عطوان: لماذا ركّز السيّد نصر الله مُعظم خِطابه الأخير على التهديدات بالاغتِيالات الإسرائيليّة ونهب أمريكا الثروات النفطيّة في شرق الفُرات؟ وما هي الرّسائل الثلاث التي أراد توجيهها من خِلاله؟ وهل نحن أمام وحدة جبهات جديدة “مُتفجّرة” في العِراق وسوريا ولبنان وفِلسطين..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
عندما يُريد السيّد حسن نصر الله الخُروج إلى الرأي العام اللبناني والعربي لتوجيه ما لديه من رسائلٍ إلى الجهات المعنيّة، فإنّه لا يعجز عن إيجاد المُناسبة، أو المنابر لتوجيهها بالتالي، وهذه القاعدة تنطبق حرفيًّا على خِطابه الذي ألقاهُ مساء أمس الاثنين بمُناسبة الذّكرى السّادسة لتحرير “الجرود الشرقيّة”، وقبل وُصول المبعوث الأمريكي، الإسرائيلي الولاء والتربية، عاموس هوكشتاين إلى بيروت لبحث التوتّر المُتصاعِد على الجبهة الحُدوديّة اللبنانيّة الفِلسطينيّة المُحتلّة.
ثلاث رسائل أرادَ السيّد نصر الله توجيهها تعكس ملامح استراتيجيّة محور المُقاومة وأذرعه الضّاربة، وتوجّهاته وأولويّاته العسكريّة والسياسيّة المُقبلة:
الأولى: الرّد المُباشر والقويّ على التهديدات الإسرائيليّة باغتِيال قِيادات عسكريّة فِلسطينيّة على السّاحة اللبنانيّة، وخاصّةً صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” وأحد أبرز مُهندسي الانتِفاضة المُسلّحة في الضفّة الغربيّة، وزياد النخالة زعيم حركة “الجهاد الإسلامي”، وقال السيّد بكُلّ وضوحٍ “إن المُقاومة الإسلاميّة في لبنان ستردّ بقُوّةٍ، ولن تسكت على أيّ عمليّة اغتِيال على الأراضي اللبنانيّة، تطال لُبنانيًّا أو فِلسطينيًّا أو إيرانيًّا، والسيّد إذا قالَ فعَل.
الثانية، كانت مُوجّهة إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة وعُملائها في شَرق الفُرات، عندما تطرّق بشَكلٍ مُباشر، وربّما للمرّة الأولى، في جُزءٍ رئيسيٍّ من الخِطاب إلى “أنّ أهمّ حُقول الغاز والنفط السوري شرق الفُرات ثروات مُحتلّة ينهبها الأمريكيّون، ويمنعون عودتها إلى سِيادة الدّولة السوريّة، والمُقاومة قادرة على تحريرها، والقِتال القادم إلى شرق الفُرات قد يتحوّل إلى حربٍ إقليميّة”.
الثالثة: رسالة مُوجّهة إلى الدّاخل اللبناني جانبها الأوّل تطميني، والثاني تحذيري، فقد أكّد أن الحِوار بين “حزب الله” والتيّار الوطني الحُر يتقدّم، وشدّد على متانة التّحالف مع حركة أمل ورئيسها السيّد نبيه بري، والسّير “على درب الإمام الصدر في المُقاومة والدّفاع عن القضيّة الفِلسطينيّة والإيمان بلُبنان الذي يأبَى التّقسيم والتّفتيت”، مُكَرِّرًا بأنّه “لن يسمح بأن يأتي رئيسًا للبنان لبناء دولة تُواجه “حزب الله” لا مُواجهة مشاكل النّاس، ويَخدِم إسرائيل”.
سنُركّز في هذا الحيّز على الرّسالتين الأولى والمُتعلّقة بالاغتِيالات لقادة المُقاومة اللبنانيّة والفِلسطينيّة، والثانية والمُفاجئة المُتعلّقة بشرق الفُرات، وعودة الدّعم الأمريكي للجماعات الإرهابيّة لزعزعة أمن العِراق واستِقراره، ونَترُك الثالثة لأهل مكّة.
السيّد نصر الله الذي يملك جِهازًا أمنيًّا ربّما الأقوى في المِنطقة، يُدرك جيّدًا أن هذه التهديدات الإسرائيليّة باغتِيال قادة لُبنانيين وفِلسطينيين “جديّة” لعدّة أسباب أبرزها فشل العدوّ الإسرائيلي في السّيطرة على المُقاومة في الدّاخل الفِلسطيني، التي يُؤكّد مُؤشّرها البياني على تصاعدها بشَكلٍ مُتسارع، وامتِلاكها أسلحةً مُتطوّرةً جدًّا، أبرزها البنادق الآليّة المصنوعة محليًّا، ووصول تكنولوجيا الصّواريخ، سواءً المُضادّة للدّروع (كورنيت) أو القاصفة للمُستوطنات والبُنى التحتيّة الإسرائيليّة، وقريبًا المُسيّرات، والمسألة مسألةُ وقتٍ لا أكثر، ولا أقل.
