عطوان: لماذا ستُقدّم دولة الاحتِلال أعظم هديّة للشعب الفِلسطيني إذا أقدمت على تقويض سُلطة رام الله وإنهاء عُمرها الافتراضي؟ وهل سيرضخ الأردن لضُغوط دُول “مُنتدى النقب” وينضم إلى عُضويّته؟ وما هي الأخطار المُترتّبة على ذلك؟ وكيف نُفسّر حظْر العلم الفِلسطيني من قِبَل حُكومة نِتنياهو الأقوى في المِنطقة..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
لعلّ أكثر الأخبار التي تهبط بردًا وسلامًا على قُلوب غالبيّة الشعب الفلسطيني إن لم يكن كلّه هذه الأيّام، اتّهام الدكتور محمد اشتية دولة الاحتِلال الإسرائيلي بالعمل على تقويض السلطة الفِلسطينيّة التي يترأس وزارتها باتّخاذها إجراءات عقابيّة ضدّها، مِثل تجميد الأموال، وسحب بطاقات (VIP) من بعض شخصيّاتها.
فهذه السّلطة قامت بقرار إسرائيلي يعكس أخطر اختراعات العقل واللُّؤم اليهودي ومن أجل خدمة الاحتِلال، وإطالة عُمره وتقليص كُلفته، أو بالأحرى مجانيّته، وحماية مُستوطنيه، وقمع أيّ أعمال المُقاومة من قبل الشعب الفِلسطيني، وعلى أساس اتّفاقات أوسلو، ولعلّ السلطات الإسرائيليّة تقوم بما عجز هذا الشعب عن تحقيقه، أيّ الإطاحة بهذه السّلطة واجتِثاثها من جُذورها، بعد أن تحوّلت إلى عبءٍ ثقيلٍ على كاهله، وأحد أبرز مصادر الإساءة له، وتاريخه المُشرّف في مُقاومة الاحتِلال، ولكنّها في تقديرنا لن تفعل لأنّ بديل هذه السّلطة هو الفوضى المُسلّحة (المُقاومة)، وحِرمان الكيان من أهم أُسسين لبقائه واستمراره، أيّ الأمن والاستقرار.
هذه العُقوبات جاءت بسبب توجّه السلطة إلى محكمة العدل الدوليّة للبت في طبيعة الاحتلال، ونوعيّته، وإصدار فتوى قانونيّة بحقّ المجازر التي يرتكبها بصفةٍ يوميّة في حقّ الشعب الفِلسطيني، فمِثل هذا التحرّك جريمة، ويُصنّف على أنه أحد أنواع الإرهاب ومُعاداة الساميّة، ممنوعٌ على الشعب الفِلسطيني أن يصرخ من جلد سوط الاحتِلال.
فإذا كانت السّلطة ممنوعٌ عليها الذهاب إلى المنظمات الدوليّة للشّكوى والبُكاء على أكتاف قُضاتها والعاملين فيها، فأين ستذهب؟ ولمن تشتكي؟
يبدو أن الإجابة على هذا السّؤال تُقدّمه “إسرائيل” بإقامة “حائط مبكى” جديد باتت تترسّخ أسسه تحت اسم “مُنتدى النقب” الذي تتزعّمه الولايات المتحدة، ويضم أربع دول مُطبّعة إلى جانب دولة الاحتِلال وهي مِصر والإمارات والمغرب والبحرين.
بالأمس كشفت إحدى وثائق هذا المُنتدى الذي عقد مُمثّلون للدّول الأعضاء فيه اجتماعًا في أبو ظبي للتّحضير لدورة “مارس” المُقبل، كشفت عن وثيقة يقول مضمونها إن الدول الأعضاء “توافقت فيما بينها على إمكانيّة الاستِفادة من التعاون الإقليمي للتّمهيد لإطلاق مُحادثات سلام بين السّلطة وإسرائيل”.
بمعنى آخر أن هذا المنتدى والدول المؤسّسة له سيحل محل الأمم المتحدة، ومنظماتها الدوليّة، وسيكون من أبرز مهامه تثبيت الأمر الواقع الرّاهن تحت الاحتِلال من خلال “إنشاء وتنفيذ مُبادرات من شأنها تعزيز الاقتصاد الفِلسطيني، وتحسين نوعيّة حياة الفِلسطينيين تحت الاحتِلال”، أيّ حُزمة رشاوى وحقن تخديريّة ماليّة.
من المُفارقة أن السلطة الفلسطينيّة التي تدّعي أنها تُمثّل الشعب الفلسطيني، الذي تأسّست هذه المنظومة لتحسين ظُروفه المعيشيّة غير مدعوّة للانضمام إلى عُضويّتها، في احتقارٍ غير مسبوق يَهبِط مثل العسل على قلوب قيادتها في رام الله على كُل المُستويات.
لا نعرف ما إذا كانت الدول العربيّة الأربعة المُشاركة في هذا المُنتدى تُدرك أن السلطة تفاوضت وعلى مدى الثلاثين عامًا الماضية مع دولة الاحتِلال، من أجل إقامة الدولة الفلسطينيّة تطبيقًا لاتّفاقات أوسلو وبُنودها، ولم تحصل إلا على مُكافأة تليق بها، وتتلخّص في توطين 800 ألف مُستوطن في الضفّة الغربيّة والقدس المحتلة، وإذا كانت هذه الدول لا تعرف بهذه الحقائق، أو تتعامى عنها، فإنّنا لا نُمانع بتذكيرهم بها.
من سُخريات القدر، أن الولايات المتحدة، وشُركاءها العرب في هذه المنظومة، يُمارسون ضُغوطًا جبّارةً على الأردن للانضِمام إلى عُضويّتها، وهي المُهدّدة من قبل الحُكومة الإسرائيليّة بطرد جميع الفِلسطينيين في الضفّة الغربيّة إليها، وجعل الأردن كبش فداء حل الدولتين بإقامة الدولة الفلسطينيّة على أرضه، حسب خطط حُكومة اليمين الفاشيّة ورئيسها بنيامين نتنياهو، ونأمل أن تفشل هذه الضّغوط، رُغم ظُروف الأردن الاقتصاديّة والسياسيّة الصّعبة، والمُغريات الماليّة الدّاعمة لهذه الضّغوط.
كُل هذه الخطط والمُؤامرات الأمريكيّة الإسرائيليّة التي تُوفّر لها بعض الحُكومات العربيّة المُطبّعة الغطاء وأدوات التنفيذ مِثل غثاء السّيل، ومصيرها الفشل، ومن المُؤسف أن هذه الحُكومات المُنساقة خلفها، أيّ المُؤامرات، هي ربّما الوحيدة التي لا ترى الضّعف والانهِيار المُتسارع لدولة الاحتِلال، والمُتغيّرات الجذريّة الحاصلة إقليميًّا ودوليًّا مع اقتِراب الحرب الأوكرانيّة من دُخولها عامها الثاني، وتآكُل النظام العالمي الحالي وحيد القُطب لمصلحة نظام عالمي جديد مُتَعدّد الأقطاب.
عندما ترتعب دولة الاحتِلال التي تدّعي أنها الديموقراطيّة الوحيدة والقُوّة العُظمى في المِنطقة من رفع العلم الفِلسطيني، وتُجرّم رفعه، وترتعد من “عرين الأسود” وكتائب جنين وبلاطة، فهذا يعني أنها تسير بشَكلٍ مُتسارع على طريق الانهِيار، وبات رحيلها مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم