال بدفع راتب شهري للسلطان وإطلاق الحامية البريطانية في عدن 21 قذيفة مدفعية عند زيارته لها، وعش رجباً ترى عجباً.

المثير في الأمر أن الإنجليز كان لديهم فرَمان من الاحتلال العثماني يُتيح لأسطولهم استخدام ميناء عدن متى أراد، لكنهم فضّلوا عقد معاهدة مع سلطان لحج وبقية السراطين من أجل منح وجودهم الشرعية، ليعبثوا كيفما شاءوا.

أعطت المعاهدة الاحتلال الضوء الأخضر لتنفيذ سياسته الاستعمارية التوسعية، وبسط نفوذه على كامل الساحل الجنوبي لجزيرة العرب ومدخل البحر الأحمر، وتوافرت عدة عوامل ساعدته على التمدد السريع وطول فترة الاحتلال، منها:

1 – حالة الضعف والوهن والتشظي في المناطق الجنوبية والشرقية.
2 – كثرة الصراعات بين مشائخ وسلاطين تلك المناطق على السلطة والزعامة والنفوذ.
3 – إنتشار الأمية والجهل في أوساط السكان.

في ظل هذا الوضع المحلي المزري لم يجد الاحتلال صعوبة في السيطرة والتمدد والإبقاء على أسباب التنازع بين القبائل اليمنية وتغذيتها ليضمن لنفسه البقاء والسيادة والاستمرارية.

أنشأ الاحتلال عدة محميات في جنوب اليمن، وجعل من عدن مركزاً لإدارتها، وقسّم المناطق اليمنية الجنوبية والشرقية إلى كانتونات صغيرة، وجعل عليها أمراء ومشائخ، وأجرى لهم المرتبات ومخصصات الضيافة، وكل أمير بحسب حجمه ووزنه وقُربه من الاحتلال، وكبّل ذلك الكمّ الهائل من الغثاء السلاطيني والأميري والمشيخي بمعاهدات خاصة، أعطته الشرعية والأريحية للتحرك دون رقيب أو حسيب.

جرائم الإحتلال في جنوبنا الغالي:

تفنن الإنجليز خلال عقود احتلالهم البغيض للمناطق اليمنية الجنوبية والشرقية في الإجرام والعربدة، متجاوزين كل المحرمات والمقدسات والأعراف والنواميس.

ولا عجب مما نراه اليوم في فلسطين المحتلة من عربدة وإجرام صهيوني، وما رأيناه خلال سنوات عدوان تحالف العاصفة العبرية على اليمن، فأم أولاد الأفاعي واحدة، إنها مملكة الشر التي لا تغرب عنها الشمس، فهي من زرعت الغدة السرطانية الصهيونية في قلب المشرق العربي “فلسطين المحتلة”، وهي من زرعت السعودية الوهابية الهنفمرية في قلب الجزيرة العربية “نجد والحجاز”، وهي من لقنتهما دروس الإجرام والإرهاب، وهي أيضاً من قسمت جزيرة العرب إلى دويلات متناحرة، ونكتفي هنا بذكر بعضاً من عناوين جرائمها في جنوبنا الغالي خلال فترة الاحتلال، وما تلى الاستقلال الملغوم، وتفاصيلها مبسوطة في كتب المؤرخين لمن أراد الاستفاضة والاستفادة:

1 – تدمير المدن والقرى، وتشريد السكان المدنيين الآمنين، وإحراق ردفان بعملية عسكرية دانها حتى قائد الاستعمار البريطاني آنذاك، وما أشبه حال غزة هاشم اليوم بحال جنوب اليمن في تلك الحقبة المظلمة.

2 – ممارسة كل أساليب التعذيب الوحشي والمخيف ضد الأسرى والمعتقلين اليمنيين، وقتل وأسر الحكام والمشائخ المحليين، ودعم من يؤيدهم حتى يسهل القضاء عليه بعد انتهاء تاريخ صلاحيته كما هو حال “عبد ربه منصور هادي” اليوم.

3 – جعل اللغة الانجليزية اللغة الرسمية في جميع المعاملات الرسمية، وتعيين رؤساء الإدارات ونوابهم من الانجليز، وبقية الكوادر والكُتّاب من أبناء الجاليات الأجنبية الذين يجيدون الإنجليزية، واستبدال القضاء الشرعي الاسلامي بقضاء وضعي علماني باللغة الإنجليزية في جميع المجالات، وبناء الكنائس في مناطق مرتفعة عن المساجد.

4 – نشر المحرمات من خمور ودعارة وقمار وسِباب وأخلاق منحطة، وعدم الاهتمام بالتعليم في مسعى للتغريب الأخلاقي والإعلامي والثقافي، والتجهيل التعليمي، والتسطيح الديني، والإلهاء الاجتماعي.

