عطوان: وثائق إسرائيليّة جديدة تفضح وتُؤكّد تجنيد خلايا يهوديّة مِصريّة إرهابيّة نفّذت تفجيرات في دور سينما ومبانٍ بريطانيّة وأمريكيّة في القاهرة والإسكندرية لإسقاط عبد الناصر.. لماذا الإفراج عنها الآن؟ وكيف سيكون ردّ فِعل الحُكومة المِصريّة؟ وما علاقتها بالتّطبيع وعودة نِتنياهو للسّلطة..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
بعد بضعة أسابيع من كشف وثائق إسرائيليّة تُؤكّد إعدام أكثر من 80 جُنديًّا مِصريًّا حرقًا كانوا يُخطّطون لضرب مطارات وقواعد عسكريّة إسرائيليّة أثناء حرب حزيران عام 1967 في إطار تنسيق عسكريّ أردني مِصري، ووقَعوا أسرى في يَدِ الجيش الإسرائيلي، وجرى دفْنهم في مقابرٍ جماعيّة، وبناء مرآب للسيّارات فوقها قُرب مدينة القدس..
ها هي صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوميّة تنشر مُقتطفات من مُذكّرات الجِنرال بنيامين جيلي، رئيس شعبة الاستِخبارات العسكريّة الإسرائيليّة (أمان) كان محظورًا نشرها، تتضمّن اعتِرافاته بأنّه أصدر عام 1954 أمْرًا بتفعيل شبكة تجسّس مُؤلّفة من يهود مِصريين لتنفيذ تفجيرات في دور سينما، ومبانٍ بريطانيّة وأمريكيّة في مِصر، بإيعازٍ مُباشر من بنحاس لافون وزير الحرب الإسرائيلي في حينها بهدفِ تقويض حُكم الرئيس جمال عبد الناصر وتأليب بريطانيا وأمريكا ضدّه، ومنْع بريطانيا من سحب قوّاتها من قناة السويس، وإرهاب اليهود المِصريين، ودفعهم إلى الهِجرة لفِلسطين المُحتلّة.
من المُفارقة أن هذه الخطّة الإرهابيّة الجهنّميّة جاءت استِكمالًا لتفجيراتٍ مُماثلةٍ في دور السّينما، وأحياء اليهود في بغداد في الفترة بين 1950 ـ 1951 لإجبارهم على الهِجرة، وبثّ الرّعب في نُفوسهم، وخلق فتنة بينهم وبين نُظرائهم من المُسلمين والمسيحيين في العِراق، خاصَّةً أن التّعايش بين الأديان والطّوائف في العِراق كان مِثاليًّا في تلك الفترة، وكانت الحُكومة العِراقيّة في حينها تضم ثلاثة وزراء من اليهود العِراقيين أبرزهم ساسون حسقيل وزير الماليّة المُزمن.
التفجيرات في دور سينما بغداد وأهداف يهوديّة وغيرها أدّت إلى هجرة حواليّ 105 آلاف يهودي عِراقي إلى فِلسطين المُحتلّة، وما زال الكثير من هؤلاء يَحِنّ إلى العِراق، ويَشعُر بالنّدم على مُغادرته، ويُوجّه اللّوم إلى الحركة الصهيونيّة التي وقفت خلف هذه المُؤامرة، مثلما أدّت إلى هجرة آلاف اليهود المِصريين.
نستعرض هذه الوثائق وما تضمّنته من أعمالٍ إرهابيّة مُوثّقة، وفي هذا التّوقيت بالذّات، لعدّة أسباب:
الأوّل: تصاعد حملات اللّوبي الإسرائيلي على العرب، والمُسلمين، والشّرفاء من الأوروبيين الأفارقة، بل حتّى على اليهود المُتعاطفين مع القضيّة الفِلسطينيّة ورفضهم للجرائم الصهيونيّة، واتّهامهم بدعم الإرهاب ومُعاداة الساميّة، وتقديم الإسرائيليين كضحايا بهدفِ خنْق الحُريّات الإعلاميّة والسياسيّة، بل والأكاديميّة التي تفضح وتُجرّم الاحتِلال الإسرائيلي، بِما في ذلك حُريّة التّعبير التي من المُفترض أن تكون جوهرة تاج الديمقراطيّة الغربيّة.
الثاني: بدء استِعدادات حُكومة بنيامين نِتنياهو اليمينيّة المُتطرّفة لخوض المرحلة الثّانية من حملة التّطبيع مع حُكومات عربيّة جديدة، في إطار اتّفاقات “سلام أبراهام”، وخاصَّةً في مِنطقة الخليج العربي، واستِخدام إيران و”خطَرها” كفزّاعةٍ لتشكيلِ قُوّة خليجيّة إسرائيليّة في مُواجهتها.
الثالث: إعادة التّأكيد على أنّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي قامت على الإرهاب، وتبنّته كسِلاحٍ مُنذ اليوم الأوّل لقِيامها، وما يجري حاليًّا من إعداماتٍ ميدانيّةٍ لشباب فِلسطين، والاعتِقالات للأطفال، (كشفت إحصاءات جديدة، وأن قوّات الأمن الإسرائيليّة اعتقلت أكثر من 15 ألف طِفل مُنذ عام 2000) وقتلت الآلاف منهم تحت سنّ السّادسة عشرة وما زالت.
الرابع: حثّ السّلطات المِصريّة، والعِراقيّة، على إعادة فتح هذه الملفّات حول الإرهاب الصّهيوني، خاصَّةً ما جرى في سيناء من إعدام للأسرى المِصريين بعد هزيمة حزيران، ووثائقها أمام المجلس الدولي لحُقوق الإنسان، ومحكمة الجنايات الدوليّة، ومحكمة العدل الدوليّة، حتّى يعرف العالم الوجْه الحقيقيّ للإرهاب، ويُميط اللّثام مجددًا عن جرائم مُرتكبيه.
الحُكومة المِصريّة تقدّمت رسميًّا إلى نظيرتها الإسرائيليّة بالتّحقيق بكُل أعمال الإعدام للأسرى المِصريين، وتزويدها بالوثائق الدّامغة في هذا المِلف، ولا نعرف ما هي الخطوات التي ستُقدِم عليها هذه الحُكومة لإنصاف شُهدائها وأسراها، والثّأر لهم، وردّ الاعتِبار إليهم.
مِن المُؤلم والمُؤسف أيضًا، أن حالة الصّمت العربيّ الرّسمي على المجازر الإسرائيليّة، قديمها وجديدها هذه الأيّام، أدّى إلى تمادي الجيش وقوّات الأمن الإسرائيليّة، وتزايد عمليّات الإعدام للشّباب الفِلسطيني من مسافة الصّفر، وبصفةٍ يوميّة، علاوةً على تصاعد الاقتِحامات للمسجد الأقصى، والتوسّع في الاستيطان.
اغتِيال الشّهيدة شيرين أبو عاقلة، والطّفلة جنى زكارنة فوق سطح بيتها وهي تبحث عن قطّتها، ودهس شقيقين من الشّباب الفِلسطيني وتقطيع جُثمانيهما بطريقةٍ بشعةٍ، يوم أمس بسيّارة مُستوطن، كلّها لم تَحظَ إلا بالقليل من الاهتِمام عربيًّا وإسلاميًّا، بسبب حالة الصّمت المذكورة آنفًا.
العام الجديد سيكون عام المُقاومة الفِلسطينيّة في كُلّ الأراضي المُحتلّة استِقبالًا للحُكومة الجديدة ورئيسها ومُتطرّفيها الذين يُريدون قتل العرب، وإبعادهم من الأراضي الفِلسطينيّة، كرَدٍّ مشروعٍ على مجازرها، واغتِيالاتها، وثأرًا لكُلّ الشّهداء العرب، وليس الفِلسطينيين فقط، ولعلّ بُروز “عرين الأسود” وكتائب جنين ونابلس بقُوّةٍ، وظُهور المُجاهد محمد الضيف، ويحيى السنوار، وأبو عبيدة، المُتحدّث باسم كتائب القسّام مجددًا، وبعد غِيابٍ زادَ عن عامين، مُؤشّراتٌ مُهِمّةٌ في هذا المِضمار.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم