ما هي الدّوافع الحقيقيّة وراء حشد نِصف الجيش الإسرائيلي لمُحاربة “عرين الأسود” في شِمال الضفّة؟ ولماذا يُشَكّل تواطُؤ السّلطة الخطَر الأكبر عليها؟ وما صحّة الوثائق التي تتحدّث عن تحشيد 50 ألفًا من قوّات الأمن الفِلسطينيّة للقضاء عليها بأسرعِ وَقتٍ مُمكن..!

5٬875

أبين اليوم – مقالات وتحليلات

عندما يُعلن الجِنرال بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيليّ أن نِصف جيشه بات يحتشد حاليًّا في شِمال الضفّة الغربيّة ومدينتيّ نابلس وجنين على وجْهِ الخُصوص، لمُواجهة كتائب “عرين الأسود” والقضاء عليها فهذا يعني أمْرين أساسيّين:

الأوّل: أن “عرين الأسود” جنبًا إلى جنبٍ مع كتيبة جنين باتا يُشَكّلان تهديدًا وجوديًّا هو الأخطر لدولة الاحتِلال الإسرائيلي، وأنّهما يزدادان قُوَّةً وانتِشارًا في أوساط الحاضِنة الشعبيّة الفِلسطينيّة الدّافئة والدّاعمة.

الثاني: اعتِراف هذا الجيش الإسرائيليّ وجِنرالاته، وجميع الأجهزة الأمنيّة الأُخرى الدّاعمة بفشله على التنبّؤ بصُعود هذه الظّاهرة وانتِشارها وتعاظم قوتها وتأثيرها، لتجسيدها حالةً مُقاومةً فريدةً من نوعها في التّاريخ الفِلسطيني الحديث، بعد ثلاثين عامًا من الجُمود واللّهاث خلف السّلام المسموم، والفشَل الذّريع والفاضِح في القضاء عليها.

الجِنرال غانتس وأجهزته الأمنيّة قالوا إن تِعداد مُقاتلي “عرين الأسود” لا يزيد عن بضعة عشَرات، وحدّدوا الرّقم بحواليّ 40 مُقاتِلًا فقط، فإذا كانت هذه التّقديرات صحيحة، فهل يستحق 40 مُقاتِلًا حشْد نِصف الجيش الإسرائيلي لمُواجهتهم؟ وهُم الذين لا يملكون إلا بضعة بنادق ونحن نَنْقُل هُنا عن تصريحاتِ الجِنرالات الإسرائيليين؟

“عرين الأسود” مُنظّمة شبابيّة سِلاحها الأكثر فَتْكًا هو الإرادة، وانبثقت من رماد الاستِسلام والترهّل الفصائلي الفِلسطيني، وتراجع الرّوح القتاليّة للتنظيمين الرّئيسيّين، أيّ حركتيّ فتح وحماس، وتغليب الجانب السّياسي على الأولويّات القتاليّة، والهَرولة وراء الاعتِرافات السياسيّة الدوليّة، ووهم إقامة الدّولة الفِلسطينيّة بالشّروط الإسرائيليّة والأمريكيّة، والرُّضوخ لضُغوطِ مُمَوّليها العرب والغربيين.

هذه المنظمة الشابّة الصّاعدة تُقاتل الآن عدوّين شرسين، الأوّل هو دولة الاحتِلال الإسرائيلي وجيشها الجرّار، وأجهزتها الأمنيّة الحديثة، والثّاني السّلطة الفِلسطينيّة وقوّاتها الأمنيّة التي سلّحها الاحتِلال، ووظّفها لقمْع أيّ مُقاومة فِلسطينيّة، مُسلّحة أو مدنيّة، والتجسّس على العناصر المُقاتلة وتحديد هُويّاتها وأماكِنها وتقديم كُل المعلومات في هذا الشّأن إلى قوّات أمنِ الاحتِلال لاعتِقالها أو تصفيتها تحت مُسَمّى “التّنسيق الأمني”.

إذا صحّت الوثيقة المُسرّبة التي تتحدّث عن اجتماعٍ لِما يُسمّى لجنة مُدراء العمليّات التّابعة للسّلطة انعقد في مقرّ قِيادة المُخابرات في نابلس، يكشف عن مُخطّط لضرب عناصر مجموعة “العرين”، وتصفية أو اعتِقال قِيادتها الجماعيّة، ويبدو أنّها صحيحة، في ظِل غياب أيّ نفي لها من قيادة السّلطة أوّلًا، وتسريب أنباء عن قِيام قوّات الأمن الفِلسطينيّة باعتِقال 11 من كوادرها تمرّدوا عليها، وانضمّوا لها بأسلحتهم..ثانيًا.

وحديث قادة في الأجهزة الأمنيّة الفِلسطينيّة عن نجاحهم في إقناع بعض مُقاتلي كتائب “العرين” بتسليم أنفسهم وأسلحتهم مُقابل حِمايتهم، وعدم استِهدافهم من قِبَل قوّات الاحتِلال ثالثًا.

ما يُؤكّد الدّور المشبوه والمُتواطِئ للسّلطة وأجهزتها الأمنيّة، أنها ما زالت تعتقل مصعب اشتية أحد قادة “العرين” وحديث محافظ نابلس عن استِعداد سُلطته لحِماية “التّائبين” من مُقاتلي “العرين” إذا سلّموا أسلحتهم، ناهِيك عن اتّهامه لأُمّهاتهم “بالشّاذّات”، ووصفهنّ بأقذع الألفاظ والتّهم، ولهذا تنهال العُروض الماليّة، الأمريكيّة والإسرائيليّة، وربّما العربيّة أيضًا على السّلطة، وقِيادتها، لمُضاعفة جُهودها لقتْل هذه الظّاهرة القتاليّة الجديدة للاحتِلال في شِمال الضفّة الغربيّة ووأدِها في مهدها، والحيلولة بكُلّ الطّرق والوسائل لمنْع انتِقالها إلى جنوبها، والمناطق الفِلسطينيّة المُحتلّة عام 1948.

“عرين الأسود” باتت عُنوانًا لمَرحلةٍ جديدةٍ قادمة، عُنوانها الاعتِماد على النّفس، ومُواجهة الاحتِلال بالطّرق التي تهز أبرز ثلاثة أعمدة لوجوده وازْدِهاره واستِمراره، الأوّل: هو الأمن، والثّاني الاستِقرار، والثّالث جعل احتِلاله مُكْلِفًا مادّيًّا وبشَريًّا.

هذا “العرين” سيُصبِح “عرينات” وسيفتح فُروعًا في كُل مُدُن الضفّة الغربيّة، وسيُصَنّع أسلحته وأدواته القِتاليّة ليُحَقّق الاعتِماد الذّاتي في هذا الشّأن، تمامًا مثلما حصَل في قِطاع غزّة واليمن، حيث ستنضم إليْهِ عُقولًا إبداعيّةً جبّارة، والإرث القِتالي الفِلسطيني مليءٌ بالأمثلة، ولا عودة للوراء مُطْلَقًا.. والأيّام بيننا.

 

عبد الباري عطوان..
المصدر: رأي اليوم..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com