مراكز التفكير في واشنطن: قنبلة سعودية بوجه بايدن..!
أبين اليوم – تحليلات دولية
تحديات جمّة تحيطُ بالبيت الأبيض. لا حل قريب للحرب في أوكرانيا، ولا حليف قوي للإدارة الأميركية، على استعداد ان يضحّي بمصالِحه لتأمين طريق العبور الرئاسي لجو بايدن. وما يجعل التوقيت أكثر حساسية، ان هناك مَن يعبّد طريق وصوله إلى العرش أيضاً.
يخوض الرجلان معركة الرئاسة نفسها إذاً. وبالنظر إلى العلاقات المتشابكة بين كلٍّ من السعودية والولايات المتحدة، يمكن فهم الواقع عن قرب. لم يَنتج توتر العلاقات بين الجانبين، عن مشكلة بين ولي العهد وواشنطن، بل مع بايدن والجناح الديموقراطي تحديداً. وهو ما يجعل الاستحقاقات الانتخابية القادمة أكثر إثارة، خاصة إذا علمنا ان الأوّل قد وضع في الطريق قنبلة معدّة: مراكز التفكير السعودية في واشنطن.
أيقظت انتخابات عام 2016 الأمريكيين على حقيقة مروعة: النظام السياسي في البلاد جاهز للتدخل الأجنبي. ويقول بن فريمان Ben Freeman (وهو مدير مبادرة شفافية التأثير الأجنبي في مركز السياسة الدولية)، ان “جزءاً حيوياً من الطريقة التي تحاول بها الحكومات الأخرى التأثير على السياسة في هذا البلد: التمويل الأجنبي للمؤسسات الفكرية”.
ويشير فريمان إلى ان أعضاء الكونجرس ومسؤولو السلطة التنفيذية، يعتمدون بشكل كبير على مراكز الفكر للحصول على الخبرة في مجموعة واسعة من القضايا، وحتى للمساعدة حرفياً في صياغة السياسة العامة.
تضخ الحكومات الأجنبية كل عام عشرات الملايين من الدولارات في تلك المؤسسات ذاتها، وعلى الرغم من أن العديد من مراكز الفكر غير ربحية معفاة من الضرائب، فإن مثل هذه “التبرعات” غالبًا ما تكون “مجرد هدايا خيرية”.
وتأتي المساهمات الأجنبية بشكل عام مصحوبة بشروط مهمة للغاية. بعبارة أخرى، هؤلاء الخبراء الذين تشاهدهم بانتظام على الشاشة، والذين غالبًا ما يستخدمهم السياسيون والمسؤولون الآخرون في دراستهم ونصائحهم، يتم دفع رواتبهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، من قبل البلدان التي يقدمون لها المشورة وهنا تكمن المشكلة: يفعلون ذلك دون الحاجة إلى إخبارك.
كيف يتم تجنيد مراكز الفكر؟
عام 2016، خلال ندوة بعنوان “دور مراكز الفكر في تشكيل سياسة الشرق الأوسط”، قال الباحث في مركز التقدم الأميركي CAP، بريان كاتوليس: “لم أضطر أبدًا للقلق خلال سنوات عملي في CAP بشأن مصدر التمويل”. لاحقاً في كانون الثاني/ يناير أكد على ذلك رئيس معهد الشرق الأوسط (MEI)، بول سالم، مشيراً إلى أن التمويل، ولا سيما التمويل الحكومي الأجنبي، لا ينبغي أن يشكل عمل مؤسسة فكرية أبدًا. وأعلن أن “الاستقلال مقدس”.
“تبدو هذه التعليقات، مثيرة للسخرية”، يعلّق فريمان، ويضيف انه “عندما تكون واشنطن غارقة في أحداث السياسية الخارجية، يجتمع هؤلاء لمناقشة كل القضايا، إلا موضوع واحد، بالطبع، مصدر تمويلهم… لكنني أقول: لقد تلقى كل من CAP وMEI ملايين الدولارات من الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط”، في إشارة إلى السعودية والامارات.
بداية عام 2019، أثارت التقارير الصادرة عن CAP جدلاً واسعاً، بعد ان أدانت مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، لكنها لم تدعو إلى فرض عقوبات بشأن ذلك. ووفقاً لتقرير من Intercept’s Ryan Grim، تم اللعب بهذه التوصيات، من بيان المركز من قبل أحد موظفي CAP الذي صادف أنه كان Brian Katulis.
بعد ذلك، في كانون الثاني/ ديسمبر، أصدر مجلس الشيوخ قراراً لإنهاء تورط الولايات المتحدة في الحرب السعودية الإماراتية المدمرة في اليمن. في حين رفض كاتوليس في كانون الثاني /يناير، أولئك الذين يخوضون” النقاش حول اليمن لتجاهلهم التعقيد الكامل للتحديات”.
فيما لم يذكر اسم جمال خاشقجي في نقاشه.
وفيما تحفّظ معهد MEI عن ذكر أي علاقة له بالسعودية، إلا انه كتب خلال شهر آذار/ مارس عام 2018، مقالات عدة، شجعت على المزيد من الدعم الأميركي لمحمد بن سلمان، الذي وصفه فهد ناظر (كان يتقاضى 7000$ كوكيل أجنبي للمملكة) أنه سيكون مفيدًا للأخيرة و”للولايات المتحدة وللعالم”.
بعد 7 أشهر فقط، ورد أن بن سلمان يأذن بالقتل الوحشي لجمال خاشقجي، وفي كانون الثاني/ يناير 2019، أصبح ناظر نفسه المتحدث الرسمي باسم السفارة السعودية في واشنطن.
لاحقاً.. أفادت MEI أنها تلّقت ملايين الدولارات من المملكة، بغية “توظيف الخبراء من أجل مواجهة التصورات الخاطئة الأكثر فظاعة حول المنطقة” و”لإعلام صانعي السياسة في حكومة الولايات المتحدة”. والأمر نفسه ينسحب على الامارات التي موّلت مركز الأمن الأميركي الجديد بمبلغ قدره 250 ألف دولار، لإعداد دراسة حول ” حول حاجة الولايات المتحدة لتصدير طائرات بدون طيار من الدرجة العسكرية إلى دول مثل السعودية والامارات”.
يشير التقرير اللاحق لمركز الأبحاث هذا حول هذا الموضوع إلى أن الولايات المتحدة لا تصدر طائرات بدون طيار إلى الإمارات ودول أخرى، ولكن يجب أن تفعل ذلك لأن “هذا التردد في نقل الطائرات بدون طيار الأميركية يضر بالمصالح الأمريكية بطرق ملموسة”. ويقول فريمان بهذا الصدد “لا يهم أن ثلث القتلى في ضربات الطائرات بدون طيار في الحرب المدمرة في اليمن هم من المدنيين”.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز -بعد ان أشارت إلى معهد بروكينغز قد تلقى 14 مليون دولار من قطر- قبلت جميع مراكز الأبحاث السياسية الخارجية الأبرز تقريبًا في واشنطن الأموال من الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط.
بموجب الدستور الأميركي، فإنه من القانوني للمؤسسات الفكرية التي تتلقى تمويلاً من الحكومات الأجنبية أن تعمل أيضاً مع وكلاء أجانب مسجلين لتمثيل تلك الحكومات ذاتها. ويتضمن قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA) إعفاءً لأولئك الذين يشاركون في “النوايا الحسنة”، إضافة للإعفاء من الضرائب.
لكنه لم يذكر على الاطلاق ما تعنيه كلمة “النوايا الحسنة”. وهذا ما يترك هامش الخروقات كبيراً جداً، بما لا يمكن حصره فعلياً. وعلى الرغم من ان القوانين المرعية الاجراء تطلب من مراكز الفكر والأبحاث، الكشف عن مصادر تمويلها، إلا انها لم تظهر تشدداً حيال ذلك.
كما تجدر الإشارة، إلى انه وفقاً لقوانين مصلحة الضرائب الأميركية: “لا يُطلب من المؤسسة المعفاة من الضرائب عمومًا الكشف علناً عن أسماء أو عناوين المساهمين المنصوص عليها في عائدها السنوي”.
وتقول منصة Truthout، تعليقاً على ذلك، أنه “من غير المحتمل أن يزيدوا الشفافية حول هذا التمويل. ثم يقع العبء على الكونغرس لسن إصلاحات تضمن أن أعضاء مجلس الشيوخ والممثلين سيعرفون عندما يُناقِش الخبير الذي يسمعونه دولة معينة أو المنطقة التي يتواجد فيها، كيف سيُبدي رأيَه وعلى أي أساس… قد يؤدي الفشل في التصرف إلى ترك الأميركيين يسألون سؤالًا بسيطًا وغير مريح: ما هي الدولة التي تشتري السياسة الخارجية الأمريكية اليوم؟”.
على عكس ما يتخيله البعض، لم تكن الولايات المتحدة، يوماً، محصنة ضد التأثيرات الأجنبية وفي مختلف القضايا. كما تعتبر الاستحقاقات الانتخابية ساحة خصبة لفرض بعض الإرادات الخارجية. وفي النزال المستمر بين الديموقراطيين والجمهوريين، هناك من يجد مصالحه لدى أحد الطرفين، تماماً كالحال مع الرياض اليوم.
فالأخيرة، التي هاجمها بايدن وهدد بعزلها، قبل وصوله إلى البيت الأبيض، تحاول فرض وجودها الإقليمي والدولي بشتى الطرق، وعرقلة فوز بايدن في الانتخابات النصفية ثم الرئاسية. وبعد قرارها المتعلق بخفض انتاج النفط مليوني برميل يومياً، هل توظف الرياض مراكز الفكر للغاية نفسها؟
المصدر: الخنادق