عطوان: زيلينسكي يُريد طرد روسيا من الأُمم المتحدة.. فهل ينجح؟ ولماذا اتّخذ هذا القرار بعد عودته من واشنطن مُباشرةً؟ ولماذا نُصَدّق اتّهام بوتين لأمريكا بالعمل على تقسيم روسيا أليس ما يَحدُث في سورية وإعلان حفتر انفِصال الشّرق والجنوب في لبنان أحد الأمثلة..!

5٬920

أبين اليوم – مقالات وتحليلات

بقلم/ عبد الباري عطوان

تقدّمت وزارة الخارجيّة الأوكرانيّة اليوم الاثنين بطلبٍ رسميٍّ إلى الأمانة العامّة للأُمم المتحدة تُطالب فيه باستبعاد روسيا من المنظمة الدوليّة، ومجلس أمنها بسبب غزو قوّاتها لأراضيها، وضمّها لأربعة أقاليم إلى جانب شِبه جزيرة القرم، وارتِكاب جرائم حرب”.

تَزامُن هذا الطّلب مع عودة فولوديمير زيلينسكي الرئيس الأوكراني من زيارته الخارجيّة الأولى إلى واشنطن بعد عشر أشهر من بداية الحرب لم يكن صُدفة، والأمر المُؤكّد أن الرئيس جو بايدن هو الذي أوعز له بالتقدّم بهذا الطّلب في إطارِ خطّة تصعيديّة جديدة ضدّ روسيا.

فُرص نجاح هذه الخطوة تبدو محدودةً، إن لم يكن معدومةً كليًّا، لأنّ روسيا تستطيع وبسُهولةٍ، وأده لامتِلاكها حقّ النّقض “الفيتو”، والشّيء نفسه ستفعله الصين التي صوّتت ضدّ قرار بتجميد عُضويّة روسيا في مجلس حقوق الإنسان التّابع للمنظّمة الدوليّة قبل بضعة أشهر، لكن يظل هذا الطّلب الأوكراني مُقدّمة لحملة دبلوماسيّة جديدة، ومُحاولة تحشيد يائسة، للعديد من الدّول خلفه على غِرار حملة إبعاد روسيا من مجلس حُقوق الإنسان المذكور آنفًا حيث صوّتت لصالحه 93 دولة، وعارضته 24 وامتنعت عن التّصويت 58 دولة من مجموع 193 دولة عُضو.

لا بُدَّ من الاعتِراف بأنّ القوّات الروسيّة اجتاحت أوكرانيا في شهر شباط (فبراير) الماضي في انتهاكٍ للقانون الدولي، ولكن لها أسبابها، خاصّةً بعد أن كشفت السيّدة أنجيلا ميركل المُستشارة الألمانيّة السّابقة أنها وقادة آخرون في حِلف النّاتو (على رأسهم أمريكا) خدعوا الاتّحاد الروسي بتوقيعهم اتّفاق “مينسك” عام 2014 بشأن وقف اضّطهاد الأوكرانيين من أصلٍ روسيّ شرق وجنوب البِلاد والاعتِداءات عليهم من قِبَل النازيين الجُدُد ووقف أعمال القتْل ضدّهم، وكانت النّوايا، وحسب أقوال ميركل لصحيفةٍ ألمانيّة، اتّخاذ هذا الاتّفاق كتغطيةٍ لمُخطّطٍ مُتّفقٍ عليه يهدف إلى تعزيز القُدرات العسكريّة للجيش الأوكراني استِعدادًا للحرب مع نظيره الروسي في الوقت المُناسب.

هذه الخطوة الأوكرانيّة شكلًا، وأمريكيّة فعلًا، تدفعنا إلى طرح سُؤال مُهم، وهو لماذا لم نسمع أو نرى أيّ طلب بطرد أمريكا من المنظّمة الدوليّة لغزوها العِراق واحتِلاله، بذريعة امتِلاكه لأسلحة الدّمار الشّامل غير الموجودة؟

ولماذا لم نر أيّ تحرّكٍ في هذا الاتّجاه بعد تدخّل حِلف الناتو عسكريًّا وقصفه لليبيا وقتل عشَرات الآلاف من أبنائها وتحويلها إلى دولةٍ فاشلةٍ، والأمثلة كثيرة، ولا ننسى التّعريج على دولة الاحتِلال الإسرائيلي التي قامت بقرارٍ من الأُمم المتحدة وعلى حسابِ الشعب الفِلسطيني، وغزت لبنان واحتلّت الضفّة الغربيّة وقِطاع غزّة وهضبة الجولان، وارتكبت العديد من المجازر وعلى رأسها مجزرة صبرا وشاتيلا.

هذه الضّغوط الأمريكيّة على روسيا، سواءً جاءت دبلوماسيّة، أو عسكريّة، لن تُعطي ثمارها، بل ربّما تُعطي نتائج عكسيّةً تمامًا، فروسيا ليست العِراق، ولا ليبيا، وإنّما دولة عُظمى تملك أكثر من ستّة آلاف رأس نووي، وفشلت العُقوبات الأمريكيّة في تركيعها مثلما تصوّر الرئيس “الذّكي” جو بايدن ومُستشاروه الأكثر غباءً.

اتّهام الرئيس بوتين للولايات المتحدة في خِطابه الذي ألقاه امس بمُناسبة أعياد الميلاد بالعمل على تقسيم روسيا كان صحيحًا، والتّاريخ الأمريكي حافِلٌ بالأمثلة، ابتداءً من كوريا، ومُرورًا بسوريا، وانتهاءً بليبيا، وها هو “المشير” خليفة حفتر أحد أبرز رجالها يستعدّ لإعلان الحُكم الذّاتي في برقة (بنغازي) في الشّرق، وفزان في الجنوب، كخُطوةٍ أولى لطَلاقٍ نهائيٍّ مع طرابلس الضّلع الثالث في المُثلّث اللّيبي، ولا نعتقد أن الولايات المتحدة تُعارض هذه الخطوة، بل ربّما هي التي حرّضت عليها وشجّعتها.

هيمنة الولايات المتحدة على المُنظّمة الأُمميّة أضعفت هذه المُنظّمة، وقوّضت ميثاقها والأهداف التي تأسّست من أجلها، وهي حفظ السّلام والأمن في العالم، ولعلّ توظيفها الرّاهن، والقصير النّظر للأُمم المتحدة في الأزمة الأوكرانيّة قد يُمثّل رصاصةَ الرّحمة التي تَقضِي على المُنظّمة الدوليّة، مثلما حدث مع “عُصبَة الأُمم” وهيئات دوليّة أُخرى مُماثلة، هذه إذا لم تُفْنِ الحرب النوويّة العالم بأسْرِه أو مُعظمه.

جميع الحُروب، والمُؤامرات الأمريكيّة، انتهت بالفشَل، والخسائر السياسيّة والعسكريّة المُهنية، ولعلّ الهُروب الأمريكي الفاضِح من أفغانستان هو أحد الأدلّة في هذا الصّدد، ومن غير المُستَبعد أن يكون الدّور قادم على أوكرانيا، طال أمَدُ هذه الحرب أو قَصُر، فصواريخ “الباتريوت” الأمريكيّة التي يُعوّل عليها الرئيس زيلينسكي لهزيمة روسيا وحِماية أوكرانيا، فشلت في حرب اليمن، ودفعت السعوديّة إلى فكّ الارتباط تدريجيًّا مع الحليف الأمريكي، والاتّجاه إلى الصين وروسيا، ولذلك قد تُواجِه الفشَل نفسه في الحرب الأوكرانيّة، وربّما سيتم تدميرها في مرابِطها، وقبل استِخدامها، مثلما توعّد الرئيس بوتين في خِطابه أمس.. والأيّام بيننا.

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com