عطوان: كيف أعادَ الرئيس بوتين شبح الحرب النوويّة مجددًا بتصريحاته المُفاجئة؟ وهل سيكون البادِئ باسِتخدام قنابلها؟ ولماذا تَقلَق واشنطن من الشّراكة العسكريّة الإيرانيّة الروسيّة المُتصاعدة هذه الأيّام؟ ولماذا ننْصح بايدن بالاطّلاع على غِلاف عدد مجلة “الإيكونوميست” الأخير؟

5٬773

أبين اليوم – مقالات وتحليلات

بقلم/ عبد الباري عطوان

شبح الحرب النوويّة يعود إلى الواجهة مجددًا، وبطريقةٍ لافتةٍ، في ظِل غياب أيّ اتّصالات أو حِوارات سريّة، أو علنيّة، للبحث عن مخارجٍ دبلوماسيّةٍ للحرب في أوكرانيا التي تزداد اشتِعالًا، لتمسّك كُل طرف فيها بشُروطه المُسبَقة قبل أيّ حديث عن وقفٍ لإطلاق النّار، وتزايد عمليّات القصف والتّدمير للبُنى التحتيّة الأوكرانيّة.

تطوّران رئيسيّان فرَضا نفسيهما على الخريطتين السياسيّة والعسكريّة في هذا المِلف لا بُدّ من التوقّف عندهما، لتحليل انعِكاساتهما المُستقبليّة:

الأوّل: إعلان الرئيس فلاديمير بوتين في مُؤتمر صحافي يوم أمس عن احتِمال إقدام موسكو على تعديل العقيدة العسكريّة لجيشه يتضمّن السّماح بتنفيذ ضربة استباقيّة وقائيّة لنزْع سِلاح العدوّ، وأضاف بأنّ التّهديد بحَربٍ نوويّةٍ يتزايد بسبب تدفّق الأسلحة الحديثة من دول حلف الناتو على أوكرانيا، وتحديد سقف لسِعر النفط الروسي.

الثاني: تعبير الولايات المتحدة عن قلقها من تبلور شراكة دفاعيّة كاملة بين موسكو وطهران، ووصف متحدّث باسمها هذه الشّراكة التي تزداد قوّةً بأنها تُلحق أضرارًا كبيرةً بأوكرانيا وجيران إيران، بل والعالم بأسْره، وأكّد أن إيران تُزوّد روسيا بطائرات مُسيّرة، وصواريخ باليستيّة دقيقة في مُقابل حُصول إيران على منظومات صواريخ “إس 400” ومُقاتلات من طِراز “سوخوي 35” في المُستَقبل المنظور.

الرئيس بوتين يقول إن مفهوم الضّربة الاستباقيّة (لم يقل نوويّة) هو تبنّي للأفكار التي طوّرها الأمريكيّون لضَمان أمنهم، أيّ أن بوتين، لم يأتِ بجديد في هذا المِضمار، فمن غير الجائز أن يكون مفهوم هذه الضّربة الاستباقيّة حلالٌ على أمريكا وحرامٌ على روسيا.

أمّا إذا انتقلنا إلى التطوّر الثاني وهو القلق الأمريكي من الشّراكة العسكريّة الروسيّة الإيرانيّة فإنّه قلقٌ يُثير الاستِغراب لعدم منطقيّته، بل وسذاجته، فماذا تتوقّع أمريكا من إيران التي تُحاصرها مُنذ أربعين عامًا، وتتآمر لإسقاط نظامها بدعم الحركات الاحتجاجيّة المُتصاعدة فيها؟ هل تتوقّع منها أن تبتعد عن المحور الروسي الصيني والعودة مُستَسلمةٍ إلى الاتّفاق النووي وِفق شُروطها؟

الحِصار الأمريكي الخانق على إيران اقتصاديًّا وعسكريًّا، هو الذي دفع إيران إلى تطوير قُدراتها العسكريّة الذاتيّة، والتّركيز على إنتاج الصّواريخ الباليستيّة المُتطوّرة جدًّا، وآخِرها صواريخ أسرع من الصّوت، وكذلك المُسيّرات كتَعويضٍ عن حِرمانها من شِراء الطّائرات المُقاتلة من أمريكا أو روسيا.

