عطوان: لماذا لا يستمع أحد إلى “صفقة” ترامب التي قال إنها ستُنهي حرب أوكرانيا في 24 ساعة؟ وهل ستُزوّد أمريكا زيلينسكي بطائرات “إف 16” والصّواريخ الدّقيقة بعد أن زوّدته بدبّابةِ “أبرامز” بعد تردّد؟ وهل ستكون “القرم” ميدان المُواجهة الأمريكيّة- الروسيّة في الأسابيع المُقبلة..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
بعد أن ضَمِنَ فولوديمير زيلينسكي الحُصول على مئات الدبّابات الحديثة من نوع “أبرامز” الأمريكيّة و”ليوبارد” الألمانيّة، باتَ الآن يُطالب بتزويد جيشه بطائرات “إف 15” المُقاتلة، والصّواريخ الدّقيقة البعيدة المدى، الأمر الذي يعني أن دائرة الحرب الأوكرانيّة تتوسّع بشَكلٍ مُتسارعٍ وتتحوّل إلى حربٍ عالميّةٍ ثالثةٍ، بين حِلف الناتو بزعامة أمريكا وروسيا.
الرئيس جو بايدن عندما “ورّط” أوكرانيا في هذه الحرب، لم يكن يُعرها وجيشها وشعبها، بل والقارة الأوروبيّة برمّتها، أيّ اهتمامٍ حقيقيّ، لأنّ هدفه الرئيسيّ كانَ، وما زالَ، حِصار روسيا، وخنْقها، تمهيدًا لتفكيكها بعد إسقاط نظام الحُكم فيها، وبعد أن فشل الحِصار، جاءت نتائجه عكسيّةً من حيثُ تقوية الاقتِصاد الروسي بدلًا من إنهاكه، بدأ الرئيس الأمريكي عمليّة الانتِقال إلى المرحلةِ الثانية في هذه الحرب، أيّ مُحاولة نقل المعارك إلى العُمُق الروسي بدءًا من شِبه جزيرة القِرم التي ستتركّز المعارك في الفترة المُقبلة على استِرجاعها للسّيادة الأوكرانيّة، وهذا ما يُفسّر إقدام حِلف الناتو على تزويد الجيش الأوكراني بأسلحةٍ هُجوميّة.
يعتقد الكثير من المُحلّلين الاستراتيجيين ومن بينهم البروفيسور الصيني لي هايدونغ “أن النّتائج الرئيسيّة في ساحة المعركة تعتمد على جودة وقُدرات الأسلحة والجُنود، ويلعب الجيش الأوكراني دورًا سلبيًّا في هذا الصّدد”، وأوضح “أن روسيا لديها قُدرات قِتاليّة بريّة قويّة، وأن دبّابات “أبرامز 1″ الأمريكيّة، و”ليوبارد 2” الألمانيّة تُعتَبر من الوزن الثّقيل ويُمكنها إظهار إمكانيّاتها القويّة المُتفوّقة بشَكلٍ مثاليٍّ في فصل الشّتاء، ولكنّها لن تصل إلى الجيش الأوكراني إلا في الرّبيع، وهذا يَصُبّ في مصلحة الدبّابات الروسيّة الأخَفّ وزنًا، والأسرع حركةً، مِثل دبّابة “تي 72″ و”تي 90″ ممّا يُعطيها قُدرةً أكبر على الحركة بشَكلٍ أفضل في الربيع والصيف والخريف”.
الدبّابات لا تحسم الحُروب مهما كانت مُتطوّرةً، ويكفي التّذكير بأنّ دبّابة “ميركافا” فخر الصّناعة الحربيّة الإسرائيليّة، والتي تُعتَبر نُسخةً مُطوّرةً لدبّابة “أبرامز” الأمريكيّة مُنيت بهزيمةٍ مُهينةٍ في حرب جنوب لبنان عام 2006، وكذلك في حُروب غزّة بفضْل صواريخ “الكورنيت” السوريّة الروسيّة الأصل، ولم تجرؤ على اقتِحام القِطاع مرّةً أُخرى مُنذ حرب عام 2014 التي استمرّت خمسين يومًا.
ديمتري ميدفيديف نائب رئيس المجلس القومي الروسي، والرئيس السّابق، وجّه تحذيرًا قويًّا إلى الولايات المتحدة وحلف الناتو قبل بضعة أيّام قال فيه إن هذا التدفّق للدبّابات والمعدّات الثقيلة من دُول حِلف الناتو إلى الجيش الأوكراني يأتي بمثابة إعلان حرب عالميّة ضدّ روسيا بقِيادة حِلف الناتو وسيتم الرّد بقُوّةٍ على هذه الدبّابات، مُذكّرًا بأنّ الدّول التي تملك أسلحةً نوويّةً لا يُمكن أن تُهزَم في هذه الحرب أو غيرها.
الأمر المُؤكّد أن إدارة الرئيس بايدن ستتجاوب مع مطالب الرئيس الأوكراني زيلينسكي بإرسال طائرات مُقاتلة، وصواريخ دقيقة، بعيدة المدى إلى الجيش الأوكراني، مثلما فعلت بإرسالها عشرات الدبّابات من طراز “أبرامز” بعد تلكّؤ مُصطنع، وهذا يعني أن الربيع المُقبل والوشيك قد يشهد أوّل صدامٍ مُباشرٍ بين الولايات المتحدة وروسيا.
هُناك شِبه إجماع بأنّ الرئيس الأمريكي السّابق دونالد ترامب ليس خبيرًا في الشّؤون الاستراتيجيّة بشقّيها السّياسيّ والعسكريّ، ولكن ما قاله أخيرًا في أحد تغريداته على حِسابه على منصّة “تروث” الخاص به، بأنّه يجب إعطاء الأولويّة لإنهاء الصّراع بالتوصّل إلى “صفقةٍ” وليس بإرسال الدبّابات ومِليارات الدّولارات إلى أوكرانيا، ويستحقّ التوقّف عنده، وأخذه بعين الاعتِبار، ونحن نتّفق معه في قوله إن الرئيس بايدن سيكون المسؤول الأوّل عن قيامِ حربٍ عالميّةٍ ثالثة لو اندلعت بسبب سياساته الخاطِئة والكارثيّة.
ترامب لم يكشف عن تفاصيل “الصّفقة” التي يقترحها، ويقول إنها ستُنهي حرب أوكرانيا في 24 ساعة، ولعلّه يطرح نفسه وسيطًا في هذا المِضمار، وربّما يُمهّد بالتّالي لبدء حملته الانتخابيّة الرئاسيّة إذا لم يُمنَع من ذلك بسبب المُلاحقات القانونيّة ضدّه وما أكثرها، خاصّةً فضيحة اقتِحام أنصاره للكونغرس احتجاجًا على تزوير الانتِخابات التي أطاحت به، على حدّ زعمهم.
حرب أوكرانيا لن تنتهي إلا في حالتين: حرب مُدمّرة تلجأ إليها القيادة الروسيّة كخِيارٍ أخير إذا شعرت بالهزيمة، أو أن تقبل أمريكا وحِلف الناتو بشُروطها (روسيا) بالمُوافقة على ضمّ مِنطقة دونباس في جنوب وشرق أوكرانيا وفوقها الاعتِراف برُوسيّة شِبه جزيرة القِرم.
الرئيس بايدن بتسليحه أوكرانيا بالدبّابات وقريبًا بالصّواريخ والطّائرات، يُطيل أمَدَ الحرب، ويُغلق الباب أمام الحُلول السياسيّة يُعجّل من الخِيار الأوّل، أيّ الحرب النوويّة، الأكثَر احتِمالًا.. واللُه أعلم.
المصدر: رأي اليوم