ثلاث “هدايا” قيّمة لنتنياهو احتفالًا بتكليفه بتشكيل أكثر الحكومات تطرّفًا وعُنصريّة في التاريخ الحديث.. ما هي؟ ومن الذي قصف الناقلة النفطيّة الإسرائيليّة في بحر عُمان.. مُسيّرة إيرانية أم حوثية؟ وهل أصبح المُستوطنون مُهدّدون في أيّ بُقعَةٍ في العالم..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
استقبل المقاومون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة، وأنصارهم خارجها، تكليف بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة بعملية فدائية نفذها الشاب الفلسطيني محمد صوف (18 عاما) دهساً وطعناً في مستوطنة ارئيل صباح امس الثلاثاء أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين إسرائيليين وإصابة ثلاثة آخرين، واستشهاد المنفذ في الضفة، ومهاجمة سفينة إسرائيلية في بحر عُمان بطائرة مسيّرة أدّت إلى اندلاع حريق كبير فيها، اتّهمت الحكومة إيران بالوقوف خلفها.
أهمية وخطورة عملية الشاب محمد صوف تكمن في ثقة منفذها، وإقدامه على مقتل ثلاثة مستوطنين بسكّين لا يزيد ثمنها عن دولار واحد، مما يعكس حجم الغضب في قلبه من جراء إهانات الاحتلال وممارساته العنصرية، وإذلاله للشعب الفلسطيني امام الحواجز صباحا ومساء، مما يعني أن المقاومين الفلسطينيين الجدد الذين تمثلهم جماعة “عرين الأسود” مختلفون كلياً في نهجهم ويأسهم عن نظرائهم في مراحل المقاومة السابقة، مع التأكيد على علامة فارقة ومهمة ان هذا الشاب ووالده الأسير الشهيد من قبله ينتمون الى حركة “فتح” عماد السلطة وأمنها.
الفارق الكبير بين هذه العملية وسابقاتها خاصة تلك التي نفّذها الشاب عدي التميمي قبل شهر تقريباً، وأدّت إلى مقتل مجندة إسرائيلية وإصابة اثنين آخرين على حاجز شعفاط، أن العملية الأولى (سلفيت) كانت طعناً بالسكين أما الثانية فبسلاح ناري (مسدس)، وعلينا أن نتخيّل لو كان محمد صوف يملك مسدساً او بندقية رشاشة، كم سيكون عدد المستوطنين القتلى؟
أما إذا انتقلنا إلى “الهدية” الثانية لحكومة نتنياهو وأعضائها العنصريين المتطرفين وعلى رأسها ايتمار بن غفير الذي يطالب بقتل العرب وطردهم، وضم الضفة الغربية، فجاءت من خلال “إحياء” حرب السفن من خلال هجوم بطائرة مسيّرة على ناقلة نفط تملكها إسرائيل جزئيا من خلال ملياردير إسرائيلي في بجر عُمان، مما أدى الى اشعال النيران فيها.
إسرائيل ألقت باللوم على إيران، وحمّلتها مسؤولية هذا الهجوم، وقالت ان المسيّرة التي جرى استخدامها لقصف السفينة كانت مماثلة لتلك المسيّرات الإيرانية الصّنع “شاهد 36” التي استخدمتها روسيا في الحرب الأوكرانية، وبهدف “تعكير أجواء” مونديال قطر التي ستبدأ مبارياته بعد أربعة أيام.
مصادر إيرانية نفت أي مسؤولية عن هذا الهجوم على الناقلة، ووصفتها بأنها مسرحية إسرائيلية جرى تنفيذها بالتعاون مع بعض حكومات المنطقة بهدف اتّهام إيران والتأثير على مجريات التحضير لمسابقة كأس العالم في قطر، واكدت ان السلطات الإيرانية طمأنت نظيرتها القطرية انها ستبذل كل جهد ممكن لتأمين إجراء فعاليات المونديال في أجواء هادئة والعمل على إنجاحها.
