أربع شهادات أكاديميّة تتنبّأ بزَوالٍ وشيكٍ للكيان الإسرائيلي.. و”عرين الأسود” ستُسَرِّع من وَتيرةِ الانهِيار وزيادة الهِجرة المُعاكسة المُتصاعدة.. ولهذه الأسباب اشترت السّلطة مِروحيّتين بمُوافقةٍ إسرائيليّة؟
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
زميلةٌ صحافيّة تعمل في برلين، قالت لي في دردشةٍ هاتفيّةٍ معها، إن الظّاهرة اللّافتة للنّظر في العاصمة الألمانيّة هذه الأيّام تتمثّل في وجود مِئات الإسرائيليين الذين هاجروا إلى المانيا في الأشْهُرِ الأخيرة، واختاروا ملاذًا جديدًا هربًا من الأوضاع الأمنيّة والمعيشيّة المُتدهورة في فِلسطين المُحتلّة، وأكّدت أنّ الغالبيّة العُظمى من هؤلاء يَصُبّون جامِ غضبهم على الحركة الصهيونيّة التي خدعت آبائهم وأجدادهم، وسوّقَت لَهُم أُكذوبَة أرض الميعاد.
أقوال الزّميلة هذه جاءت قبل سُطوع نجم مجموعة “عرين الأسود” التي تتّخذ من مدينتيّ نابلس وجنين مسرحًا لعمليّاتها، ونفّذت أكثر من 34 هُجومًا بالرّصاص الحيّ في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، وقد يرتفع الرّقم إلى الضِّعفين في شهر تشرين أوّل (أكتوبر) الحالي
اليوم الأحد أعلنت المجموعة عن اغتِيال قوّات الاحتِلال الشّاب تامر الكيلاني أحد قادتها بعُبوةٍ ناسفةٍ جرى لصقها بدرّاجةٍ ناريّة جرى تفجيرها عن بُعد أثناء مُروره بجانبها في أحد شوارع المدينة القديمة في نابلس، وتعهّدت بالثّأر لدِماء شَهيدها، وقطعًا ستفي بتعهّداتها في أسْرعِ وَقتٍ مُمكن.
في المُقابل أقدم شاب على طَعنِ مُستوطن إسرائيلي إصابته خطيرة في القدس المُحتلّة، واعترف الجيش الإسرائيلي بإصابة ثلاثة جُنود بالرّصاص خِلال اشتِباكات مع شبّان فِلسطينيين في مُخيّم شعفاط مسقط رأس، والحاضنة الوطنيّة للشّهيد عدي التميمي، مُنفّذ عمليّة الحاجِز الذي استشهد في هُجومه الثّاني على مُستوطنة معاليه أدوميم، وظلّ يُطلق النّار من مُسدّسه رُغمَ وابل الرّصاص على جسده الطّاهر، وحتى الرّصاصة الأخيرة، ليُصبِح رمزًا للفِداء والتّضحية لآلاف الشّباب الفِلسطينيين في الأراضي المُحتلّة، ومُختلف أنحاء العالم.
اتّفاقات أوسلو سقطت بقَرارِ الشّباب المُقاومين في الضفّة وعمليّاتهم ضدّ جُنود الاحتِلال ومُستَوطنيه المُدَجَّجين بالسِّلاح، وليس بقرارِ المجلس المركزيّ أو السّلطة في رام الله، فالضفّة الغربيّة ومُدُنها ومُخيّماتها تحوّلت إلى غابةِ سِلاحٍ وعَرينٍ للأُسود فِعلًا، وباتت فِلسطين كلّها أمام صحوةٍ جديدةٍ تختلف عن جميع صحواتها السّابقة لنوعيّتها.
هذه المُقاومة الشبابيّة أسقطت أخطر وأكبر اختِراع يهودي اسمه السّلطة الفِلسطينيّة، وكُل ما تفرّع عنها من أدوات التّواطؤ والخُنوع والأكاذيب المسمومة مِثل التّنسيق الأمنيّ، وحلّ الدّولتين، ووهم المُجتمع الدولي، والقائمة تطول.
مُوافقة دولة الاحتِلال على شِراء السّلطة وقِيادتها لطائرتين عموديّتين (هيلوكبتر) لم يكن بهَدفِ تَسهيلِ تحرّك القِيادة وإنّما لسببين رئيسيّين:
الأوّل: اتّساع دائرة الانتِفاضة المُسلّحة، وغضب الأسود وعرينها من السّلطة التي تعمل على خدمة الاحتِلال وتسهيل قوّاتها الأمنيّة اغتِيال المُقاومين من خِلال تقديم المعلومات عن هُويّاتهم وأماكن وجودهم، وكُل هذا يعني أنّ تحرّك هؤلاء القادة بالسيّارات المُصفّحة من مكانٍ لآخَر لم يَعُد آمِنًا.
الثاني: إنّ هذه الطّائرات المروحيّة ستكون الطّريق الأسرع والأكثَر أمْنًا، للهرب من رام الله عندما تقتحم الأسود المُقاطعة، تمامًا مثلما اقتحمت حركة طالبان قصر الرئيس أشرف غني، وهُروبه إلى مطار كابول واستِقلال طائرته إلى أبو ظبي، ومعه صناديق الدّولارات والذّهب.
حديث الزّميلة الألمانيّة عن هُروب المِئات، وربّما الآلاف من الإسرائيليين من الأرض المُحتلّة إلى المانيا، وتَزايُد مُعدّلاته بعد العمليّات الفِدائيّة الأربع في بئر السّبع وتل أبيب والخضيرة، ثمّ صُعود جماعة “عرين الأسود” كلّها دفعتني إلى البحث سريعًا عن هذه الظّاهرة، ويُمكن تلخيص ما توصّلت إليه من معلوماتٍ مُوثّقة في النّقاط التّالية:
أوّلاً: البروفيسور مارتين فان كارفيلد أستاذ العلوم العسكريّة في الجامعة العبريّة أكّد في تقريرٍ له أن تدهور الجيش الإسرائيلي بدأ من الرّأس إلى القاع بسبب تفشّي ظاهرة إدمان المخدّرات والتّجارة فيها، وبيع الجُنود لأسلحتهم لفصائل المُقاومة للحُصول على المال وزيادة الهِجرة، وختم بالقول “هذا الصّراع مع الفِلسطينيين خاسِرٌ وسينتهي بنهاية دولة إسرائيل”.
ثانيًا: كشفت وزارة الاستِيعاب الإسرائيليّة في دراسةٍ لها أن 720 ألف إسرائيلي غادروا فِلسطين المُحتلّة حتى مطلع العام الماضي 2021، وهذا الرّقم مُرشَّحٌ للارتِفاع مع ضرب المُقاومة للأمن القومي الإسرائيلي بالصّواريخ والرّصاص الحيّ، وتنبّأ المُؤرّخ الإسرائيلي بيني موريس أنه خِلال سنوات سينتصر العرب والمُسلمون، وسيُصبِح اليهود أقليّة، إمّا مُطاردون أو مُقاولين وصاحِب الحظْ من يتَمكّن من الهُروب إلى أوروبا وأمريكا.
ثالثًا: نَشَرَ أبراهام بورغ رئيس الكنيست ووزير الداخليّة الإسرائيلي الأسبق مقالًا في صحيفة “واشنطن بوست” أكّد فيه “أن إسرائيل على حافّة نهاية الحُلُم الصّهيوني وتتّجه نحو الخراب”، ودعا الإسرائيليين إلى امتِلاكِ جوازِ سفرٍ آخَر، وقال “أنا نفسي أمْلُكُ جوازَ سفرٍ فرنسيًّا”.
رابعًا: كان الصّحافي الإسرائيلي آري شافيط الأكثر وُضوحًا في حديثه الصّريح حول هذه الظّاهرة في مقالٍ نشره في “هآرتس” تحت عُنوان “إسرائيل تَلفُظُ أنفاسها” قال فيه “اجتزنا نُقطة اللّاعودة”..
وأضاف: “الإسرائيليّون عندما جاءوا إلى فِلسطين يُدركون أنّهم حصيلة كذبة اخترعتها الحركة الصهيونيّة تحت اسم أرض المِيعاد استخدمت خِلالها كُلّ المَكْر في الشخصيّة اليهوديّة عبر التّاريخ من خِلال استِخدام المحرقة وتضخيمها وأن الهيكل المزعوم تحت المسجد الأقصى، وهكذا تحوّل الذّئب إلى حَمَلٍ يرضع من أموال دافِعي الضّرائب الأمريكيين والأوروبيين، حتّى باتَ وحشًا نوويًّا”، واختتم بالقول “إن الإسرائيليين يُدركون أن لا مُستقبل لَهُم في فِلسطين فهي ليست أرضًا بِلا شعب”.
أكبر خطيئة ارتكبتها منظّمة التّحرير وسُلطة أوسلو هي اتّفاقات أوسلو، وأكبر خِيانة كانت التّنسيق الأمني، وتجريم المُقاومة لتحرير الأرض ورفع كُلفَة الاحتِلال ممّا أدّى إلى “تَجميدِ” القضيّة الفِلسطينيّة لِمَا يَقرُب من الثّلاثين عامًا، وإطالة عُمُر الاحتِلال بالتّالي وتضخّم عدد مُستَوطنيه، وتَعاظُم غطرسته ومجازره.
الآن نحن نعيشُ مرحلةً جديدةً عُنوانها الأبرز عودة ثقافة المُقاومة بشَكلٍ أقوى وأكثر فاعليّة، على أيدي جماعات “عرين الأسود” في القدس وجنين ونابلس وقريبًا في الخليل وباقي الضفّة الغربيّة، ولا ننسى أُسود قِطاع غزّة وصواريخهم في هذه العُجالة، فِلسطين عائدةٌ بقُوّةٍ وستنطلق من ثنايا مُقاومتها نهاية دولة الاحتِلال، وعمليّة التّغيير في المِنطقة العربيّة بأسْرِهَا.. والأيّام بيننا.
عبد الباري عطوان..
المصدر: رأي اليوم..