عطوان: لماذا جاءت عمليّة الخليل الفِدائيّة اليوم مُختلفةً عن سابقاتها؟ وما هو الجديد والمُرعب في موجةِ هجماتِ المُقاومة الأخيرة؟ وما هي نصيحتنا للمُستوطنين وقِيادتهم؟ وهل اقترب الرّحيل..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
لم يُجانب الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتزوغ الصّواب عندما اعترف اليوم تعقيبًا على موجة العمليّات الفدائيّة التي أدّت إلى مقتل ثلاثة مُستوطنين وإصابة 6 آخرين بعضهم إصابته خطرة جدًّا في غُضون ثلاثة أيّام في الضفّة “نحن كإسرائيليين نُواجه أيامًا صعبةً ومُؤلمة”.
فدولة الاحتِلال الإسرائيلي انهارت منظومة ردعها بعد أن تعاظمت ثُقوبها، واستَعصَت على الإصلاح، وباتت تُواجه إذلالًا على الجبهة اللبنانيّة الشماليّة حيث تتواجد قوّات وصواريخ ومُسيّرات حزب الله، ومُقاتليه، وإطلاق صواريخ ومُسيّرات من قِطاع غزّة، وتناسُل العمليّات الفدائيّة النوعيّة في الضفّة الغربيّة ومُدنها، بعد معارك جنين ونابلس التي انهزمت فيها قوّات الاحتِلال بطريقةٍ مُخجلةٍ ومُهينة، أفقنا اليوم الاثنين على عمليّةٍ فدائيّةٍ في مدينة الخليل أدّت إلى مقتل مُستوطنة، وإصابة مُستوطنٍ آخَر بجُروحٍ خطيرةٍ جدًّا، وبعد ثلاثة أيّام من هُجومٍ آخَر في بلدة حوارة “جنين الجديدة” جنوبي نابلس أدّى إلى مقتل مُستوطنين اثنين وإصابة 6 آخرين بعضهم جُروحه قاتلة.
القاسِمُ المُشترك لمُعظم العمليّات الفدائيّة الأخيرة أن جميعها بالأسلحة الناريّة، وأن جميع مُنفّذيها تمكّنوا من الفرار من مسرحها، وفشلت قوّات الجيش الذي لا يُقهَر، وأحد أكبر رابع جُيوش في العالم في إلقاء القبض عليهم، وما زال البحث مُسْتَمِرًّا، ولا نستبعد أن تكون عناصر من قوّات أمن السّلطة الفِلسطينيّة تُشارك بحماسٍ ربّما أكبر من الإسرائيليين أنفسهم لتحقيق هذا الهدف.
“إسرائيل” تعيش حاليًّا حالةً من الهيستيريا غير مسبوقة، وبلغ الرّعب من تزايُد عمليّات المُقاومة في الضفّة الغربيّة والقدس المُحتلّين أعلى مُستوياته، لسببٍ بسيط وهو أنه لم يعد هُناك أمانٌ للمُستوطنين في أيّ مكانٍ في فِلسطين المُحتلّة، بِما في ذلك تل أبيب التي من المُفترض أن تكون أكثر الأماكن أمْنًا ليس في دولة الاحتِلال فقط، وإنّما في العالمَ بأسْره، حيث لا يمرّ أسبوع دون أن يشهد قلبها هُجومًا من قِبَل رجال المُقاومة.
الإحصاءات الرسميّة الإسرائيليّة تقول إن 34 إسرائيليًّا قُتِلُوا مُنذ بداية العام بالمُقارنة مع 33 في العام الماضي 2022، ومن المُرجّح أن يتضاعف هذا الرّقم القياسيّ مرّتين أو حتّى ثلاث مرّات إذا استمرّت الهجمات بالوتيرة نفسها، وجرى الانتقال إلى العمليّات الاستشهاديّة، وهذا احتمالٌ واردٌ جدًّا حسب المعلومات المُتوفّرة لدينا التي تقول إنها موضع دراسة وبحث هذه الأيّام.
عمليّة الهُجوم على سيّارةٍ للمُستوطنين على الخطّ السّريع قُرب الخليل صباح اليوم، جاءت صادمةً للإسرائيليين، ووقعت في الوقتِ نفسه بردًا وسلامًا على قُلوب أهل الضفّة، وكتائب المُقاومة فيها، لأنّها تُبَشِّر بنُزول أهل الخليل “الجبابرة” إلى ميدان المُواجهة، بعد أشهرٍ من هُدوءٍ أثار حيرة الكثيرين، ونحنُ من بينهم، فبينما كانت الهجمات تتصاعد في جنين ونابلس في الضفّة، كانت مدينة الخليل تعيش حالةً من الصّمت والحدّ الأدنى من التّفاعل، وهي المعروفة بشدّة بأسِها وإرثِها المُقاوم الضّخم.
أهميّة الخليل ليست محصورةً في شجاعةِ رِجالها، وإنّما في تداخلها مع المُستوطنات الإسرائيليّة المُحيطة بها، علاوةً على وجود بُؤرة استيطانيّة تضم ما يقرب من 500 مُستوطن في قلبها تُشكّل استِفزازًا يوميًّا لأهلها، وإذا انتفضت فإنّها، ولضخامة تِعدادها (822435 مُواطن) ستُضيف ثُقلًا ودعمًا كبيرين لحركة المُقاومة في الضفّة وكُلّ الأراضي الفِلسطينيّة، وهذا أكثر ما يخشاه المُحتَل الغاصِب وقيادته، فلم يكن من قبيل الصّدفة أن تتزامن عمليّة اليوم مع الذّكرى 54 لجريمة حرق المسجد الأقصى والرّسالةُ هُنا قمّة الوضوح.
نحنُ أمام عودة قويّة، ومدروسة لحركة المُقاومة الفِلسطينيّة فرضت تغييرًا في جميع قواعِد الاشتِباك على الأرض، وزعزعت الاحتِلال من جُذوره، وهذا تطوّرٌ خطيرٌ قلب كُلّ المُعادلات، ليس في فِلسطين المُحتلّة، وإنّما في المِنطقة العربيّة بأسْرِها.
المُقاومة الفِلسطينيّة العائدة بقُوّةٍ، وبعد 30 عامًا من هوانٍ اسمه المُفاوضات، والرّهان على سرابِ سلامٍ مع الفاشيّة العُنصريّة الإسرائيليّة، بدأت بالسّكاكين، وعمليّات الدّهس، وتَدخُل الآن مرحلة امتِلاك الصّواريخ، والمُسيّرات (اليوم انطلقت مُسيّرتان من قِطاع غزّة باتجاه مُستوطنات الغِلاف)، وتصنيع السّلاح المُتطوّر بشَكلٍ مُتسارع، ومن غير المُستَبعد أن تُعيد المُستوطنين اليهود إلى “مرحلة التّيه” التي عاشوها لقُرون، وهذا في رأينا أقوى بكثير من التّهديد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري.
إفيغدور ليبرمان يُطالب بضمّ الضفّة الغربيّة، مُتطابقًا مع تهديدات إيتمار بن غفير وتابعه سموتريتش، فليتفضّلوا ويُنفّذوا تهديداتهم، هذا إذا تبقّى لهُم الوقت لتنفيذها، وأنصحهم شخصيًّا بالتوسّع في بناء المُستوطنات لأنّها ستعود حتمًا وقريبًا لإيواء المُهجّرين من أمثالي الذين سيعودون إلى أرضهم بعد التّحرير بإذنِ الله.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم