عطوان: ماذا يقصد حمد بن جاسم من وراء التّحذير من عُدوانٍ أمريكيّ إسرائيليّ مُحتمل على إيران؟ ولمن يُوجّه هذه الرّسالة وفي هذا التّوقيت؟ وكيف ستكون دول مجلس التعاون الخليجي أوّل الخاسِرين..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
لا نعرف ما هي الأسباب التي دفعت الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء دولة قطر، ووزير خارجيّتها الأسبق، لكتابة مجموعة من التغريدات على حسابه على “تويتر” يُحذّر فيها من “عملٍ عسكريّ إسرائيليّ أمريكيّ مُحتمل قد يَهُزّ الأمن والاستقرار في مِنطقة الخليج” سيترتّب عليه “عواقب اقتصاديّة وسياسيّة، واجتماعيّة، خطيرة..
ولكن ما نعرفه أن الرجل خرج من السّلطة نظريًّا، ولكنّه ما زال أحد أبرز صُنّاع القرار في بلاده، ويتمتّع بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ودول غربيّة وأجهزتها الأمنيّة، وصُنّاع القرار في دُولها العميقة بفِعل علاقاته التجاريّة القويّة، وإدارته بصُورةٍ مُباشرة، أو غير مُباشرة، لاستثمارات بلاده المِلياريّة الضّخمة، ممّا يُمكنه من معرفة الكثير من الأسرار وقرارات الغُرف المُغلقة المُظلمة، مُضافًا إلى ذلك أن دولة قطر باتت تتمتّع بصفةٍ تفضيليّة تكاد تقترب من عُضويّة حِلف “النّاتو” الكاملة.
نعم.. “إسرائيل”، وحُكومتها الفاشيّة الحاليّة بقيادة بنيامين نتنياهو تضع هدف ضرب المُنشآت النوويّة الإيرانيّة على قمّة أهدافها، وصرّح الجِنرال أفيف كوخافي رئيس هيئة أركانها قبل ثلاثة أيّام بأن إيران باتت تملك كميّات من اليورانيوم عالي التّخصيب بما يُؤهّلها لتصنيع أربع قنابل نوويّة، ومن المُتوقّع أن يقوم الجِنرال جيك سوليفان مُستشار الأمن القومي الأمريكي بزيارة تل أبيب خلال أيّام للإعداد لزيارة نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن لبحث الملف النووي الإيراني، وربّما تحديد ساعة الصّفر لأيّ عُدوانٍ قادمٍ على إيران.
الشيخ حمد بن جاسم الذي كان أبرز “مُهندسي” ما يُسمّى بثورات الربيع العربي، بالتّنسيق مع الولايات المتحدة، حسب اعتِرافاته في لقاءاتٍ صحافيّة مُوثّقة بالصّوت والصّورة تضمّنت رصد مِئات المِليارات من الدّولارات لإطاحة أنظمة، وعمليّات تجنيد للمُقاتلين وتسليحهم، لا يُمكن أن ينشر هذه “التّغريدات” وفي هذا التّوقيت سعيًا من أجل “اللّايكات” أو المزيد من الشّهرة، أو يُقدم على هذه الخطوة دون التّنسيق مع حُكومته، وإنّما لإيصال رسائل إلى جهاتٍ عديدة، وبإيعازٍ من “جِهةٍ ما”، من بينها الضّغط على إيران للعودة إلى مُفاوضات فيينا النوويّة، والتّعجيل بالتوصّل إلى اتّفاقٍ نوويٍّ جديد.
لا جدال بأنّ الدول العربيّة الخليجيّة ستكون الأكثر تضرّرًا من أيّ عُدوان إسرائيلي أمريكي، وعلى رأسها دولة قطر التي تتواجد فيها أكبر قاعدة أمريكيّة في مِنطقة الشّرق الأوسط، وربّما العالم، ومن المُؤكّد أنها، أيّ القاعدة، وجِنرالاتها ستكون في قلب أيّ حربٍ قادمة، وستنطلق منها الطّائرات التي ستضرب إيران وبُناها التحتيّة العسكريّة والاقتصاديّة، الأمر الذي سيجعلها على رأس أولويّات الضّربات الانتقاميّة الإيرانيّة، ومن هُنا نستطيع أن نفهم حالة القلق التي عبّر عنها الشيخ بن جاسم في تغريداته.
القيادة الإيرانيّة بشقّيها السّياسيّ والعسكريّ، حذّرت أكثر من مرّةٍ بأنّ القواعد العسكريّة الأمريكيّة في دول مجلس التعاون الخليجي ستكون “هدفًا مشروعًا” لأيّ ردّ فِعلٍ انتقاميّ إيرانيّ على أيّ عُدوان أمريكي إسرائيلي.
“إسرائيل” تقدّمت بطلبٍ رسميّ إلى الولايات المتحدة للحُصول على نُسخةٍ مُتطوّرةٍ من المُقاتلات الأمريكيّة “إف 15″ البعيدة المدى، ومنظومات دفاعيّة أُخرى، ولا نستبعد أن يأتي هذا الطّلب في إطارِ الاستِعدادات للعُدوان على إيران، ولكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ هو: هل تجرؤ أمريكا و”إسرائيل” على فتْحِ جبهةٍ جديدةٍ مع إيران في وقتٍ تخسر فيه الحرب الأوكرانيّة في ظِل الهُجوم الروسي الحالي المُضاد الذي تمثّل في استِرداد سوليدار وضرب البُنى التحتيّة الأوكرانيّة وقطْع الكهرباء والماء، وتدهور الأوضاع الاقتصاديّة الغربيّة، وتفاقم الخِلافات بين الدول الأوروبيّة والولايات المتحدة حول عدم منعها (أيّ الحرب الأوكرانيّة)، وتجنّب استِفزاز الرئيس الروسي ودفعه إلى اجتِياح قُوّاته لشرق البِلاد دُون حِسابات دقيقة للعواقب، ونجاح تهديداته بالسّلاح النووي في قلب كُل الاستراتيجيّات الغربيّة رأسًا على عقب.
ما زالت الرّدود الخليجيّة على تحذيراتِ الشيخ بن جاسم، غير واضحة، بل شِبْه معدومة، رُغمَ أن الإعلام القطري تبنّاها لإضفاء بعض الشرعيّة عليها، وربّما يعود ذلك إلى الخِلافات المُتفاقمة، وغير المُعلنة، بين مُعظم الدّول الخليجيّة السّت، فهل جاءت هذه التّغريدات “المدروسة” مُحاولةً لتحفيز تحرّك خليجي لتسوية هذه الخِلافات، وتوحيد الصّفوف لمُواجهة الأخطار الوجوديّة على جميع المِنطقة، التي ستترتّب على هذه الحرب “المُحتَملة”.
لا نملك أيّ أجوبة على جميع هذه التّساؤلات، ولكن ما نتوقّعه في هذه العُجالة، أنّه قد لا يكون هُناك شيء اسمه “إسرائيل” بالطّريقة التي نعرفها، إذا ما أقدمت قِيادتها على “حماقة” ضرب إيران بمُشاركةٍ أمريكيّة أو بُدونها، والشّيء نفسه ينطبق أيضًا على مُعظم دول الخليج فالحُروب أسرار، ونعرف كيف تبدأ ولا نعرف كيف تنتهي ومتى؟.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم