عطوان: ماذا يفعل اللواء فرج في لبنان.. وما هي مَهمّته “الغامضة” التي أثارت غضب “حزب الله”.. وما علاقة صِدامات مُخيّم “عين الحلوة” بزيارته.. ولماذا رفض النخالة لقاءه وماذا دار بينهما..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
توقّعنا فشل اجتماع الأُمناء العامّين لفصائل المُقاومة الفِلسطينيّة الذي دعا إليه الرئيس محمود عبّاس، وتزعّمه، وانعقد يوم أمس الأحد في مصيف العلمين شمال غرب مِصر، ولكنّنا لم نتوقّع مُطلقًا، انعكاس هذا الفشَل، وبهذه السّرعة، صدامات مُسلّحة مُفاجئة في مخيّم عين الحلوة في جنوب لبنان الذي يضمّ أكثر من 54 ألف لاجِئٍ فِلسطينيٍّ بين عناصِر من حركة “فتح” وجماعات إسلاميّة مُتطرّفة، وبعد بضعة أيّام من زيارة اللّواء ماجد فرج رئيس مُخابرات السّلطة الفِلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، والقائد الفِعلي لقوّاتها الأمنيّة المُتعاونة مع الاحتِلال.
هذه الصّدامات التي أسفرت عن مقتل 9 أشخاص حتّى كتابة هذه السّطور، تتزامن مع تصاعد حدّة التوتّر بين قوّات المُقاومة الإسلاميّة بزعامة “حزب الله” ودولة الاحتِلال الإسرائيلي، وإعلان الأخيرة حالة الاستِنفار في صُفوف قوّاتها على الجبهة الشماليّة، وتهديد بنيامين نِتنياهو ووزير حربه الجِنرال غالانت بإعادة لبنان إلى العصرِ الحجريّ.
لن ندخل في تفاصيل هذه الصّدامات، والفصائل المُتورّطة فيها، وما نتج عنها من تدخّلٍ الجيش اللبناني ومُحاصرته المُخيّم، بعد إصابة عدّة عناصر تابعة له من جرّاء قصفٍ “مجهول” ولكن مُتعمّدًا لأحد قواعِده، ولكن لا نستطيع تجنّب الشّكوك المُحيطة بزيارة اللواء فرج غير المسبوقة إلى لبنان، خاصّةً من قبل أطرافٍ لبنانيّةٍ وفِلسطينيّةٍ، والهدف الحقيقيّ من ورائها.
هُناك عدّة معلومات مُتوفّرة لدينا ومن مصادرٍ لبنانيّة وفِلسطينيّة وموثوقة حول هذه الزّيارة:
الأولى: أن اللواء فرج طلب لقاءً مع السيّد زياد النخالة أمين عام حركة الجهاد الإسلامي لبحث مُقاطعته لاجتماعِ الأُمناء العامّين في العلمين، والتّهدئة في مُخيّم جنين وشِمال الضفّة، ولكنّ السيّد النخالة رفض هذ الاجتِماع، ربّما لأسبابٍ أمنيّةٍ وسياسيّةٍ معًا، واكتفى بمُكالمةٍ هاتفيّةٍ رفض خِلالها أيّ مُفاوضاتٍ مع اللواء فرج قبل الإفراج عن جميع مُعتقلي الحركة والفصائل الأخرى في سُجون السّلطة.
الثانية: غضبٌ شديد في الأوساط القياديّة لحزب الله من جرّاء هذه الزّيارة، وإيصالها رسالة احتِجاجٍ قويّةٍ إلى نظيرتها حركة “فتح” في لبنان ورام الله، وتحذيرها من خُطورة أيّ تدخّلٍ من قبلها قد يُؤدّي إلى إشعال فتيل الخِلافات داخِل المُخيّمات الفِلسطينيّة في جنوب لبنان، وبِما يُؤدّي إلى زعزعة حالة الهُدوء والاستِقرار فيها، والتّأثير سلبًا بالتّالي على المُقاومة وأهدافها في مُواجهة الاحتِلال.