إطلاق بنيامين نِتنياهو هذه التهديدات بالاغتِيال مُحاولة يائسة لغِطاءِ فشل حُكومته، وانهِيار الرّدع الأمنيّ والعسكريّ، وتعاظُم قُدرات المُقاومة، وفُقدان الثّقة من قِبَل الرّأي العام الاسرائيلي في حُكومته وجيشه، وأصاب السيّد نصر الله عندما قال “إن العدو يعيش مأزقًا وجوديًّا تاريخيًّا ولن يَجِد منه مخرجا”.
هذا الهُروب من قِبَل نِتنياهو من هذا المأزق الوجودي الذي يعيشه شخصيًّا قبل كيانه، ينعكس أيضًا في اتّهام إيران بدعمِ المُقاومة في الضفّة، وتنفيذ خطّة إيرانيّة بزعزعة أمن واستِقرار دولته المُحتلّة، والسّؤال الذي نطرحه في هذا الصّدد: وما الغرابة في ذلك؟ ولماذا لا تدعم إيران المُقاومة في فِلسطين المُحتلّة؟ أليس هذا واجب وطني وأخلاقي وإسلامي ودولي مشروع؟ ماذا يتوقّع من الدّولة الإيرانيّة التي انتُهك أمنها، واغتال عُلماءها، ولا يكف عن التهديدات بإرسال طائراته الأمريكيّة الصّنع لضرب مُنشآتها النوويّة وبُناها التحتيّة؟ هل يُريد من إيران أن تتعاطى مع نظامه العنصريّ الفاشيّ بالطّريقة نفسها التي تتعاطى فيها دُول التّطبيع مع غطرسته ومجازره؟
تركيز السيّد نصر الله مجددًا، وبشَكلٍ لافت على الاحتِلال الأمريكي لشرق الفُرات وعُملائه، والتّهديد بمُواجهته وطرده، ربّما يشي بوجود خطّة لمحور المُقاومة للتّركيز على هذا الاحتِلال، والعمل على تكثيف الضّربات من قِبَل هذا المحور لإنهائه بالقوّة، وحزب الله، ومن قبيل التّذكير، لَعِبَ دورًا كبيرًا في التصدّي للاحتِلال الأمريكيّ في العِراق، وهزيمة الاحتِلال جنبًا إلى جنب مع القِوى الوطنيّة العِراقيّة الأُخرى، مثلما تصدّت قوّاته للعناصر المُسلّحة المدعومة أمريكيًّا وعربيًّا لتدمير سورية، وتفكيكها، وإسقاط نظامها، واستِبداله بنظامٍ عميلٍ للغرب على غِرار ما حدث في عدّة دُول عربيّة أُخرى تحت مُؤامرة ما يُسمّى بـ”الربيع العربي”.
إنّ المِنطقة العربيّة باتت في انتِظار الشّرارة التي يُمكن أن تُفجّر الحرب الإقليميّة في المِنطقة فيما هو قادمٌ من أيّام، فهل تتجسّد هذه الحرب في عمليّة اغتيال إسرائيليّة يائسة لأحد قادة المُقاومة اللبنانيّة أو الفِلسطينية على السّاحة اللبنانيّة؟
أمْ في بدء عمليّة التّحرير لشرق الفُرات من قِبَل فصائل محور المُقاومة وعلى رأسِها “حزب الله” على القواعد الأمريكيّة، خاصّةً أن هُناك قرارًا صدر بإنهاء مُعاناة الشعب السوري وكُل مُحاولات تجويعه، أبرز بُنوده أن هذا الشعب وقِيادته لن ينتظرا الموت جُوعًا واستِسلامًا للحِصار الأمريكيّ، ونهب ثرواته، وتِكرار التّجربة العِراقيّة المُؤلمة.
المبعوث الأمريكي هوكشتاين لا يُمكن أن يُسارع بزيارة لبنان هذه الأيّام، وحُكومته، وهو الإسرائيلي المُتخفّي بالجنسيّة الأمريكيّة، والخادم في جيش الاحتِلال، لولا إدراكه أنّ الحرب باتت وشيكةً جدًّا، وسيُركّز كُل جُهوده لمنعها، أو تأجيلها عبر نزْع فتيل تفجيرها، فهذا مبعوث إسرائيل وليس مبعوثًا أمريكيًّا، فهل سينجح في مهمّته؟ لا نعتقد لأنه يتعاطى مع الجهة الخطأ أوّلًا، ولا يُدرك أن الزّمن تغيّر وأنّ المُقاومة مُستمرّة ولن تتوقّف، وأصبحت تملك اليد العُليا، وباتت صاحبة قرار الحرب والسِّلم.. والأيّام بيننا يا قوم نِتنياهو وبن غفير وسموتريتش وهوكتشاين.
المصدر: رأي اليوم