عطوان: نُناشد الرئيس عبّاس بأنْ يفي بوعده ولا يموت خائنًا.. ونُذكّر “حماس” بالالتِزام بوحدة السّاحات عمليًّا وليس “شعاراتيًّا”.. مجزرة جنين يجب أن لا تمر دُون عِقاب.. ونسأل إلى متى تظل الصّواريخ في المَخابِئ..!

5٬914

أبين اليوم – مقالات وتحليلات

بقلم/ عبد الباري عطوان

إذا كان “الرئيس” محمود عبّاس لا يستطيع حماية الأبرياء وحقن دمائهم ووقف المجازر التي ترتكبها قوّات الاحتِلال في جنين في الوقتِ الرّاهن، فإنّ عليه أن يُعلن حلّ السّلطة التي يتزعّمها، ويُصدر تعليماته لقوّات أمنه التي يزيد تِعدادها عن ستين ألفًا، بالانضِمام إلى كتائب المُقاومة في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وتوجيه سِلاحها إلى الجُنود الإسرائيليين المُعتَدين.

الرئيس عبّاس أعلن أكثر من مرّةٍ أنه لا يُريد أن يموت خائنًا، وهذه فُرصته الذهبيّة وقد هدّه المرض واقترب من التّسعين، وباتت سُلطته في قلب الإفلاس، لتطبيق هذه الرّغبة، إذا كان صادقًا، وحريصًا على تطبيق هذه الأمنية الشّعار، ومسْح كُل خطاياه، ورِهاناته الفاشلة على سلامٍ مسموم، ومُحتل مُغرق في عُنصريّته، أمّا الهُروب إلى مجلس الأمن الدولي، ومُطالبته بالتدخّل لحِماية الشعب الفِلسطيني فقمّة العار والخُذلان.

ما يجري في جنين حاليًّا هو حربٌ حقيقيّةٌ، يستخدم فيها العدوّ الإسرائيلي أكثر من 150 دبّابة ومُدرّعة، والطّائرات المُسيّرة والمروحيّة، والجرّافات، الآلاف من الجُنود ورجال الأمن، ويمنع سيّارات الإسعاف من الدّخول إلى المُخيّم لإنقاذ الجرحى، فماذا تنتظر قوّات الأمن “الفِلسطينيّة”، وهل ستظل تُؤدّي خدماتها الخيانيّة في حِماية الاحتِلال، وقوّاته، ومُستوطنيه، بذريعة الالتِزام باتّفاقات أوسلو التي مزّقتها، وبصقت عليها الحُكومات الإسرائيليّة المُتعاقبة؟

المُجاهدون في جنين يُسَطّرون المُعجزات، وأشرف ملاحم الدّفاع عن أهلهم، بدمائهم الطّاهرة، رُغم الفارق الكبير جدًّا في موازين القِوى، يُواجِهون عدوًّا يملك الطّائرات والدبّابات وأحدث الأسلحة، ويحظى بدعمِ عالمٍ غربيّ عُنصريّ استِعماري مُنافق، وتواطؤ الكثير من الأنظمة العربيّة الفاسدة الفاقِدة للكرامة وعزّة النفس.

هؤلاء الأبطال المُدافعين عن أهلهم ووطنهم وكرامة أمّتهم في مُواجهةِ مُحتلٍّ دمويٍّ عُنصريٍّ فاجِرٍ في جنين يُقاتلون حتّى نُقطة الدّم، والرّصاصة الأخيرة، ويملكون إرادة الجبابرة، ولم ولن يستسلموا، وكُل ما يتطلّعون إليه هو الشّهادة، ولهذا فهم يُرهبون العدوّ، ويبثّون الذّعر في صُفوف، ولن يركعوا مُطلَقًا.

