عطوان: اقتِحام مُستوطنة ومقتل أربعة و7 إصابات مُعظمها خطيرة.. لماذا جاء الثّأر لاقتِحام مخيّم جنين أسرع ممّا توقّعنا.. وما الجديد هذه المرّة؟ وما هي المُفاجأة القادمة..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
ردّ كتائب المُقاومة على اقتِحام مخيّم جنين، والثّأر لشُهدائها جاء أمس الثلاثاء، أيّ بعد 24 ساعة فقط، أسرع ممّا توقّعه جِنرالات دولة الاحتِلال عندما قامت خليّة مُكوّنة من ثلاثة أشخاص بالهُجوم على مُستوطنة “عيلي” قُرب نابلس، ممّا أدّى إلى مقتل 4 مُستوطنين إسرائيليين وإصابة سبعة آخرين تتراوح إصاباتهم بين خطيرةٍ وخطيرةٍ جدًّا.
أحد مُنفّذي هذه العمليّة استخدم بندقيّة من نوع “إم – 16” الأمريكيّة النّوع، وأطلق زخّات من الرّصاص على محطّة وقود يرتادها المُستوطنون قبل ارتِقائه شهيدًا إلى الرّفيق الأعلى، وتُشير العديد من التقارير الأوليّة أنها مُصنّعة محليًّا في “مخارط” محليّة داخل الضفّة، وليست مُهرّبة من الخارج، أو مُشتراةً من سماسرة السّلاح في الدّاخل.
استخدام هذا النّوع من البنادق الآليّة الرشّاشة، تطوّر جديدٌ ومُتسارع ويعكس بدء مرحلة انتقاليّة جديدة من مراحل مُقاومة الاحتِلال، ممّا سيُحقّق نتائج عديدة، أبرزها جعل الاحتِلال للأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة أوّلًا، والاستيطان ثانيًا، مُكلفين جدًّا ماديًّا، وبشريًّا، ونفسيًّا، وللمرّة الأولى مُنذ الانتِفاضة المُسلّحة الأولى عام 2000 التي استمرّت خمس سنوات.
عندما نقول إنها مرحلة انتقاليّة للمُقاومة أكثر خُطورةً، فإنّنا نعني أنها تأتي استِكمالًا وتطويرًا لأعمال مُقاومة أُخرى مِثل الطّعن بالسّكاكين والدّهس، الأمر الذي سيُعجّل من نهاية “احتِلال الخمس نُجوم” الذي تُعزّز بعد اتّفاقات أوسلو، وتُكرّس بفضل التّنسيق الأمني الذي بالغت في تطبيقه قوّات سُلطة رام الله.
نحن أمام تطوّرين رئيسين مُفاجئين أطلّا برأسيهما ميدانيًّا في الـ24 ساعة الماضية وربّما تلحقهما تطوّرات أُخرى بأسرع ممّا نتوقّع:
الأوّل: نصب الكمائن الذكيّة لدبّابات الاحتِلال، واستِخدام عبوات مزورعة في طريق الدبّابات والمدرّعات، وتفجيرها عن بُعد بدقّةٍ مُتناهية مثلما حصل أثناء اقتِحام قوّات الجيش، وحرس الحُدود، وفرق المُستعربين لمخيّم جنين يوم أمس الاثنين، ممّا أدّى إلى تدمير عربة مُدرّعة وإصابة ستّة أُخرى، وجرح سبعة من جُنودها، حسب رواية جيش الاحتِلال.
الثاني: الرّد الفوري والسّريع بالأسلحة الرشّاشة في غِلاف جِوار مدينة نابلس للانتِقام للشّهداء الستّة الذين ارتقوا أثناء الدّفاع عن المُخيّم والتصدّي لهذا الهُجوم بالدّروع والمروحيّات.
نحن أمام حرب حقيقيّة، طرفها الأوّل مُقاومة تُمارس حقّها الشّرعي في التصدّي للاحتِلال، وجيش يُوصف بأنّه رابِع أقوى جيش في العالم، ومُسلّحً بكُل أنواع المعدّات الحديثة، ومدعومً بمُؤسّستين، عسكريّة وأمنيّة، من المُفترض أنّهما من أقوى المُؤسّسات في العالم، وحتّى الآن تأتي الغلبة للجانب “الضّعيف” المُقاوم الذي انتصر في نهاية المطاف مِثل أقرانه في فيتنام، وغزّة، والجزائر، وأفغانستان، ولبنان، والعِراق، والقائمة تطول.