5 – تحويل عدن إلى سوق للعمالة الرخيصة، ووكر للتآمر والدسائس على شمال اليمن، وفتح أبواب الهجرة الأجنبية إليها، ومحاربة العنصر الوطني، بغرض التهيئة لهندسة مشاريع سياسية مستقبلية للمنطقة مرتبطة بالاستعمار البريطاني، مثل: الحكم الذاتي لعدن، اتحاد الجنوب العربي، الحكومة الانتقالية.

6 – تشجيع نمو “برجوازية كمبرادورية” طفيلية مرتبطة بالمصالح البريطانية.
7 – إقامة مشاريع اقتصادية هامشية تلبي احتياجات القوات البريطانية في عدن، دون اكتراث لحال الشعب اليمني في بقية المناطق الجنوبية المحتلة.
8 – مضاعفة واقع التخلف والتفكك والانقسام، وإثارة الشقاق، وزرع الفتن، وتعزيز التعصب القبلي، وتفريخ العشائر والمشائخ والمشيخات، وتشجيع الأنساب القبائلية، وإثار نعراتها من أجل تعزيز الشعور بالانعزالية، وخلق حركات وطنية وسياسية متناهشة ومتخاصمة وهشّة، وبرامج وعقائد غربية علمانية متضادة ومتصادمة، بما يضمن ديمومة وتناسل عوامل التفرقة والتجزئة والفتن والاختلاف والتشاحن، بما لذلك من تبعات كارثية لا زلنا نكتوي بنيرانها إلى اليوم.

9 – تمزيق الوحدة اليمنية والنسيج الاجتماعي اليمني، وتعميق اليأس في أوساط اليمنيين من عودة التحام جسدهم الواحد.

10 – سلخ هوية الأجزاء الجنوبية والشرقية عن هويتها التاريخية والجغرافية عبر تغليب الثقافات والهويات المحلية، وتغذية النزعات الانفصالية، وتعميق هوّة الخلافات والصراعات البينية، بهدف طمس الثقافة والهوية الوطنية اليمنية، وتكبيل ووأد أي هبّة شعبية تحررية، وتفخيخ مستقبل الأجيال بألغام العنصرية المناطقية والعشائرية والفئوية.

وبلغة أخرى تدجين الهوية الوطنية لصالح الهويات المحلية المُصطنعة، وتعميق الهوة بين علاقات أبناء هذه المناطق وهويتهم الوطنية الأم، وتعميق النزعة الانفصالية التي وجدت في الجمعية العدنية ورابطة أبناء الجنوب العربي ضالتها المنشودة على أمل الحلول مكان الاستعمار بعد رحيله لتنفيذ مخططاته، كما هو حال الانتقالي الجنوبي اليوم ومجلس وحكومة العليمي ومن لفّ لفهم من العملاء والمرتزقة.

11 – شق المناطق الجنوبية إلى شرقية وغربية، فكوّن إدارة لمحميات عدن الشرقية – حضرموت والمهرة، وإدارة لمحميات عدن الغربية – لحج وأبين وشبوة، وجعل بينهما قطيعة سياسية وإدارية واقتصادية، ومنع الوفاق بين مختلف الأطراف اليمنية، وعمل على إنشاء كيانات سياسية هزيلة ومقسمة، ودق إسفين الشقاق بينها، وعمل على إغراقها في مستنقع الصراعات البينية، حيث بلغ عدد السلطنات والإمارات في الجنوب نحو 21 – 32 إمارة وسلطنة ومشيخية، مستقلة عن بعضها ومتناحرة فيما بينها، وصار الاستعمار الرابط الوحيد الذي يجمعها بدلاً عن الروابط الوطنية والدينية والثقافية، كما هو حال السعودية والإمارات اليوم مع مواليهم المحليين.

12 – إنشاء جيوش وقوات أمن محلية على أسس قبلية وعشائرية ومناطقية، وإغراقها في العصبيات الحزبية والسياسية، بنفس الطريقة التي يعمل بها الاحتلال الاماراتي والسعودي اليوم في المناطق المحتلة.

13 – زرع بذور الشقاق والخلاف بين شركاء النضال المسلّح، وكان لهذه الخطوة الشيطانية آثار كارثية في ضمان استمرار الصراع بين أطياف الفعل الثوري بعد رحيل الاستعمار، وهو ما بدى واضحاً في تباين وجهات نظر رفاق الكفاح المسلح واختلاف صفوفهم ووصولهم إلى مرحلة الصِدام الدامي في أكثر من مرة، خلال مرحلة النضال لنيل الحرية والاستقلال، وما بعد نيل الحرية والاستقلال للأسف الشديد، وما نراه اليوم بالمحافظات الجنوبية والشرقية مجرد صدى واجترار شائِه وممجوج لآثار تلك الحقبة المظلمة من تاريخ اليمن.

السفينة تغرق، بهذه العبارة احتلت بريطانيا عدن عام 1839، وبدأ معها تقسيم جنوب جزيرة العرب، ومعها بدأ تاريخ الوصاية والإقصاء والألم والصراعات، ولا تزال ألغامها تكوي الجنوب اليمني إلى يوم الناس.

صنعاء – سبأ: مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com