عطوان: احرقوا السفارة السويدية في العراق العظيم.. وطردوا السفيرة احتجاجا على محاولة ثانية لحرق القرآن الكريم.. هل انتقل العرب والمسلمين من الكلام الى الفعل.. ولماذا الآن؟ ومن هي السفارة الثانية المرشحة للاقتحام..!

5٬809

أبين اليوم – مقالات وتحليلات

بقلم/ عبد الباري عطوان

لسنا مع اقتحام السفارات وحرقها لما تشكله هذه الخطوة من انتهاك لمعاهدة فيينا الدولية التي تكرس الحماية لها والدبلوماسيين العاملين فيها، لكن السلطات السويدية الحاكمة، واجراءاتها الاستفزازية للعقيدة الإسلامية وأبنائها هي التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن حرق سفارتها في العراق.

فللمرة الثانية على التوالي، تعطي هذه السلطات تصريحاً لشخص عنصري حاقد عراقي الجنسية يدعى سلوان موميكا لحشد مجموعة من أمثاله أمام السفارة العراقية في ستوكهولم، وباحراق القرآن الكريم تحت حماية قوات الشرطة، وامام العديد من وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة، والذريعة “حرية التعبير”.

نحن نعيش في الغرب منذ عشرات السنين، وندرك جيداً ان حرية التعبير هذه باتت هذه الأيام ”وسيلة”، او ذريعة، للاعتداء على الكثير من المسلمين، وقرآنهم، والسخرية من عاداتهم وتقاليدهم، خاصة في الدول الخاضعة لحكم اليمين المتطرف، وتوظيف بعض الحاقدين او الباحثين عن إقامة او جواز سفر لبذر بذور الفتنة والكراهية والتحريض.

حرية التعبير هذه لا تشمل التشكيك في المحرقة، واعداد ضحاياها، وتجرّم مقاومة الاحتلال وتعتبرها إرهاباً، وتتبخر كلياً أمام الاعدامات الإسرائيلية للأبرياء العزل في فلسطين المحتلة، وتجويع ملايين العرب والمسلمين حتى الموت تحت حصار ظالم في قطاع غزة ولبنان وسورية وقبلها العراق في أبشع الجرائم عنصرية في التاريخ.

يتهمون العرب والمسلمين بالتخلف، ولكن هؤلاء “المتخلفين” لم يحرقوا مطلقاً أي انجيل او توراة، لا في الغرب ولا في بلدانهم، لأنهم يؤمنون بها وبقداستها، ولكن بعض الحكومات الغربية، وفي دول اسكندنافية خاصة، تؤيد مثل هذه الجرائم، في إطار خططها لتضييق الخناق على المهاجرين المسلمين خاصة، والضغط عليهم لمغادرة البلاد طوعا او بالإكراه.

إحراق السفارة السويدية في بغداد وطرد الحكومة العراقية للسفيرة السويدية، واستدعاء القائم بأعمال سفارتها في ستوكهولم، والتهديد بقطع العلاقات، خطوات تعكس طفحان الكيل، ونفاد الصبر على تجاوزات السلطات السويدية واستفزازاتها، وبما يؤكد ان هذه الإجراءات ليست عملا فرديا وانما سياسة حكومية ايضا.

تراجع العصابة العنصرية التي يقودها ذلك “العراقي” الخائن لوطنه، وهويته، وأمته، والحاقد على الإسلام والمسلمين، عن حرق القرآن، لم يأت من منطلق التوبة، والعودة الى الحد الأدنى من الاخلاق والقيم الإنسانية، وانما بإيعاز من الحكومة السويدية، والجهات العنصرية فيها خوفا من تفاقم ردة الفعل العراقية، وانتقال هذه الإجراءات الانتقامية الى دول عربية واسلامية أخرى، مما يؤكد ان هؤلاء لا يفهمون الا هذه اللغة الصارمة في بلاغتها.

العراقيون الذين اقتحموا السفارة السويدية، وعلقوا الجرس، أصبحوا “قدوة” للشعوب العربية والاسلامية، ونقلوا احتجاجاتهم من القول والبيانات الانشائية الى الفعل، وفي وقت تأفل فيه نجوم العالم الغربي، ويتراجع نفوذه، وبات اكثر حرصا على علاقات جيدة مع نظيره الإسلامي في ظل حرب الاستنزاف الاوكرانية وتطوراتها، التي تصب في مصلحة روسيا ومحورها.

ها هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحظى، وهو المتهم بالدكتاتورية من قبل الغرب، بإحترام الملايين في العالم الإسلامي لإدانته حرق القرآن، وتأكيد هذه الإدانة بالظهور وهو محتضن نسخة منه تقديراً واحتراماً، فلماذا لم نر رئيساً غربياً واحداً يقدم على خطوة كهذه ويعلن على الملأ ادانته لهذه الجرائم الاستفزازية التي تهدد بنسف التعايش والسلم الاجتماعي في العالم الغربي، حيث يعيش أكثر من 30 مليون مهاجر؟ ونسأل أيضا: هل سيتراجع الرئيس رجب طيب اردوغان عن قراره برفع “الفيتو” عن دخول السويد الى حلف “الناتو” الذي قدمه لرئيس وزرائها اثناء انعقاد قمة فيلنيوس (ليتوانيا) قبل أسبوع؟

ردة الفعل العراقية الشعبية، والرسمية، تجاه جريمة إحراق القرآن الكريم في السويد بالإجراءات العملية، وطرد السفيرة، وسحب ترخيص شركة اريكسون السويدية للاتصالات، ومقاطعة البضائع الأخرى، أثارت الإعجاب والتأييد في العالمين العربي والإسلامي، وباتت العديد من الأصوات المؤثرة في الرأي العام في بلدانه تطالب الحكومات بإجراءات قوية مماثلة لوضع حد لهذه الجرائم وبأسرع وقت ممكن.

أصدرتم قوانين بين ليلة وضحاها باعتبار “اللاسامية” المزورة والعنصرية الموجهة ضد كل من يدعم الحق العربي الفلسطيني، وجعلتم منها جريمة، ومقاومة الاحتلال إرهابا، يُعرّض من يؤيدها للسجن، ونحن اذ نرفض هذه القوانين ذات الطابع الانتقائي، ونسأل لماذا لا تصدرون قوانين تجرم حرق القرآن، وكل الكتب السماوية الأخرى، حفظا للأمن والسلم الاجتماعي في بلدانكم والعالم، وأنتم من تدعّون الحضارية واحترام حقوق الانسان، والتعايش بين الشعوب والأديان؟

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com