كيف ترى واشنطن إنضمام الرياض إلى البريكس.. “تقرير“..!

5٬972

أبين اليوم – تقارير 

في الوقت الذي يشهد فيه العالم عصر التعددية القطبية الناشئة، لا ينبغي أن يكون تحرك مجموعة بريكس لتوسيع عضويتها مفاجئاً. في حين يتركز الجدل، واقعاً، على هوية الدول التي انضمت أخيراً إلى المنظمة، خاصة تلك التي تدور في الفلك الأميركي كالسعودية والإمارات والهند، وهذا ما أثار تساؤلات عدة حول دوافع تلك الدول وظروف انضمامها، إضافة إلى المقاربة الأميركية تجاه الحدث.

كان انضمام الرياض وأبو ظبي ونيودلهي، تحديداً، إلى البريكس أمراً مثيراً للاهتمام. وفيما بالغ البعض في اعتباره انسحاباً من الهالة الأميركية، خاصة لناحية الأولى التي عانت من “الخذلان” الأميركي المتراكم منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001، إلا ان الوقائع تبيّن دائماً محدودية هذه الاعتقاد.

ففي الوقت الذي تحاول فيه المملكة تنويع خياراتها، والتطلّع نحو الشرق، تعج أجندة وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، بالمواعيد واللقاءات المخصصة للدفع قدماً نحو تطبيع العلاقات مع كيان الإحتلال والذي سيكون نتيجة عودة الود بين الرياض وواشنطن وبالتالي تفعيل وتوسيع الحماية الأميركية بناء على شروط المملكة.

الواقع، ان دوافع هذه الدول للانضمام إلى البريكس، تأتي نتيجة القرار بتنويع الخيارات تماشياً مع المرحلة المقبلة التي تشهد تعدداً قطبيّاً. وبالتالي، فإن الانسياق السعودي في فلك التعددية لا يتطلب إتخاذ منحى صلب تجاه أي من القوى وهو بالتأكيد، لن يكون عِداءاً للولايات المتحدة.

وللمفارقة، لم تنضم الرياض إلى اليوم، إلى منظمة شنغهاي، ذلك لأن الأمر أكثر تعقيداً ويتطلب رفع السقف السعودي في وجه واشنطن. اذ ان الارتماء في أحضان الصين يعد من الخطوط الحمر التي وضعتها الأخيرة، ولا تبدو الرياض متحمسة لتجاوزها.

بالمقابل، تترقب واشنطن بدورها ما يجري. اذ ان السؤال لا ينحصر بالأسباب التي دفعت بالدول لاتخاذ هذا القرار، بل بماذا ستفعل الإدارة الأميركية مع تنامي دور المنظمة خلال السنوات القادمة؟ فالأمر حينها يتعدى مسألة الرياض وبعض حلفاء البيت الأبيض، إلى مروحة أشمل من الاعتبارات، كتحييد الدولار عن المبادلات التجارية للدول وما ينتجه ذلك من تآكل مستمر في الهيمنة المالية الأميركية.

تنبع قوة واشنطن في فرض العقوبات من أولوية الدولار الأميركي ونطاق رقابة البيت الأبيض على القنوات المالية العالمية. وبالتالي، فمن المنطقي أن تسعى الدول إلى ابتكارات مالية تقلل من مزايا الولايات المتحدة، خاصة بعدما أصبحت الشهية الأميركية مفرطة حيال العقوبات.

تأتي قوة الدولار من أمرين: مدخرات الكيانات والدول والأشخاص عادة ما تكون بالدولار، وغالبيتها موجودة في البنوك الأميركية أيضاً. ثانياً، ارتباط سوق الأسهم والسلع به، أضف إلى ذلك البنوك حول العالم التي تشتري الدولار للحفاظ على استقرار عملتها. وهذا يعني ان الدولار هو عملة تداول وعملة احتياط.

ثمة من يعتقد، ان معقولية كسر هيمنة الدولار، تتعلق بطرح يقوم على ضرورة تأمين بديل بنظام مماثل أو أفضل عن نظام سويفت. بينما يشير الصحفي السويدي، مالكولم كيون، إلى ان “النظام المالي الحالي لم يكن موجودًا إلا لمدة 60 عامًا تقريبًا من حوالي 6000 عام من الحضارة الإنسانية، فإن هذه الفكرة حمقاء”.

إن الخطر الذي يتهدد هيمنة واشنطن على الساحة الدولية، لا يكمن في أن الصين ستتوصل إلى نظام مالي مغاير للنظام الحالي. بل ان الطلب العالمي على الدولار، سينخفض إلى ما دون المستوى الذي يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل فيه عبء ديونها الهائل.

تصدر واشنطن، اليوم النقود الورقية وتستورد المضادات الحيوية والصلب والرقائق الدقيقة. ودون الطلب العالمي على تلك النقود الورقية، فإن الاقتصاد سيصبح أكثر فقرًا وأقل ثراءً.
قد لا تنجح منظمة البريكس، وعلى رأسها الدول التي ترغب فعلاً بإصدار موحدة بنظام موازٍ لنظام سويفت، بأن تقوم بذلك على المدى القريب، مع غياب الركائز الأساسية لذلك.

إلا ان الاعتماد على سلة متكاملة من العملات الوطنية لتلك الدول، وإعطاء الأولوية لاستبعاد الدولار قدر الإمكان عن المبادلات التجارية، سيشكل فارقاً ملموساً خلال السنوات القادمة. وبالتالي، فإذا كان تأثير البريكس في الوقت الراهن لا يزال محدوداً، وتعتبر واشنطن الانضمام إليها لا يعتبر تجاوزاً للخطوط الحمر، فعلى ما يبدو ان السنوات المقبلة لن يكون الأمر كذلك، في عالم متغيّر.

وبعيداً عن سرد السيناريوهات المحتملة لتلك المواجهة، قد تجبر واشنطن إلى اعتماد سياسة “الهروب إلى الامام” كأحد الخيارات، واللجوء إلى الخيار العسكري لإعادة بسط سيطرتها.

 

المصدر: الخنادق

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com