عطوان: التحقيق مع “منقوشة” ليبيا عبر “الواتس آب” أحد أبرز مساخر “الربيع الأمريكي” لماذا لم تطالب حكومة طرابلس ومجلسها الرئاسي بتسليمها؟ وهل من الصدفة تزامن الانتفاضة الليبية الرافضة للتطبيع مع الثورات العسكرية الافريقية “البيضاء” ضد الهيمنة الفرنسية..!

5٬670

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

بقلم/ عبد الباري عطوان

بعد 12 عاماً من قصف طائرات حلف “الناتو”، بتحريض ثلاثي امريكي فرنسي بريطاني للإطاحة بالنظام الليبي، و”سحل” رئيسه معمر القذافي، والاعتداء جنسياً على جثمانه، تحولت ليبيا الى بلد العجائب الصادمة، حيث لا دولة، ولا ديمقراطية، ولا أمن وأمان واستقرار، بل فوضى دموية عارمة، ومسلسلاً من المساخر.

أحدث هذه الصدمات، وأقساها، اللقاء السري بين السيدة نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية في حكومة “الوحدة الوطنية” مع ايلي كوهين نظيرها الإسرائيلي في العاصمة الإيطالية، لتطوير العلاقات الثنائية، والاعتراف المتبادل، ودفع تعويضات لليهود الليبيين، في انتهاك فاضح للقانون الليبي رقم 62 الصادر عام 1957 الذي “يحظر على كل شخص طبيعي، او اعتباري، ان يعقد بالذات، او بالواسطة، اتفاقاً من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل، او منتمين إليها، بجنسيتهم او يعملون لحسابها او مع من ينوب عنهم، ويعاقب كل من يخالف ذلك بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد عن 10 سنوات، ويجوز الحكم بغرامة مالية”.

بعد مرور أسبوع على اقتراف السيدة المنقوش هذا الإثم، تحرك أخيراً المجلس الأعلى للدولة، وقرر النائب الليبي العام، يوم امس الأول السبت تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، حول ذلك اللقاء التطبيعي، بعد الاحتجاجات الشعبية المشرفة التي عمت معظم المدن الليبية وعلى رأسها العاصمة طرابلس، ورغم خطورة هذه الجريمة، لطعنها كرامة ليبيا الوطنية بخنجر مسموم، فلم يحضر اجتماع المجلس الأعلى للثورة إلا 48 عضواً من مجموع 154 عضواً، أي اقل من الثلث..!

ما يثير السخرية الأنباء التي ترددت على الكثير من المنابر الإخبارية، ومواقع التواصل الاجتماعي، ان سيادة النائب العام شكل فعلاً لجنة للتحقيق في هذه الخيانة بدأت التحقيق فعلاً مع السيدة وزيرة الخارجية الهاربة، ولكن عبر “الواتس اب”.

تحقيق في هذه الجريمة البشعة والمهينة عبر “الواتس آب”؟ ومع وزيرة خارجية حكومة من المفترض انها ديمقراطية، وتستمد شرعيتها من الشعب الليبي وإرثه الوطني الذي عززه الشهيد عمر المختار، انها سابقة قانونية لا نعتقد انها حدثت في أي دولة أخرى في العالم، فاليوم تحقيق عبر “الواتس آب” وغدا تنفيذ حكم السجن والاعدام عبر “الانستغرام”.

الأمر المؤكد ان حكومة طرابلس الليبية، ومجلسها الرئاسي، ومدعيها العام ما زالت على تواصل مع الوزيرة الآثمة، ويعرفون مكان اقامتها، والبلد الذي تعيش في كنفها، لأنهم هم الذين سهلوا لها عملية الهروب، ووفروا لها الطائرة الخاصة التي نقلتها الى وجهتها الخارجية، والملاذ الآمن، هي وكل الوفد المقرب منها، نساء ورجالا ومسؤولين، ولكن لماذا لا يتم التحقيق مع رئيسها عبد الحميد الدبيبة، وقائد قوات الأمن وجنرالاته الذين ساعدوها على الهرب؟

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن عدم مطالبة مجلس الدولة، ومدعي عام الدولة التي توجد فيها السيدة المنقوش حاليا (يعتقد انها بريطانيا) بتسليمها للمثول امام القضاء للدفاع عن نفسها، او ان تذهب اليها هذه اللجنة حيث تتواجد وتحقق معها بتهمة اختراق القانون، وهو قانون لم تضعه جماهيرية القذافي، وانما العهد الملكي ومؤسساته المنتخبة ديمقراطيا، لتقرر بعدها خطواتها القانونية المقبلة، أليست بريطانيا الدولة التي دعمت تدخل طائرات حلف “الناتو”، وهلكتنا محاضرات حول الديمقراطية وسيادة القانون؟

اذا كانت السيدة المنقوش بريئة من كل التهم الموجهة اليها، وان ادعاءاتها بأن اللقاء مع كوهين كان صدفة، او لم تعرف هويته، فلماذا تهرب من ليبيا الحرية والعدالة، ولماذا لا تقف امام القضاء للدفاع عن نفسها، وتفضح كل الذين ورطوها في هذه المصيدة اذا كانت مصيدة فعلاً؟

“الثورة” في ليبيا في شباط (فبراير) عام 2011 لم تأت من اجل الديمقراطية، ولا دفاعا عن قيم حقوق الانسان ومبادئه، وانما لإزالة كل العقبات امام التطبيع، وأبرزها حكم العقيد معمر القذافي، وتحويل ليبيا الى “محمية” او “مستعمرة” اسرائيلية في شمال افريقيا، وبما يؤدي الى وقف كل جهودها المبذولة لإصدار الدينار الافريقي وفتح أبواب القارة السمراء على مصراعيها امام النفوذ الإسرائيلي، وتشديد الخناق على الجزائر.

جوليانو اماتو رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق أكد في مقابلة نشرت اول امس السبت مع صحيفة “لاريوبابليكا” ان صاروخاً تابعاً للقوات الجوية الفرنسية اسقط طائرة مدنية فوق البحر المتوسط عام 1980 في محاولة فاشلة لاغتيال الزعيم معمر القذافي، وناشد السيد جوليانو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التحقيق في هذه الجريمة، والوصول الى الحقيقة، أي اما تبرئة الرئيس ساركوزي الذي كان رئيسا في حينها او ادانته بقتل 81 راكبا كانوا على متنها، وقد نجا القذافي الذي كان عائدا الى بلاده بعد مشاركته في مؤتمر بيوغسلافيا بأعجوبة، وبفضل تحذير إيطاليا من محاولة الاغتيال الفرنسية هذه حسب رئيس الوزراء المذكور آنفا.

من “فبرك” مؤامرة تفجير طائرة لوكربي، وتوريط ليبيا والرئيس القذافي شخصياً فيها، من غير المستغرب ان “يفبرك” قصف طائرة مدنية كان يشتبه ان القذافي قد يكون من بين ركابها، وان يوظف “الديمقراطية” لنشر الفوضى الدموية في ليبيا، وأكثر من خمس دول عربية أخرى.

السيدة المنقوش كانت وما زالت قمة جبل جليد لمنظومة ليبية حاكمة فاسدة صنعها الاستعمار الغربي من أجل تدمير ليبيا ونزع أنيابها ومخالبها الوطنية، وضمها الى قائم “السلام الابراهيمي” المسموم، ولكن هذا لا يعني انها يجب ان لا تقف امام القضاء بتهمة التطبيع واختراق القانون، ومعها كل الشخصيات المتورطة التي ارادتها ان تكون أداة، وكبش فداء، وتخلت عنها بعد فضح خيانتها.

الشعب الليبي العروبي المسلم الأصيل وقبائله الوطنية الشريفة، أفشلوا مخططات “ثوار الناتو” وأسيادهم، وفي الوقت المناسب في تماهي مع الانقلابات العسكرية الافريقية المدعومة شعبيا التي أطاحت بالهيمنة الفرنسية وسرقاتها في بوركينا فاسو، والنيجر، ومالي، والغابون حتى الآن، والمطبعون في ليبيا سيواجهون المصير نفسه وقريباً جداً، وستعود ليبيا الى حضنها الوطني العربي والإسلامي.. والأيام بيننا.

 

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com