دولة الاحتِلال الإسرائيلي لا تستطيع تحمّل هذا الانتِصار وتكلفته الباهظة، مهما كان حجمه، والعيش فوق برميل من البارود، لأنّ أضراره على المُستويين القريب والبعيد، ستكون ضخمةً جدًّا، وهذا ما يُفسّر بدء هُروب مُتسارع لرُؤوس الأموال، وشركات التكنولوجيا، وانخِفاض قيمة الشيكل، وتصاعد الهجرة المُعاكسة، لأن هذه المُقاومة تعكس انعِدام الأمن، وانهِيار الاستِقرار، أحد أكبر دعائم الدّولة، أيّ دولة.
سموتريتش وزير الماليّة النّازي المُتطرّف، وأحد أبرز “صُقور” حُكومة نِتنياهو يُطالب بشنّ عمليّة واسعة في شِمال الضفّة الغربيّة للقضاء على المُقاومة بضربةٍ واحدة، وفي أسرعِ وقتٍ مُمكن ممّا يُؤدّي إلى استِعادة منظومة الرّدع التي انهارت في الأسابيع والأشهر الأخيرة، وإدخال الدبّابات والطّائرات، وينسى هذا المدعو سموتريتش أن دولة الاحتِلال تستخدم كُل ما في ترسانتها من أسلحةِ دمار، باستثناء القنابل النوويّة، في الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة مُنذ عُقود، ومع ذلك فشلت في اجتِثاث المُقاومة التي تتوالد جيلًا بعد جيل، وكُل جيل أقوى وأذكى وأقوى إرادةً وتصميمًا من الذي قبله.
فإذا كانت الدبّابات والطّائرات المروحيّة والأُخرى من نوع “إف 16” لم تستطع السّيطرة على مخيّم جنين، فهل تستطيع السّيطرة على مدينة نابلس جبل النار ومُدُن الشّمال الأُخرى؟ وحتى لو سيطروا هل يستطيعون البقاء فيها؟ ألم يهربوا من قطاع غزّة ومعهم ما تيسّر من مُستوطنيهم في ليلةٍ ليس فيها ضُوء قمر؟
الجِنرال إسحق رابين الذي خاض مُعظم الحُروب الإسرائيليّة ضدّ العرب، توصّل إلى قناعةٍ راسخةٍ بأنه يستحيل على قوّاته هزيمة المُقاومة، وتركيع الشعب الفِلسطيني، وقال كلمته “المأثورة” إنه يتمنّى أن يصحوا ذات يوم وقد غرقت غزّة في البحر، فلجأ إلى اتّفاقات أوسلو أكبر إنجازات المَكْر و”اللّؤم” الصّهيونيين في التّاريخ، وكان أوّل ضحايا هذا المكر على أيدي النازيين المُتطرّفين القُدامى والجُدُد الذين كانوا أغبى من أن يفهموا مقاصيده الحقيقيّة، وها هُم يسيرون بحُكومتهم الجديدة بزعامة نِتنياهو على الطّريق نفسه.
دولة الاحتِلال، ومهما ازدحمت ترسانتها بالأسلحة والطّائرات والصّواريخ والجُنود لن تكسب هذه الحرب، ولن تستعيد الرّدع، ولن تُوفّر الأمن لمُستوطنيها إلا بعد الاعتِراف والتّسليم بالحُقوق المشروعة لهذا الشّعب المُقاوم، وانتهاء احتِلالها لكُل الأراضي الفِلسطينيّة التاريخيّة المُحتلّة دُونَ أيّ استِثناء.
فليُهدّد سموتريتش كيفما يشاء (بالمُناسبة أين اختفى إيتمار بن غفير توأمه) مثلما هدّد جميع أقرانه السّابقين بسحق المُقاومة، فكُل المؤشّرات تؤكّد أنها ستنتصر، لأنّها مُقاومة مُختلفة، وأكثر إبداعًا من سابقاتها، وباتت تملك السّلاح، والرّجال، والحق، والعدالة، والنّفَس الطّويل، وعدم أخذ التّعليمات من القِيادات المُستَسلِمَة الفاسدة، فِلسطينيّةً كانت أو عربيّة، وإذا كانت الانتِفاضة المُسلّحة الأولى، وبسِلاحٍ بسيط صمدت خمسة أعوام، ولم تتوقّف إلا بالخديعة الثانية لقِيادتها في المُقاطعة، المُتمثّلة في خريطة الطّريق واللّجنة الرباعيّة، والوعود الكاذبة بالسّلام والدّولة المُستقلّة، فإنّ الانتِفاضة المُسلّحة الحاليّة، وكتائبها الشابّة “مُحصّنةٌ” من كُل هذا المَكْر الإسرائيليّ والدوليّ بل والعربيّ أيضًا.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم