عطوان: لماذا قد تُؤدّي جريمة هتْك أعراض “الحرائر” في الخليل من قِبَل مُجنّدات إسرائيليّات تحت تهديد السّلاح إلى توسيع دائرة الانتِفاضة المُسلّحة وتعزيزها؟ وهل جرى تصوير هذه الانتِهاكات ولأيّ غرض؟ وكيف ستردّ قبائل الخليل وفصائل المُقاومة عليها..!

5٬665

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

بقلم/ عبد الباري عطوان

ما تتعرّض له “الماجدات” الفِلسطينيّات من هتكِ أعراضٍ وإهانات من قِبَل جيش الاحتِلال هذه الأيّام لا يجب السّكوت عليه، فالأعراضُ أهَمُّ من الرّوح وأثمن، بالنّسبة إلى أكثر مِن مِلياريّ عربيٍّ ومُسلمٍ في مُختلف أرجاء المعمورة.

نحن نتحدّث هُنا عن جريمة انتهاك عِرض مُوثّقة من قبل الباحثة الشّجاعة منال الجعبري ابنة الخليل البارّة التي تعمل في مؤسّسة “بتسليم” لحُقوق الإنسان، وقدّمت تقريرًا يكشف قِيام مُجنّدتين مُسلّحتين باقتحام منزل أسرة العجلوني في مدينة الخليل (أحد فُروع عشيرة التميمي) يوم العاشر من شهر تمّوز (يوليو) الماضي، وإجبار الأم عفاف العجلوني (53 عامًا) وابنتها زينب (17 عامًا) وكناتها الثلاث (زوجات أولادها) بالتعرّي أمام أطفالهنّ بعد مُنتصف الليل، وبتهديدِ السّلاح، وإطلاق كلب بوليسي شرس لنهش لُحومهن.

المُجنّدتان كانتا تضعان شريطين مُزوّدين بكاميرات فوق جباههن، ممّا يعني أنهن صوّرن كُل تفاصيل هذا الانتِهاك للأعراض، في اختراقٍ مُتعمّدٍ للخُصوصيّة، وربّما لابتِزاز العائلة لاحقًا أو نشر هذه الأشرطة على وسائل التواصل الاجتماعي، تطبيقًا لسِياسات الحُكومة اليمينيّة الفاشيّة الحاليّة التي تُريد إفراغ الضفّة من مُواطنيها بالطّرق كافّة.

الباحثة منال الجعبري التي حقّقت ووثّقت في أكثر من 20 حالةِ تعرّي مُماثلة، أكّدت أنها رأت هذه الكاميرات على جبهةِ إحدى المُجنّدات التي كانت تستجوبها، وطلبت منها إزالتها فورًا، ممّا يُؤكّد هذه الجُزئيّة المُهمّة في الجريمة المذكورة تفاصيلها آنفًا.

خمسون جُنديًّا ومُجنّدة اقتحموا بيت العجلوني في الواحدة فجرًا من اليوم المذكور، وتحت جُنح اللّيل وأرعبوا سُكّانه، وأرهبوا أطفاله، واقتادوا الأبناء إلى مُستوطنة كريات أربع، المُجاورة للمدينة، وسرقوا مُجوهرات، وأكثر من 2000 شيكل نقدًا من الشّقق الثلاث التي اقتحموها، ممّا يكشف عن أخلاق هذا الجيش التي يتباهى قادته بأنّه الأكثر “أخلاقيّة” وانضِباطًا في جميع أنحاء العالم، ويجدون للأسف من يُصدّقونه في هذا الغرب الديمقراطيّ والإنسانيّ المُتحضّر.

لا نعتقد أن السّلطة الفِلسطينيّة وقِيادتها، وقوّات أمنها، الذين يزيد تِعدادهم على 60 ألف عُنصرٍ، سيُحرّكون ساكنًا بل إنهم سيديرون وجوههم  إلى النّاحية الأخرى، حتّى لو كانت هؤلاء “الماجِدات” زوجاتهم أو بناتهم، ويثأرون لشَرفهم وعِرضهم بالتّالي، لأنّ شرف وأعراض المُجنّدات الإسرائيليّات يحظى بالأهميّة القُصوى بالنّسبة إليهم.

لا ننسى أيضًا بعض فصائل المُقاومة الفِلسطينيّة التي تُهدّد بحربٍ إقليميّةٍ شاملةٍ على كُلّ الجبهات في حالِ تعرّض أحد قادتهم للاغتِيال على أيدي القوّات الإسرائيليّة، ولكنّها لن تُسارع بتنفيذ هذا التّهديد فورًا ثأرًا لأعراضِ “الحرائِر” في مدينة الخليل فالقادةُ أهَم.

مئةُ عامٍ على الأقل والشعب الفِلسطيني يُقاوم الاحتِلال البريطاني، ومن بعده الاحتِلال الإسرائيلي، ولم نسمع يومًا أن مُقاومًا هتك عرض مُجنّدة أو مُستَوطِنة إسرائيليّة، بل سمعنا رجال المُقاومة الذين نفّذوا عمليّات ضدّ الاحتِلال خاصّةً في الأشهُر الأخيرة يتجنّبون قتل النساء والأطفال باعتِراف بعضهنّ، ممّا يكشف الفارق الإنساني الكبير بين هؤلاء المُقاومين أصحاب القضيّة العادلة وجُنود عدوّهم الغاصِب المُحتَل.

“قد يأتي الخيْر من باطنِ الشّر” مقولةً نُردّدها بالفمِ المَلآن، فربّما تُؤدّي هذه الجريمة الاستفزازيّة اللّاأخلاقيّة إلى انتفاضةٍ مُسلّحةٍ لأهل مدينة الخليل المعروفين ببأسِهم وشجاعتهم، وعُمُق إيمانهم، وشراستهم في الدّفاع عن أعراضهم، وقيمهم العُروبيّة والإسلاميّة المُتأصّلة، والثّأر من الاحتِلال الإسرائيلي وجُنوده، وتعزيز المُقاومة الحاليّة في جنين، ونابلس، وغزّة، وباقي المُدُن الفِلسطينيّة الأُخرى، ولا نستبعد رؤية “كتائب الخليل” تتشكّل، وتنزل إلى الميدان في الأيّام والأسابيع القادمة، مثلما كان عليه الحال في الانتِفاضةِ المُسلّحة الثانية.. والأيّام بيننا.

 

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com