عطوان: لماذا يفتر الحماس للتدخّل العسكريّ لإسقاط الانقِلاب العسكري في النيجر بسُرعةٍ؟ وهل نجح وفد العُلماء المُسلمين الكِبار الزّائر لنيامي في إنقاذِ ماءِ وجْه قادة “إيكواس”؟ وما هي المُؤشّرات الثلاثة التي قد تُغيّر كُل التوقّعات..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
سيدخُل الانقِلاب العسكري في النيجر التاريخ إذا كتب له النّجاح، كنُقطة تحوّل مِحوريّة في القارة الإفريقيّة، لأنّه جاء التمرّد الأبرز على الهيمنة الغربيّة، واجتِثاث آخِر معقل للنّفوذ الفرنسي فيها، فهذا انتصارٌ كبير سيكون البِداية لرد الاعتبار للشّعوب الإفريقيّة المسحوقة، وإنهاء الاستِغلال شِبْه المجّاني لثَرواتها.
المُؤلِم أنّ بعض قادة المجموعة الاقتصاديّة لغرب إفريقيا “إيكواس” بقيادة رئيس نيجيريا الذي يُعتبر نظامه أحد أبرز عناوين التّبعيّة والفساد في القارة الإفريقيّة، تحوّل إلى أدواتٍ في يَدِ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وخضَعوا لإملاءاتٍ بالاستِعداد لغزو النيجر، وإعادة الرئيس “الدّمية” محمد بازوم إلى السّلطة بقُوّة السّلاح.
لا نعرف أين كانت هذه المجموعة “إيكواس” وعضلاتها العسكريّة عندما قامت طائرات حِلف “النّاتو” بقصف المُدُن الليبيّة وتدميرها دُون رحمة، وقتلت عشَرات الآلاف من اللّيبيين الأبرياء، وحوّلت البِلاد إلى مرتعٍ للفساد، وصِراع الميليشيات، تحت عُنوان كاذب اسمه “الديمقراطيّة” في توظيفٍ بشعٍ لبعض المُنخَدعين اللّيبيين.
لم نسمع أو نقرأ عن أيّ تحرّكٍ من هذه المجموعة وغيرها لنجدة الزعيم الليبي معمّر القذافي، وإنقاذه ودولته، من النّهاية البشعة التي تعرّض لها، ونتعفّف عن ذِكْر تفاصيلها، وهو الذي قدّم عشَرات، إن لم يكن مِئات المِليارات لمُساعدة الشّعوب الإفريقيّة المسحوقة، وكان خلف تأسيس الاتّحاد الإفريقي، ودفع حياته ثمنًا لرؤيته الاستراتيجيّة “بعيدة النّظر” في تكريس سِيادة القارة، وإنهاء تبعيّتها للاستِعمار الغربيّ، وتعزيز استِقلالها الاقتصاديّ في إطارِ برنامجٍ مدروسٍ عُنوانه الأبرز إصدار الدّينار الإفريقي وتوفير الغِطاء الذهبيّ له.
التطوّرات الأخيرة تُؤكّد احتِمالات الفشَل المُبكر العسكريّ لإطاحة انقِلاب الجيش في النيجر، وحُدوث انقسامٍ كبيرٍ في القارّة الإفريقيّة تُجاهه، ويُمكن اختِصارها في النقاط التالية:
أوّلًا: تأجيل اجتِماع قادة جُيوش منظومة “إيكواس” الذي كان مُقرّرًا انعِقاده في العاصمة الغانيّة أكرا السبت الماضي لوضع خطط التدخّل العسكريّ، وتقديمها إلى القادة السياسيين لاعتِمادها، وإعطاء الضّوء الأخضر لتنفيذها في أسرعِ وقتٍ مُمكن، واللّافت أنّ قادة الجيش المُنقسمين على أنفسهم، لم يُحَدِّدوا موعدًا جديدًا، ممّا يعني أنّ التدخّل العسكري في النيجر يتراجع بشَكلٍ مُتسارعٍ رُغم الأحاديث عن عدم استِبعاده.
ثانيًا: إرسال وفد من عُلماء الدين النيجيريين إلى العاصمة النيجريّة نيامي حاملًا رسالةً من رئيس البلاد، تُؤكّد على ضرورة حلّ الأزمة سِلميًّا، وجاءت فكرة هذا الوفد بعد رفض رئيس النيجر استقبال وفد من دُول “الإيكواس” بسبب تهديد قادة المنظّمة باستِخدامِ القوّة، والتّلويح بالحلّ العسكريّ.
ثالثًا: عدم تعاطُف مُعظم الشّعوب الإفريقيّة مع مُخطّطات إطاحة الانقِلاب وعودة الحُكم السّابق، بعد أن لمسوا حجم التّأييد الشعبيّ الذي يحظى به من قِبَل نظيرهم في النيجر، علاوةً على الكراهية المُتأصّلة في نُفوس هذه الشّعوب للاستِعمار الفرنسيّ لنهبه لثرواتها، ومسؤوليّته عن تخلّفها.
فرنسا كانت تُريد أن تجعل من رئيس النيجر “زيلينسكي” آخَر، يقود حربًا لتدمير القارّة الإفريقيّة، وزعزعة أمنِها واستِقرارها، على غِرار ما يَحدُث حاليًّا في أوكرانيا، ولكنّ هذا المُخطّط الدّموي يُواجه فشلًا ذريعًا حتّى الآن، لأنّ مُعظم القادة الإفريقيين ليسُوا على هذه الدّرجة من الغباء بحيث ينطلي عليهم هذا المَكْر “الماكروني” المدعوم أمريكيًّا، وفي زمنٍ أصبحنا فيه على أعتاب عالم مُتَعدّد الأقطاب، ووجود تحالف صيني روسي قويّ صاعد بقُوّةٍ وثقةٍ إلى عرش العالم.
القارّة الإفريقيّة تغيّرت، وشُعوبها باتت على درجةٍ ملموسةٍ من الوعي، ولم تَعُد تنطلي عليها كُلّ أكاذيب “الديمقراطيّة” وحُقوق الإنسان التي ترمي إلى استِمرار التّبعيّة للغرب، ولعلّ إغلاق الأبواب أمام المُهاجرين الأفارقة، والمُعاملة السيّئة التي يُواجهونها في بعض الدّول الأوروبيّة أحد الأمثلة التي تفضح مُعظم هذه الأكاذيب.
انقِلابُ النيجر ما كان له أن ينجح، ويحظى بدَعمٍ شعبيٍّ، لو كان النّظام “الديمقراطيّ” الذي أطاح به، غير فاسِد، ولا يُقدّم يُورانيوم بلاده وذهبها شِبه مجّانًا إلى فرنسا، ويُدير البِلاد وشُؤونها بشَكلٍ جيّد، ونفّذ وعوده بإخراجِ البِلاد من دائرةِ الفقْر والتخلّف.
شعب النيجر الذي تحتلّ بلاده مرتبةً مُخجلةً على قائمة الدّول الأكثر فقرًا في العالم، يصنع تاريخًا مُشَرّفًا هذه الأيّام، في الكرامةِ وعزّة النّفس، ومُحاربة الاستِعمار، ووضعِ حدٍّ لسرقةِ ثرواته، ونتمنّى له النّجاح.
المصدر: رأي اليوم