ثالثًا: إصرار الرئيس الفِلسطيني محمود عبّاس على تطبيق الفقرة الأهم، والمُثيرة للقلق، التي وردت في خِطابه الذي ألقاه أثناء زيارته لمُخيّم جنين بعد هُروب القوّات الإسرائيليّة مهزومة منه، وقال فيها “إنه لن يكون هُناك إلّا سلاحٌ واحد، وهو سِلاحُ السّلطة في الضفّة الغربيّة وقِطاع غزّة، ولن يسمح بأيّ سِلاحٍ آخَر”، ويبدو أن زيارة اللواء فرج جاء لتطبيق هذه الاستراتيجيّة مُخيّمات في لبنان أيضًا.
رابعًا: قصف قاعدة للجيش اللبناني في أطرافِ مُخيّم عين الحلوة، وإصابة عدد من العسكريين، وهو الذي يتجنّب بقدرِ الإمكان دُخوله (أيّ المُخيّم) هو مُحاولة مُتعمّدة، لجرّه للتورّط، وتِكرار سيناريو نهر البارد الدّموي في مِنطقة طرابلس عام 2007 الذي أدّى إلى مقتل العشَرات، وتشريد الآلاف، وتدمير المُخيّم بالكامِل.
لا نستبعد أن يكون ما يجري في مُخيّم عين الحلوة “فتنة” إسرائيليّة أبرز عناوينها تطبيق سيناريو اقتِحام مُخيّم جنين في مُخيّمات لبنان، من حيث إيكال هذه المَهمّة إلى السّلطة الفِلسطينيّة، لزعزعة استِقرار لبنان وأمنه، وحرف أنظار المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة عن مُواجهة الاحتِلال الإسرائيلي، خاصّةً بعد تعاظُم قوّتها، ووضع خطط لاقتِحام الجليل وتحريره في شِمال فِلسطين المُحتلّة، وزيادة تحرّشها بقوّات الاحتِلال من خِلال اختِراق الحُدود، وإقامة خيمة لعناصرها المُسلّحة في مزارع شبعا المُحتلّة، وتدمير أبراج مُراقبة إسرائيليّة مُزوّدة بالكامِيرات.
نقل السّلطة الفِلسطينيّة وقوّاتها الأمنيّة تحديدًا، إلى لبنان، خط أحمر محفوفٌ بالمخاطر، ليس على لبنان فقط، وإنّما على القضيّة الفِلسطينيّة أيضًا، ولن تسمح المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة مدعومةً بالجيش اللبناني، والحُلفاء الفِلسطينيين داخِل لبنان وخارجه بتمريره، ومن المُؤسِف أن السّلطة الفِلسطينيّة التي فشلت في مُؤتمر العلمين تُكابِر ولا تُريد أن تعترف بتراجع حجم الدّعم والتّأييد لها في أوساط الشعب الفِلسطيني إلى أقل من 5 بالمِئة، وتخرج من فشلٍ لتَسقُطَ في آخَر.
الشّعب الفِلسطيني الذي عانى من كوارثِ أوسلو، يقف في مُعظمه، إن لم يكن كلّه، في خندق المُقاومة، سواءً في الأراضي المُحتلّة أو في لبنان، وقد استوعب جيّدًا دُروس مُخيّم اليرموك في سوريا، ولن يسمح بانتِقالها إلى مُخيّمات لبنان، وبَذْر بُذور الفِتنة الدمويّة فيها، ويكفي هذه المُخيّمات وأهلها المًعاناة لأكثر من 75 عامًا على الأقل، وسِلاح هذه المُخيّمات يجب أن يُصَوّب في اتّجاهٍ واحد فقط، وهو صدر العدوّ الإسرائيليّ المُحتل.
المصدر: رأي اليوم