بغض النظر عن الجهة التي تقف خلف هذا الهجوم على ناقة النفط الإسرائيلية، فإن الرسالة التي يحملها تقول إن السفن والناقلات الإسرائيلية في بحر عُمان والمحيط الهندي حيث يمثّل هذا الخط البحري حوالي 85 بالمئة من التجارة الإسرائيلية الى العالم، وخاصة شرق آسيا، لم يعد آمناً.
هذا الهجوم يأتي استكمالاً لآخر مماثل استهدف سفنا إسرائيلية كان آخرها في 29 تموز (يوليو) عام 2021، جرى قصفها بمسيّرات في المكان نفسه تقريبا وأسفر عن مقتل بحارين، أحدهما جندي بريطاني سابق، والثاني روماني الجنسية، وإحراق السفينة المستهدفة، ورداً على هجمات إسرائيلية على سفن إيرانية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، ومنذ ذلك الهجوم “تأدّبت” دولة الاحتلال، وتوقفت كليا عن استهداف السفن والناقلات الإيرانية.
بعض المصادر تكهّنت بأن الطائرة المسيّرة التي قصفت السفينة الأولى قد تكون حركة “أنصار الله” الحوثية، ولهذا أرسلت الحكومة البريطانية في حينها قوات كوماندوز خاصة إلى محافظة المهرة لمنع تكرار الهجوم، وهو ما نفته الحركة، ولكن هذه القوات البريطانية فشلت في حماية الناقلة النفطية الإسرائيلية الثانية، ولم يتم إسقاط المسيّرة المهاجمة، التي عادت إلى قواعدها سالمة.
باختصارٍ شديد نقول إن المستوطنين الإسرائيليين، سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو أي مكان آخر في العالم ربما لم يعودوا في مأمن، والشّيء نفسه ينطبق على سفنهم في البحور العربية والإسلامية، بغض النظر عن حكوماتهم وأيديولوجياتها سواء كانت “معتدلة” أو “متطرفة”، فيها بن غفير أو إفيغدور ليبرمان، بقيادة لابيد أو نتنياهو.
من غير المستبعد أن يكون الهجوم على هذه الناقلة رداً على الغارات الإسرائيلية على أهداف عسكرية ومدنية إيرانية وسورية في العمق السوري، وكان آخرها قصف مطار الشعيرات في حمص، ولعلّه، أي الهجوم على الناقلة، “يلجم” بعض الأصوات التي تسأل دائما، وبعد كل هجوم على سورية، لماذا لم يتم الرّد عليه؟
العالم بأسره تقريبا بدأ يشعر بحالة من “القرف” من هذه الغطرسة والتجاوزات الإجرامية الإسرائيلية، سواء في فلسطين المحتلة، أو سوريا، أو في البحور المفتوحة، ولعل فتح مكتب التحقيقات الأمريكي تحقيقا في استشهاد الزميلة شيرين أبو عاقلة برصاص جندي إسرائيلي هو تأكيد على أن كيل العالم وأمريكا الحليف الأكبر، قد طفح، ولم يعد يصبر على هذه التجاوزات، رغم تسليمنا بأن نتائج هذا التحقيق لن تكون ذات قيمة بسبب الانحياز الامريكي الرسمي الداعم لهذه الجرائم الإسرائيلية مثلما أثبتت جميع التحقيقات السابقة.
رأسمال دولة الاحتلال هو أمنها الذي يقود إلى استقرارها وبالتالي ازدهارها، ويبدو أن هذه المعادلة التي كرسها اتفاق أوسلو بدأت تتغيّر وبشكل متسارع بفضل عودة المقاومة الى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد 30 عاما من المفاوضات العبثية، وتمتع الاحتلال الإسرائيلي بأرخص الاحتلالات تكلفة في التاريخ.
السّلام الحقيقي الذي يجب أن تتطلّع إليه الحكومات الإسرائيلية ليس ذلك الذي تُوقّعه مع أبوظبي والمنامة والرباط والخرطوم، وإنما مع جماعة “عرين الأسود” وشباب المقاومة في فلسطين المحتلة، هذا إذا قبلوا.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم