عطوان: مظاهر “التعب” و”الملل” بدأت تظهر بوضوح في الأوساط الأمريكيّة والأوروبيّة مع دُخول الحرب الأوكرانيّة عامَها الثاني.. إليكم خمسة أدلّة مُوثّقة.. ولماذا بدأت الأصوات تتعالى بوَقفِ الحرب والتوصّل لهُدنةٍ مفتوحةٍ بأسرعِ وقت؟ وهل سيتجاوب بايدن بعد القصف الروسي الانتِقامي المُكثّف..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
مع إقتراب الحرب الأوكرانيّة من دُخول عامها الثاني، وتصاعد كثافة القصف الروسي الانتقامي لمواقع الجيش الأوكراني في شرق البلاد والعاصمة كييف، وتفاقم الاحتجاجات والإضرابات، وارتفاع مُعدّلات التضخّم وغلاء المعيشة، بدأت الأصوات تتعالى داخل أوروبا والولايات المتحدة التي تُطالب بتجنّب التورّط في حربٍ مُباشرةٍ مع روسيا، وحتميّة الدخول في مُفاوضاتٍ معها، بأسرعِ وقتٍ مُمكن للتوصّل إلى هُدنةٍ دائمةٍ ووقفٍ للقتال على جميع الجبهات.
لم تُجانب صحيفة “الواشنطن بوست” الأمريكيّة الحقيقة عندما قالت في مقالٍ لها نشرته اليوم بأنّ مُستقبل أوكرانيا لم يَعُد في يَدِ رئيسها أو شعبها، وإنّما أطراف خارجيّة على رأسها الولايات المتحدة، وأكّدت أن العالم الغربي لا يستطيع الاستمرار في تقديم الدّعمين العسكري والمالي إلى الأبد لأوكرانيا.
هُناك عدّة مُؤشّرات من قيادات عسكريّة وأمنيّة أوروبيّة وأمريكيّة تؤكّد على نُشوءِ “صحوةٍ غربيّةٍ مُضادّةٍ” تتوسّع دائرتها يُطالب أصحابها، وهُم من المُؤثّرين في سياسات بلادهم الاستراتيجيّة، بوقف هذه الحرب بعد أن باتت باهظة التّكاليف، وأصبح من الصّعب الانتصار فيها، ويُمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أوّلًا: وجود قناعة راسخة لدى كيفن مكارثي الجُمهوري رئيس مجلس النواب الأمريكي الجديد الذي فاز بعد 15 جولة من التصويت، بأنّ النوّاب الجمهوريين في مجلس النوّاب (يملكون الأغلبيّة) لن يسمحوا بتقديم مُساعدات عسكريّة وماليّة غير محدودة لأوكرانيا، وسيتم التركيز على قضايا أمريكا المحليّة مِثل الهجرة والحُدود المفتوحة، والدّين العام، وأزمة الطّاقة، والتضخّم.
ثانيًا: إدلاء الجنرال ريتشارد دانات رئيس هيئة الأركان العامّة للقوّات البريطانيّة بتصريحاتٍ “خطيرة” و”صادمة” لصحيفة “الديلي تلغراف” البريطانيّة قال فيها إن حُكومة بلاده فقدت الاهتِمام بتقديم المُساعدات العسكريّة لأوكرانيا، فبريطانيا باتت “مُتعبة” ولم تُعلن عن تقديم أيّ دبّابات أو معدّات عسكريّة إلى كييف أُسْوَةً بأمريكا وفرنسا وألمانيا التي أعلنت قبل أيّام عن تقديمها دبّابات ومدرّعات ومنظومات صواريخ “باتريوت” إلى أوكرانيا لتعزيز قُدراتها العسكريّة في مُواجهة الهجمات الروسيّة، والتزمت الحُكومة البريطانيّة بالصّمت.
ثالثًا: اتّهم تينو كروبالا رئيس حزب “البديل” المُعارض حُكومته الألمانيّة بجرّ البلاد إلى حربٍ مُباشرةٍ مع روسيا بتزويدها أوكرانيا بدبّاباتٍ حديثة، وقال “الصراع في أوكرانيا ليس صِراعًا ألمانيًّا، وعُضويّتها (ألمانيا) في حِلف الناتو والاتّحاد الأوروبي لا تُلزمها بالتورّط في هذا الصّراع”، وأضاف “مصلحة ألمانيا وشعبها ليس في إرسال الأسلحة لأوكرانيا، وإنّما وقف إرسالها، وإعادة العلاقات مع روسيا، والانخِراط في مُفاوضاتٍ للتوصّل إلى هُدنةٍ مفتوحة”.
رابعًا: كشْف الجِنرال سكوت ريتر المسؤول السابق في المُخابرات الأمريكيّة وعُضو فريق التفتيش الأُممي عن أسلحة الدّمار الشّامل في العِراق الذي انشقّ احتجاجًا على غزو العراق واحتِلاله، عن نجاح الروس في خديعة الولايات المتحدة وأوكرانيا والغرب عُمومًا، بتوجيهِ ضربةٍ استباقيّةٍ باقتِحام قوّاتها لشرق أوكرانيا والاستيلاء على إقليم “دونباس” ممّا أدّى إلى إفشالِ مُعظم المُخطّطات والتوقّعات الأمريكيّة، وقال إن روسيا تجرّأت على أمريكا وحِلف الناتو بأخذها زِمامَ المُبادرة على عكسِ كُلّ توقّعات الخصم ورِهاناته المُضادّة.
خامسًا: العمليّة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا كشفت عن ثُقوبٍ عديدةٍ وسلّطت الأضواء على نُقاطِ ضعف حِلف النّاتو خاصّةً في عمليّة الإمداد والتّسليم للمعدّات العسكريّة، فألمانيا عارضت نقْل الدبّابات الثّقيلة على طُرُقها السّريعة إلى أوكرانيا لأنّ وزنها الإجمالي يتجاوز الحُدود القانونيّة.
هذه المُعارضة القويّة في أوروبا، بل وداخِل أمريكا نفسها للحرب الأوكرانيّة تُؤكّد، أن هُناك حالةً من “الملل” والإحباط تتصاعد هذه الأيّام في أوساط مُعظم النّخب العسكريّة والسياسيّة الغربيّة، وتُطالب بوقف هذه الحرب الأوكرانيّة “العبثيّة” بأسرعِ وَقتٍ مُمكن لتقليص الخسائر الماديّة والبشريّة، وبِما يُؤدّي إلى التوصّل لهُدنةٍ مفتوحةٍ ووقفٍ لإطلاق النّار يُنقذ ماء الوجْه، على غِرار ما حصل في الحرب الكوريّة.
فإذا كانت هذه الأصوات “الحكيمة” تتعالى وقبل أسابيع من دُخول هذه الحرب عامها الثاني، وتقول “كفى” فكيف سيكون عليه الحال لو استمرّت لسنواتٍ قادمةٍ خاصّةً أن الرئيس بوتين والمُقرّبين منه، يُؤكّدون أن نفسهم طويل جدًّا ولن يتنازلوا عن أهدافهم التي دفعتهم لخوضها، وإطلاق الرّصاصة الأولى بعد إعدادٍ جيّد، نرى نتائجه بشَكلٍ واضحٍ في ميادين القتال حتّى الآن؟
مُقدّمات العام الجديد تُوحي بوضعٍ سياسيّ وعسكريّ صعب للولايات المتحدة وحُلفائها في الميدانين السياسيّ والعسكريّ.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم