عطوان: ما لم يقله مُعظم الإعلام الغربي عن انقلاب النيجر.. ولماذا تبدو حُظوظ التدخّل العسكريّ وحشد 25 ألفًا لإعادة الرئيس المخلوع للسّلطة دُون مُشاركة الجزائر مُتدنّية؟.. ولهذه الأسباب تُؤيّد مُعظم الشّعوب الإفريقيّة هذا الانقِلاب وتنقسم منظومة “إيكواس” المُوالية لفرنسا..!

5٬795

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

بقلم/ عبد الباري عطوان

هذا الانقِلاب في النيجر الذي يحتلّ العناوين الرئيسيّة في مُعظم أنحاء العالم ليس انقلابًا على الديموقراطيّة مثلما يُروّج الإعلام الغربيّ حاليًّا، وإنّما هو انقلابٌ على الجُوع والفقر والفساد والمحسوبيّة، ونهب الثّروات، والهيمنة الغربيّة الفرنسيّة والأمريكيّة، وكانت “أمّ المُفاجآت وأبوها” التفاف الغالبيّة من الشّعب النيجري حوله، والاحتِفال به كيومِ تحريرٍ ونصرٍ وانعتاقٍ من براثنِ الاستِعمار الغربيّ، وهذا الالتِفاف الشعبيّ حول الانقِلاب، وقِيادته، ليست من عندنا، وإنّما جاءت في برقيّةٍ لوكالة الأنباء الفرنسيّة في تغطيةٍ لها لاحتفال أكثر من 30 ألفًا من سكّان العاصمة نيامي ورفعهم أعلام بلادهم وروسيا والصين في الاستاد الرياضي الأضخم في البِلاد.

غالبيّة أهل النيجر، وحسب الوكالة نفسها، يُؤمنون بأنّ النظام الذي أطاحَ به الانقِلاب لم يكن دِيمقراطيًّا، وإنّما مُستَبدًّا وفاسِدًا، ودُمية في يد فرنسا، وفتح أراضي البِلاد للقواعد العسكريّة الأمريكيّة والفرنسيّة يتواجد فيها حواليّ 1500 جُندي فرنسي، وآلاف الأمريكيين، والذّريعة مُكافحة الإرهاب الذي وفّر له الغرب الحاضِنة في مِنطقة السّاحل الإفريقي والصّحراء الكُبرى بسِياساته الاستعماريّة.

نضرب مثلًا على هذه السّرقة الفرنسيّة البشعة لثروات الشّعب النيجري بهيئة “سومير” التي تحتكر تعدين اليورانيوم في البِلاد الذي يُمثّل 7 بالمئة من الإنتاج العالمي، ويُعتبر الأعلى جودة، فهيئة الطّاقة النوويّة الفرنسيّة وثلاث شركات أُخرى تابعة لها تملك 85 بالمِئة من أسهمها، بينما لا تملك الحُكومة “الديمقراطيّة” النيجريّة السّابقة في النيجر إلّا 15 بالمئة فقط، وبينما تعتبر كُل واحدة من بين كُل ثلاث مصابيح كهرباء في فرنسا (لمبات) تُضاء باليورانيوم المنهوب من النيجر بأسعارٍ مُتدنّيةٍ جدًّا، وأكثر من 70 بالمِئة من مُدُن وقُرى النيجر لا يعرف الكهرباء أساسًا.

أوّل قرار اتّخذه الجِنرال عبد الرحمن تياني قائد الانقلاب منْع جميع صادرات الذّهب واليورانيوم التي تُشكّل 50 بالمِئة من صادرات البِلاد إلى فرنسا، وربّما تكون قراراته القادمة إلغاء اللّغة الفرنسيّة كلُغةٍ رسميّةٍ للبِلاد، والانسِحاب من مُنظّمة الفرنكوفونيّة أُسْوَةً بجارته وحليفته دولة مالي ومجلسها العسكريّ.

