عطوان: قمة “بريكس” في جوهانسبرغ تصنع تاريخاً أبرز عناوينه إنهاء الهيمنة الأمريكية المتغطرسة وكسر شوكة دولارها.. من هم الرؤساء الثلاثة الذين أثلجت كلماتهم صدورنا؟ ولماذا نتفاءل بنجاح هذه المنظومة وتسارع قفز الكثيرين من السفينة الامريكية الغارقة..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
ان يشارك خمسون من قادة العالم في قمة منظومة “بريكس” التي بدأت أعمالها الثلاثاء في جوهانسبرغ عاصمة جنوب إفريقيا، ويخاطبها زعيما المحور الروسي الصيني الجديد، فهذا يعني تمرداً عالمياً يتصاعد ضد الهيمنة الأمريكية الأوروبية التي سيطرت على العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
العالم في معظم دولة، بدأ يستشعر ان هذه الهيمنة دخلت مرحلة المرض والاضمحلال، وان السفينة الأمريكية بدأت تغرق وقبطانها بات على حافة أزمة اقتصادية وربما هزيمة عسكرية أيضاً في اوكرانيا، ولهذا بدأت معظم الدول تقفز منها الى السفينة الجديدة البديلة والأكثر قوة التي تحمل اسم منظومة “بريكس”.
ندرك ان تحولاً مالياً وسياسياً على هذه الدرجة من الضخامة لا يمكن ان يتحقق ويكتمل سريعاً، ويحتاج الى وقت طويل، ولكن العجلة بدأت في الدوران بثقة وسرعة مدروسة، في إطار مرحلة تاريخية تجسد وتذكر ببداية سقوط الامبراطوريات، ونحن نتحدث هنا دون مواربة عن الإمبراطورية الأمريكية.
ثلاثة تصريحات رئيسية لثلاثة زعماء، لثلاث دول مؤسسة لهذه المنظومة الجديدة أثارت انتباهنا ويمكن ان تعكس ملامح مسيرتها في الاعوام المقبلة:
الأول: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي خاطب القمة عبر “الزوم” وقال في مداخلته “ان هدف التخلص من الدولار دون رجعة بات يكتسب قوة دافعة، ولا عودة الى الوراء.
الثاني: الرئيس الصيني تشي جين بينغ الذي قال في كلمته التي قرأها وزير التجارة “الهيمنة ليست في الحمض النووي الصيني، وسنوسع نطاق العضوية بما يعزز التعددية ويخلق نظاماً عالمياً أكثر عدالة وإنصافاً.
الثالث: لولا داسلفا رئيس البرازيل الجديد العائد الذي دوّخ الولايات المتحدة وحلفاءها في حديقتها اللاتينية الجنوبية بوضعه تصوراً مستقبلياً واعداً عندما قال “اننا موجودون، ونحن بصدد تنظيم صفوفنا، ونريد الجلوس على مائدة المفاوضات على قدم وساق مع أمريكا والاتحاد الأوروبي”.
نظام القطب الواحد الذي هيمن على العالم هو الذي أبقى وعزز وجود الدولار في دائرة التداول العالمي، واستخدام الولايات المتحدة له كسلاح فتاك ضد خصومها، منذ اعتماده “العملة المرجع” عالميا في مؤتمر “برتين وودز” عام 1944، الآن أصبح القسم المتضرر من العالم من هذه الهيمنة أكثر جرأة وتصميما لإزاحة الدولار من قمة عرشه، وإستبداله بعملة دولية جديدة مدعومة بغطاء ذهبي، وإيجاد نظام مالي جديد يوازي، او يحل محل نظام “السويفت” الأمريكي الذي كان وما زال، السلاح الأقوى في الحصارات والعقوبات الامريكية.
الدول الخمس المؤسسة لمنظومة “بريكس” مساحتها 40 مليون كيلومتر مربع، وعدد سكانها يمثل 40 بالمئة من سكان العالم، وحصتها من الناتج المحلي العالمي تزيد عن 50 بالمئة وتصنف اقتصادياً كأسرع الاقتصاديات نمواً على الإطلاق، ومع ذلك يخرج علينا الجنرال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي ويقول ان هذه المنظومة لا يمكن ان تكون منافسا لأمريكا.
الإنتقال الى النظام المالي العالمي الجديد يتم بسلاسة، فها هي منظومة “البريكس” تؤسس مصرف تنمية سيكون بديلاً للبنك وصندوق النقد الدولي، اللذين اذلا الدول الفقيرة بشروط إقراض مذلة قوضت سيادتها واستقرارها، وكان لافتاً ان كل من الجزائر والسعودية كانتا من أبرز الداعمين له، اما البديل لنظام “سويفت” الأمريكي الذي تستخدمه 11 الف مؤسسة مالية عالمية في 200 دولة لتحويل العملات، ويشكل رأس حربة العقوبات الأمريكية، فإن بديله الصيني C.I.P.S الذي تأسس عام 2015 بات اكثر جاهزية وينمو بسرعة، وانضمت إليه روسيا والعديد من الدول الأخرى التي ضاقت ذرعاً بالنظام الأمريكي وديكتاتوريته.
نعم نحن منحازون، وبقوة، لمنظومة “بريكس” ونصلي من أجل نجاحها في إنهاء الغطرسة الامريكية بأشكالها كافة، لأننا كعرب ومسلمين وعالم ثالثيين، كنا، وما زلنا، ضحايا لهذه الغطرسة وحروبها وعقوباتها، ونتمنى ان تنجح طلبات دول عربية مثل السعودية والجزائر ومصر والإمارات الى جانب ايران في الانضمام الى عضويتها للتخلص من العبودية الاقتصادية والمالية الامريكية.
نحن لسنا أمام تكتل اقتصادي فقط، وانما على أعتاب “حلف ناتو” جديد بروحية جديدة عصرية أيضا، واذلال للدولار الذي كان العمود الفقري لمنظومة هيمنة استعمارية نهبت ثرواتنا، ودمرت اقتصادنا لأكثر من 78 عاما.
ربما سيتم تأجيل البت في طلبات العضوية الى قمة قازان التي ستعقد في روسيا في تشرين اول (أكتوبر) المقبل، ولكن ما يهمنا ويطمئننا ان الثورة ضد الهيمنة الامريكية ودولارها تتصاعد، وتتزايد قوة دفعها، وهذا إنجاز كبير يتحقق بسرعة، وعنوانه الأبرز تأسيس عالم أكثر عدالة وانصافا وإنسانية للشعوب الفقيرة المعدمة على وجه الخصوص.
المصدر: رأي اليوم