عطوان: هل بدأ العدّ العكسيّ للتخلّي الأمريكي عن زيلينسكي والذّهاب إلى “تسويةٍ” للأزمة الأوكرانيّة مع روسيا لتجنّب الحرب النوويّة؟ وأين ستكون نهايته.. في تل أبيب أمْ أبوظبي أمْ في واشنطن؟ وماذا يعني اعتِرافُ أمريكا بفتحِ قنواتِ حِوارٍ سِريّةٍ مع إدارة الرئيس بوتين؟
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
الرئيس الأمريكي جو بايدن يتخبّط بسَببِ تراجع شعبيّته في الدّاخل الأمريكيّ أوّلًا، وفشل إدارته للحرب الأوكرانيّة التي باتت على أبوابِ دُخولها شهرها التّاسع دُونَ تحقيق أيّ نتائجٍ حاسمة، وتحقيق القِيادة الروسيّة “إنجازات” عسكريّة وسياسيّة ملموسة في ميادين المعارك على الأرض في المُقابل.
تأكيد جيك سوليفان مُستشار الأمن القومي الأمريكي إجرائه مُفاوضات مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف بهدف الحدّ من مخاطر اتّساع الحرب الأوكرانيّة واندِلاع حربٍ نوويّة، يُؤكّد أن الولايات المتّحدة بدأت تقترب من الاعتِراف بخسارتها لهذه الحرب، وباتت تسعى للوصول إلى تسويةٍ سلميّةٍ ستكون حتمًا لمصلحة موسكو، وربّما من ضِمنها تثبيت شرعيّة ضمّها للأقاليم الأوكرانيّة الأربعة في دونباس شرق وجنوب أوكرانيا، وفوقها شِبه جزيرة القرم.
تهديدات بوتين باستِخدام الأسلحة النوويّة كخِيارٍ أخير، وحُضوره مُناورات أجرَتها القوّات الروسيّة بجميع أسلحتها، بِما في ذلك الأسلحة النوويّة، وتمهيده لهذا التّهديد وتبريره بالحديث عن نوايا أوكرانيّة بتفجير “قنبلة قذرة” كلّها أعطت أُكْلَهَا، وأصابت القِيادة الأمريكيّة بحالةٍ من الرّعب.
نُقطة التحوّل الرئيسيّة التي دفعت الولايات المتحدة لفتح قنوات الحِوار مع موسكو جاءت بعد تغيير موازين القِوى وقواعد الاشتِباك في ميادين القِتال على الأرض لصالحها (أيّ موسكو) خاصَّةً بعد الهجمات الصاروخيّة الأخيرة التي استهدفت البُنَى التحتيّة الأوكرانيّة في العاصمة كييف، وأدّت إلى وقفِ إمداداتِ المِياه بنسبة 80 بالمِئة، وقطْع التيّار الكهربائي عن 450 ألف منزل، ووضع خطّة لبناء ملاجئ للتّدفئة لمِئات الآلاف من الأوكرانيين مع بَدء فصل الشّتاء القارس، وتَزايُد احتِمالات حُدوث انقِطاع واسِع النّطاق لإمدادات الطّاقة، ناهِيك عن تَضاعُف أسعارها.
فوز الجمهوريين في الانتِخابات التشريعيّة النصفيّة في أمريكا المُرَجَّح اليوم حسب نتائج استِطلاعات الرّأي لن يَصُب في مصلحة أوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي بالنّظر إلى قلق هؤلاء (أيّ الجمهوريين) من الإنفاق الضّخم في الحرب الأوكرانيّة، من جيبِ دافعِ الضّرائب الأمريكي، وهو الإنفاق الذي تجاوز الأربعين مِليار دولار حتّى الآن.
صحيفة “الواشنطن بوست” الأمريكيّة قالت في تقريرٍ لها نسبته إلى مصادرٍ موثوقةٍ أن إدارة بايدن مارست ضُغوطًا مُكثّفة على قادة أوكرانيا، والرئيس زيلينسكي تحديدًا، حثّتهم فيها على التخلّي عن عِنادهم وغطرستهم، والانفِتاح على خِيارِ التّفاوض لإنهاء الحرب مع روسيا، ولكنّ زيلينسكي واصَل سياسة المُكابَرة، ونفى هذه الضّغوط في كلمةٍ مكتوبةٍ أُلقيت باسمه في مُؤتمر المناخ المُنعَقِد حاليًّا في شرم الشيخ المِصريّة، وتمسّك بشُروطه وأبرزها انسِحاب القوّات الروسيّة من كُل الأراضي الأوكرانيّة التي ضمّتها.
زيلينسكي يتحدّث عن هذه الشّروط وهو يُدرِك جيّدًا في قرارة نفسه أنه لا يُمكن أن يبقى يومًا واحدًا في السّلطة بُدون الغطاء الأمني والعسكري الأمريكي، ولهذا سيخضع في نهاية المطاف، ويذهب إلى مائدة المُفاوضات مُهَروِلًا، ومُستَعِدًّا لقُبول جميع الشّروط الروسيّة، أو مُعظمها، وأبرزها إلغاء القانون الذي أصدره، ويُحَرّم أيّ تفاوض مع روسيا تحت قِيادة الرئيس فلاديمير بوتين، والاعتِراف بضمّ روسيا للأقاليم الأربعة وخامِسها شِبه جزيرة القِرم باعتِبارها أراضٍ روسيّة.
ما كادَ صقيع الشّتاء أن يبدأ حتّى بدأت التّراجعات الأمريكيّة والأوروبيّة الواحِدة تِلو الأُخرى، ابتداءً من اتّساع دائرة التمرّد الأوروبي على العُقوبات الاقتصاديّة الأمريكيّة على روسيا، ومُرورًا بأزماتِ الاقتصاديّات الغربيّة، الأمريكيّة والأوروبيّة، بفِعل ارتفاع أسعار الطّاقة، ومُعدّلات التضخّم، وانتهاءً باستِنزاف الحرب الأوكرانيّة لخزائنها الماليّة، وترساناتها العسكريّة لتغطية نفقات هذه الحرب التي أكملت شهرها الثّامن تقريبًا.
إذا كان زيلينسكي يُراهِن على سُقوط الرئيس بوتين في انقلابٍ عسكريٍّ أو وفاته نتيجة الإصابة بمرض السّرطان مثلما تُروّج أجهزة الدّعاية الغربيّة، فهو واهِمٌ، وإلا لما تراجع أسياده في واشنطن عن غُرورهم وفتَحوا قنوات الحِوار السرّي، وعلى أعلى مُستوى، مع القِيادة الأمنيّة والعسكريّة الروسيّة.
لا نستبعد أن يتراجع الرئيس بايدن نفسه عن تأكيداته بعدم لقاء الرئيس بوتين على هامِش مُشاركته في قمّة الدّول العِشرين التي ستنعقد هذا الشّهر في أندونيسيا، تمامًا مثلما تراجع عن مُقاطعته لوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وذهابه إلى الرياض ذليلًا ورافعًا الأعلام البيضاء، نقول هذا على أرضيّة الافتِراض أن الرئيس الروسي سيُشارك في هذه القمّة، وهو احتِمالٌ ما زال غير مُؤكّد حتّى الآن.
باختصارٍ شديد، مشروع تركيع روسيا ورئيسها باستِنزافها في حرب أوكرانيا بدأ يُعطي نتائج عكسيّة، ولمصلحة الرئيس بوتين وحُلفائه، وسيكون الشّعب الأوكراني هو الضحيّة مِثل كُلّ الشّعوب الأُخرى التي انخَدعَ حُكّامها بالضّمانات الأمريكيّة.
زيلينسكي قد ينتهي مُهاجِرًا في دولة الاحتِلال الإسرائيلي، هذا إذا بقيت آمنةً مُستَقِرّةً، وهو ما نَشُكّ فيه في ظِل صُعود أسهم “عرين الأسود”، أو لاجئًا سياسيًّا في الولايات المتحدة الأمريكيّة، أو “ضيفًا” مُكَرَّمًا في الإمارات العربيّة المتّحدة أُسوَةً بالرئيس الأفغاني أشرف غني، والمِليارديرات الروس من أبناء جِلدَته وعقيدته.. واللُه أعلم.
المصدر: رأي اليوم