المُهلة التي أعطتها المجموعة الاقتصاديّة لغرب إفريقيا “إيكواس” التي تقودها نيجيريا وهدّدت فيها بالتدخّل العسكريّ إذا لم يُسلّم المجلس العسكريّ السّلطة للرئيس المخلوع محمد بازوم، هذه المُهلة انتهت مُنتصف ليل الأحد الماضي، ولم يرضخ الجِنرال عبد الرحمن لهذا التّهديد، وأغلق المجال الجوّي لبلاده، استِعدادًا للحرب، والأكثر من ذلك رفضه طلبًا مُماثلًا للسيّدة فيكتوريا نولاند نائبة وزير الدّفاع الأمريكيّة التي زارت نيامي العاصمة في الأيّام القليلة الماضية بلقاءِ الرئيس المخلوع بازوم.

مجموعة “إيكواس” المُنقسمة (15 دولة)، عقدت اجتماعًا لرُؤساء أركان جُيوشها في أبوجا العاصمة النيجيريّة، وجرى الاتّفاق على تشكيلِ جيشٍ من 25 ألف جُندي للقيام بالتدخّل العسكريّ في النيجر بتحريضٍ ودعمٍ من فرنسا وأمريكا، ونصف هذه القوّات سيكون نيجيريًّا، وساعة الصّفر للتدخّل قد تُصدرها قمّة هذه المجموعة وقادَتها التي ستُعقد يوم الخميس (بعد غدٍ) أثناء اجتِماعها الطّارئ في العاصمة النيجيريّة.

نحنُ أمام احتِمال نُشوبِ حربٍ عالميّةٍ ثالثةٍ بالإنابة تُشعلها فرنسا وأمريكا، قد تُقَسِّم القارة الإفريقيّة وتستنزف ثرواتها، في مُوازاةٍ للحرب الأوكرانيّة، فروسيا والصين تدعم الانقلاب العسكري في النيجر، وأمريكا وفرنسا ودول حلف النّاتو تدعم الرئيس النيجري المخلوع وتضغط لعودته، والأمر المُؤكّد أن دُوَلًا إفريقيّةً مِثل مالي وبوركينا فاسو، وربّما تشاد، ستُقاتل أيّ تدخّلٍ عسكريٍّ في النيجر، وأعلنت ذلك صراحةً، ولا ننسى أن قوّات فاغنر الروسيّة جاهزةٌ للقِتال في خندق الرئيس الجديد وحُكومته، ولم يتردّد الرئيس بوتين أن يضع النيجر على قائمة الدّول الإفريقيّة الفقيرة التي سيُقدّم لها الحُبوب مجّانًا.

الجزائر ومثلما يُجمِع مُعظم الخُبراء في الشّؤون الإفريقيّة هي الدّولة الوحيدة التي تملك القُدرات العسكريّة التي تُؤهّلها بالتدخّل لإنهاء الانقِلاب، ولكنّها لا تُريد، وتُعارضه بقُوّةٍ، لأنّ هذا التدخّل، مثلما جاء على لِسان الرئيس عبد المجيد تبون، يُشكّل تهديدًا ليس لأمن القارة الإفريقيّة واستِقرارها وإنّما لأمن بلاده واستِقرارها أيضًا، مُؤكّدًا أنه لا بديل عن الحُلول السّلميّة.

خِتامًا نقول إنّنا لسنا ضدّ الديمقراطيّة، ونُفرّق دائمًا بين المُزيّفة منها التي تفتح الأبواب للهيمنة الاستعماريّة، وتُعزّز الفساد ونهب ثروات البِلاد، وبين الديمقراطيّة الحقيقيّة التي تنحاز للشّعوب، وتُعزّز المُساواة، والتنمية المُستدامة، والرّخاء، والانحِياز للفُقراء والطّبقة المُعدَمة، وتُكرّس السّيادة والاستِقلال، ونحنُ مع الأخيرة حتمًا، ودُونَ تردّد، ففي لبنان ديمقراطيّة على النّمط الغربيّ، والحال نفسه في ليبيا والعِراق، ومن المُفتَرض في اليمن والسودان، والقائمة طويلة، فطمّنونا عن أحوال الشّعوب فيها.. والباقِي متروكٌ لفهمكم.

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com