التحالف العسكري الإيراني الروسي أمر منطقي ومُتوقّع ويرتكز على أرضيّة عداء الطّرفين لأمريكا، فقمّة الغباء أن تعتقد الإدارة الأمريكيّة بأنّ هذا التّقارب غير مُمكن، أو تستطيع منعه، مثلما نجحت لأكثر من ثلاثين عامًا من منع روسيا من بيع طائرات مُقاتلة، ومن ثمّ منظومة الصّواريخ الدفاعيّة “إس 300” احترامًا للحظر الأمريكي عندما كانت العلاقات الروسيّة الأمريكيّة في ذروة شهر عسلها في إطار خطّة بوتين المُحكَمة للتّركيز على الدّاخل الروسي، والاقتِصاد تحديدًا، وإعادة بناء الإمبراطوريّة الروسيّة.

أمريكا زوّدت أوكرانيا بصواريخ “هيمارس”، ومنظومات دفاعيّة جويّة للتصدي للمُسيرّات الروسيّة (الإيرانيّة) وإسقاطها، والذّخائر اللّازمة لهذه الصّواريخ، وأكثر من 80 ألف قذيفة مدفعيّة من عِيار 155 و150 مُولّدًا كهربائيًّا، ودول أوروبيّة أخرى فعلت الشّيء نفسه بمبالغ تصل إلى 65 مليار دولار، فلماذا الدّهشة من لُجوء روسيا إلى إيران أو كوريا الشماليّة، أو حتى الصين للحُصول على احتياجاتها من الأسلحة والذّخائر لتعويض ما خسرته ترسانتها على مدى تسعة أشهر من الحرب الأوكرانيّة؟ مجنون يحكي وعاقل يسمع؟

الرئيس الأمريكي جو بايدن ارتكب، وإدارته، أخطاء قاتلة باستفزاز روسيا وجرّها إلى الحرب الأوكرانيّة، مُعتقدًا أنها ستكون صيدًا سهلًا على غِرار حرب العِراق التي كان من أبرز مُؤيّديها، والخطأ الآخَر يتمثّل في الاعتِقاد بأن العُقوبات الاقتصاديّة يُمكن أن تُطيح بالاتّحاد الروسي على غِرار ما حدث للاتّحاد السوفييتي ممّا يعكس سُوء تقدير فاضح.

الخطر الأكبر الذي تُواجهه “أمريكا بايدن” هو خسارتها للحرب وللحليف الأوروبي أيضًا، وتفكيك، أو إضعاف حلف النّاتو، “السيمنت” الأقوى لتوثيق هذا التّحالف، بعد أن بدأت الشّقوق تظهر بشَكلٍ واضحٍ خاصَّةً بعد الارتفاع الضّخم في أسعار الطّاقة، والحمائيّة الأمريكيّة المُتمثّلة مُؤخَّرًا في رصد 400 مِليار دولار لدعم قطاع الطّاقة في أمريكا، وبيع الغاز والنفط بأربعة أضعاف سِعره المحلّي لأوروبا.

الرئيس بوتين قال إنّه سيرد بقُوّةٍ على قرار مجموعة الدول السبع بوضع سقف لأسعار النفط الروسي (60 دولارًا للبرميل)، وقد يكون هذا الرّد بتخفيض الإنتاج بالاتّفاق مع حُلفائه في الشّرق الأوسط، ومِنطقة الخليج تحديدًا، الأمر الذي قد يرفع أسعار النّفط إلى سَقفٍ أكثر عُلُوًّا، وتفاقم أزمة الطّاقة بالتّالي.

نختم بالإشارة إلى غلاف عدد مجلّة “الإيكونوميست” البريطانيّة الشّهيرة الأخير، الذي تمثّل في صُورةِ للخريطة الأوروبيّة وقد غطّاها الجليد، وقالت في افتتاحيّتها إن 100 ألف أوروبي (مُعظَمهم من كِبار السِّن) سيموتون هذا العام من الصّقيع، أيّ أضعاف ضحايا الصّواريخ والمُسيّرات والمدفعيّة في أوكرانيا، ونتمنّى أن يكون الرئيس بايدن، وكُلّ الزّعماء الأوروبيين من حُلفائه، قد قرأوا هذه الافتتاحيّة مِثلنا واستَخلصوا العِبَر، والمصير القاتِم الذي ستُواجهه شُعوبهم في الأسابيع القادمة.

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com