عطوان: هل ستتمدد الثورات العسكرية الأفريقية المتناسلة الى الوطن العربي؟ وكيف لا نستبعد ذلك؟ وما هي القواسم المشتركة؟ ولماذا الآن..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
“الثورات” العسكرية التي تجتاح أفريقيا هذه الأيام وتطيح بأنظمة الفساد والتبعية لفرنسا والغرب، وتنحاز الى الشعوب المسحوقة، وتضع هدف إخراجها من أزماتها، وتعزيز سيادتها، وحماية ثرواتها، على قمة أولوياتها، هذه الثورات جاءت في الوقت المناسب، ولهذا إلتفت حول جنرالاتها معظم الشعوب، بإعتبارهم قادة إنقاذ مرحلي وكراهيتهم لفرنسا واتباعها.
التاريخ يعيد نفسه، فبعد ما يقرب من 70 عاماً من موجة الثورات الشعبية المسلحة، التي تفجرت لتحرير القارة من الإستعمار وهيمنته واحتلالاته، وتطهير البلاد من موبقاته، ها هي اليوم تتجدد، وتجتث بقايا الاستعمار، وتنهي التبعية له، وتنقذ ثروات البلاد من سرقاته، وتطيح بأنظمة الفساد التي حظي معظمها بدعمه، أي الاستعمار، تحت مسمى حكم الديمقراطيات المغشوشة.
ستة إنقلابات عسكرية تفجرت في دول افريقية في غضون عامين على الأكثر، في مالي، غينيا، النيجر، بوركينا فاسو، والسودان، وان كان إنقلاب الأخيرة محبطاً ومختلفاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وليس هنا مكان الإطالة والشرح، ومعظم هذه الثورات جاءت بهدف التصحيح، وليس الاستيلاء من قبل معظم قادتها على الحكم، والمقصود بالتصحيح هو إسقاط أنظمة فاسدة، وصلت الى سدة الحكم بالتزوير، والفساد، والدعم الغربي، والفرنسي على وجه الخصوص، والا لما إنحاز الشعب لصفها، ودعم تحركها بالصورة التي شاهدناها.
ثورات عسكرية نعم، وتجسد الربيع الافريقي الوطني المسلح، وليس مثل “ربيعنا العربي” الزائف المزوّر الذي بذرت بذوره السيدة كونداليزا رايس، واشرفت على تنفيذه السيدة الأخرى هيلاري كلينتون، وبتعاون مع بعض فصائل الإسلام السياسي، وبلغت نفقاته ترليوني دولار، ومئات آلاف الشهداء، ولهذا جاءت النتائج كارثية، عنوانها الأبرز الفوضى، والتطبيع، والتجويع ونهب المال العام.
هذه الحركات العسكرية الإفريقية التي يقودها جنرالات شبان ومن رحم الفقراء تذكرنا بنظيراتها العربية في مصر عبد الناصر، وعراق عبد الكريم قاسم، وجزائر بومدين وبن بلا، وليبيا معمر القذافي، وسوريا شكري القوتلي ورفاقه، والقائمة تطول، فعندما تحولت الأنظمة القائمة في حينها الى أدوات في خدمة الإستعمار، وتواطأت معه في تكريس الاغتصاب اليهودي الصهيوني لفلسطين، ثارت الجيوش لعزتها وانتصرت لكرامة أمتها، واطاحت بمعظم هذه الأنظمة، وانتقلت الثورة مثل حجارة “الدومينو” من عاصمة الى أخرى.
هؤلاء الجنرالات الذين اطاحوا بالأنظمة العميلة لفرنسا في مالي وبوركينا فاسو، والنيجر، وأخيراً في الغابون هم من أبناء الشعب، ولم يتحركوا على ظهر دبابات أمريكية، او بريطانية او فرنسية، تنفيذاً لأوامر مشغليهم، وانما بدافع من أنين شعوبهم، وجوع أطفالهم، وتدهور الأحوال على كل الصعد في بلادهم.
صدمني جوزيف بوريل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي عندما دافع عن شرعية الإنقلاب العسكري في الغابون، وادان نظيره في النيجر، مدعياً ان الأخير، أي في الغابون، وقع في دولة شاب انتخاباتها الرئاسية الأخيرة (علي بنغو) “مخالفات” وتجنب إستخدام كلمة تزوير، مصدر الصدمة، ان بوريل هذا، وكل الحكومات الأوروبية التي يمثلها اتحاده، كانت تعرف ان الانتخابات في النيجر والغابون ومعظم الدول الأفريقية الأخرى مزورة، ولكنها، أي دول الإتحاد الأوروبي حارسة الديمقراطية الغربية لم تتحرك مطلقاً، ولم تعترض على تزوير الرئيس الغابوني للانتخابات وتعديله للدستور للبقاء في السلطة لولاية ثالثة، إستمراراً لحكم أسرته الفاسدة المستمر منذ 55 عاماً.
الصدمة الأخرى جاءت من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي رفض تنفيذ قرارات الحكومة النيجرية الجديدة، بسحب سفير بلاده، وقواتها الذي يزيد تعدادها عن 1500 جندي، وبعد إنتهاء المهلة الممنوحة من قبل الحكم العسكري الإنتقالي، لأن فرنسا لا تعترف به، فبأي حق يصدر ماكرون هذه الفتوى، وهل ما زال يعتقد أن فرنسا دولة عظمى ما زالت تحكم القارة الافريقية؟ ألا يعلم ان هذه الانقلابات العسكرية جاءت بسبب سرقة بلاده وعلى مدى عقود لثروات الأشقاء الافارقة من غاز ونفط ويورانيوم وذهب وبوتاسيوم لإفقارهم، ورخاء الشعب الفرنسي على حسابتهم؟
انها مرحلة التحرير الثانية والنهائية التي تعيشها القارة الافريقية، التحرير من التبعية، وإعادة السيادة والسيطرة على ثروات القارة، ووقف النهب المستمر منذ 70 عاما لثرواتها تحت غطاء من الحكومات “الديمقراطية”.
الثورات العسكرية العربية هي التي ساعدت إفريقيا والعديد من الدول الآسيوية على التخلص من الاستعمار الغربي، ودعمت ثرواتها خاصة في زمن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ولا نستبعد ان تنتقل عدوى الثورات العسكرية الافريقية الى العالم العربي، والإطاحة بالأنظمة الفاسدة الخاضعة للإملاءات الامريكية والفرنسية، بل والإسرائيلية أيضا، فما ثار ضدة عسكر افريقيا، مثل الفساد والظلم، وغياب العدالة الاجتماعية، والمساواة، والانتخابات المزورة، ونهب الثروات، والتطبيع مع العدو الإسرائيلي، يتضخم في المنطقة العربية، فهل يصل “الربيع العسكري” الافريقي الى عواصم عربية وفي أسرع وقت ممكن؟
نترك الإجابة الى الأيام والشهور المقبلة، ولا نستبعد ان تكون بالإيجاب.. والأيام بيننا.
المصدر: رأي اليوم