عطوان: بوتين يُلوّح باستِخدام القنابل النوويّة التكتيكيّة كرَدٍّ على الهُجوم الأوكراني المُضاد في رسالةٍ قويّةٍ لقمّة حِلف “الناتو” في ليتوانيا الشّهر المُقبل.. هل يفعلها؟ ولماذا يجب أخذ تهديدات ميدفيديف بجديّة أكبر هذه المرّة..!

4٬928

أبين اليوم – مقالات وتحليلات

بقلم/ عبد الباري عطوان

جاء الرّد الروسي على الهُجوم الأوكراني المُضاد أسرع ممّا توقّعه الكثيرون، ونحنُ من بينهم، حيث أعلن الرئيس فلاديمير بوتين رسميًّا أمس الجمعة، وبعد اجتماعه مع حليفه الأوثق لوكاشينكو زعيم بيلاروسيا (روسيا البيضاء) أنه سيتم في السّابع أو الثّامن من شهر تمّوز (يوليو) نشر الأسلحة النوويّة التكتيكيّة على أراضي الدّولة الجارة، والمُحاذية لكييف.

توقيت هذه الخطوة التي تعكس نوايا جديّة للرئيس بوتين بعدم التردّد في استِخدام أسلحة نوويّة قبل أربعة أيّام من انعِقاد قمّة دُول حلف “النّاتو” في ليتوانيا، التي ستدرس، وتتّخذ قرارًا، بانضِمام أوكرانيا إلى الحِلف، وقرار هذه القمّة سيكون حاسِمًا سِلمًا أو حربًا.

إنها رسالة واضحة من الرئيس الروسي للولايات المتحدة، والدول الأعضاء في الحِلف، تقول إن الحرب الأوكرانيّة بدأت بسبب عزم أوكرانيا في التخلّي عن حِيادها، والتلويح بالانضِمام للحِلف المذكور، وإذا تأكّدت هذه الخطوة رسميًّا، فإنّه من غير المُستَبعد أن الرّد سيكون نوويًّا.

ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي المُقرّب جدًّا من بوتين كتب على صفحته على “التليغرام” قبل أربعة أيّام يقول “الهُجوم الأوكراني المُضاد بدأ فِعلًا، وعلى موسكو أن تردّ عليه بهُجومٍ مُضاد أكبر، علينا أن نُوقِف هُجوم العدوّ أوّلًا، ثمّ نُطلق هُجومنا السّاحق للإطاحة بنظام زيلينسكي النّازي والسّيطرة الكاملة على العاصمة كييف، وليس لتحرير أراضينا وحِماية شعبنا فقط”.

لا نختلف مُطلقًا مع تأكيد ميدفيديف بأنّ الهُجوم الأوكراني المُضاد المدعوم من أمريكا وحِلف “الناتو” هدفه محو روسيا الاتّحاديّة من الخريطة، وتفتيت وِحدَتها الترابيّة مرّةً واحدةً وإلى الأبد، ولكن من الصّعب التنبّؤ بنتائج هذا الهُجوم ونجاح هذا المُخطّط الأمريكي بالتّالي.

الهُجوم المُضاد لم يكن مُفاجئًا لروسيا، فالاستِعدادات له بدأت بتزويد الجيش الأوكراني بمنظومات صواريخ “الباتريوت”، وقبلها صواريخ “هيرماس” الأمريكيّة الهُجوميّة، ودبّابات “ليوبارد” الألمانيّة، وأخيرًا طائرات “إف 16” الأمريكيّة، ولعلّ أوّل فُصوله تجسّدت بتخريب خط أنابيب غاز “نورد ستريم” وتأكّدت بتفجير سد نوفاكاخوفكا على نهر دنيبرو في مِنطقة خيرسوف الواقعة تحت السّيطرة الروسيّة يوم السبت الماضي.

من الواضح أن خطّة أوكرانيا في نسف هذ السّد أو جُزء منه، هو إرباك روسيا، والزّحف إلى شِبه جزيرة القِرم لاستعادتها للسّيادة الأوكرانيّة، وكُل الاتّهامات الدعائيّة بوقوف روسيا خلف هذا التّفجير غير مُقنعة، وإلا لقبلت حُكومة زيلينسكي اقتِراح الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بتشكيلِ لجنةٍ دوليّةٍ للتّحقيق في هذا التّفجير، وتحديد الجِهة التي تقف خلفه.

قُلناها أكثر من مرّةٍ أن الرئيس بوتين لم يدخل هذه الحرب ليخرج مهزومًا منها، ولهذا لن يتردّد في استخدام الأسلحة النوويّة للخُروج مُنتصرًا، ومُحَقّقًا كُل أهدافه، أو مُعظمها، لأنّ الهزيمة تعني دمار روسيا، ودماره شخصيًّا، على غِرار ما حدث لألمانيا في الحرب العالميّة الثانية، وهذا رجلٌ عنيد في صلابته، ولا يعرف شيئًا اسمه الاستِسلام والخُنوع وتاريخه يشهد على ذلك.

نشر أسلحة نوويّة تكتيكيّة في روسيا البيضاء المُحاذية لأوكرانيا ربّما يُشكّل “إنذارًا أوّليًّا” لحِلف “النّاتو”، وقبل أيّام من قمّته التي ستنعقد يوميّ 11 و12 تمّوز (يوليو) المُقبل بزعامة الرئيس جو بايدن، وربّما تقول مُفرداته، إن ضمّ أوكرانيا لحلف “النّاتو” قد يعني الضّغط على الزّر النّووي التّكتيكي، وكمُقدّمة للقصف النوويّ الاستراتيجيّ الذي لن يتوقّف عند الحُدود الأوكرانيّة، وقد يتجاوزها ليصل إلى العديد من العواصم الغربيّة، في أوروبا وأمريكا الشماليّة، وخاصَّةً واشنطن، ولندن، وبرلين.

محو روسيا من الخريطة، مثلما يقول ميدفيديف سيكون باهظ الثمن، ولن يكون هُناك عالمٌ بُدونها، والرّجل ومُعلّمه بوتين يقفان فوق ترسانة تضم 6500 رأس نووي، وصواريخ أسرع من الصّوت قادرة للوصول إلى واشنطن في أقل من عشر دقائق.

دمار روسيا يعني دمار العالم بأسْره، فهل هذا ما يُريده الرئيس بايدن وبعض القادة الأوروبيين اليمينيين المُتطرّفين؟

نأمل أن يعود حلف “النّاتو” إلى جُذور هذه الأزَمة، والتخلّي عن فكرة انضِمام أوكرانيا لحِلف “النّاتو” التي فجّرتها، والقُبول بالمُبادرة الصينيّة السّلميّة التي قد تجد المخرج الأقصر، وإزالة الخطر النووي الذي يُهَدّد بفناءِ البشريّة.

 

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com