أسقطوا ثلاث مُسيّرات، وحاصروا قوّة إسرائيليّة اقتحمت المُخيّم، وفشلت كُل أدوات القتل لدى جيش الاحتِلال في كسْر هذا الحِصار، وهذه البداية، وكلّما طال أمد الهُجوم تزايدت احتِمالات اتّساع رُقعة المُقاومة، وانضِمام مُدن، وقُرى أُخرى في فِلسطين المُحتلّة إلى ميدان المُواجهة، فهؤلاء الشبّان الذين فجّروا الثّورة المُسلّحة ردًّا على جرائم الاحتِلال، وأسّسوا الكتائب، وطوّروا، وصنّعوا الأسلحة والصّواريخ في “مخارطهم” المحليّة، رُغم إمكانيّاتهم المحدودة، والحِصار الخانِق المفروض عليهم إسرائيليًّا وعربيًّا..

هؤلاء الشبّان في عرين الأسود، والنّمور، والفُهود، سيُغيّروا كُل المُعادلات، لأنّ نفسهم طويل جدًّا، فإذا كانت انتِفاضة أشقّائهم وآبائهم المُسلّحة التي انطلقت شرارتها الأولى عام 2000 ردًّا على مُؤامرة كامب ديفيد وإملاءاتها، استمرّت خمس سنوات، فإنهم لن يتوقّفوا حتّى إنهاء الاحتِلال، ولن ينخدعوا بأكاذيب المُجتمع الدولي، ووساطات الأنظمة العربيّة الخائنة التي تُصنّفهم كإرهابيين، وتحرص على دِماء الإسرائيليين أكثر من حِرصها على دِمائهم، وباعُوا أنفسهم ودُولهم وجُيوشهم وكرامتهم من أجل بعض الدّولارات، أو حماية أمريكيّة وهميّة.

هذه المجازر الإسرائيليّة في جنين هي الاختِبار الأكبر لما يُسمّى بوحدة السّاحات، وغُرفة المُقاومة المُشتركة، وكُل الفصائل المُقاتلة، خاصّةً في قِطاع غزّة، فمَن غير المسموح أو المقبول أن تكون هُناك سُلطة أُخرى في غزّة، تقف موقف المُتفرّج إزاء هذه المجازر، فما فائدة الصّواريخ، والمُسيّرات إذا كانت ستظل في مخابئها بينما أهل جنين يُذبحون من الوريد إلى الوريد؟، وتَطحَن عِظامهم، وأطفالهم، الدبّابات والجرّافات الإسرائيليّة.

بنيامين نِتنياهو، بإقدامه، وحُكومته، على هذه المجزرة وضع نقطة البداية لنهاية دولة الاحتِلال، وعجّل باقتِراب اليوم الأخير لها، وهيّأ المسرح لتِكرار مشهد الهُروب الكبير والفوضى العارمة اللّذين شاهدنا فُصولهما في سايغون وكابول.

الشّعب الفِلسطيني الذي انتظر المُجتمع الدولي المُنافق ما يَقرُب من الثّمانين عامًا لنُصرته، وثلاثين عامًا أُخرى لتطبيق اتّفاقات أوسلو التي جرى توقيعها في حديقة البيت الأبيض عام 1993، قرّر أن يأخُذ حقّه بيده، ويُطلق شرارة الانتِفاضة المُسلّحة من مُخيّم جنين ونابلس وغزّة، ولن تُوقفه أيّ مُبادرات سلام دوليّة مُخادعة على غِرار اللّجنة الرباعيّة سيّئة الذّكر ومُؤلّفها الإرهابي توني بلير، أو خريطة الطّريق التي صاغتها الإدارة الأمريكيّة الأكثر إرهابًا وتَواطُؤًا مع الاحتِلال الظّالم في التّاريخ.

فلّاحو مزارع الأرز الفُقراء في فيتنام قاوموا القُوّة الأمريكيّة العُظمى وطائرات الفانتوم وقنابل النابالم الحارقة بمناجلهم، وانتصروا، والطّالبان الحُفاة قاتلوهم عشرين عامًا، وطردوهم من أفغانستان مِثل الأرانب المذعورة، وشاهدنا ذلك بالصّوت والصّورة في مطاريّ سايغون وكابول، والشّعب الفِلسطيني لن يكون أقلّ شجاعةً وإرادةً وتصميمًا من هؤلاء، وكُل الشّعوب الأُخرى التي قاومت الاستِعمار، وانتَصرت، نراها قريبة جدًّا.. والأيّام بيننا.

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com