القاضي حُمران.. وحُمران العيون..!
بقلم. وليد الحدي
أن يتم اختطاف قاضي محكمة وسط العاصمة صنعاء في وضح النهار، ثم اقتياده إلى مكان مجهول وتصفيته بدم بارد، يحدث ذلك وكأنك تُشاهد فيلم بوليسي ساخن من نسج خيال المؤلف..
فهذه جريمة مروِّعة، وهذا ما لم يخطر على بال أحد، وما لا يستوعبه عاقل، فوجود بعض القصور في المؤسسة القضائية لا يُعطي الحق لكائن من كان المساس برموزها فضلاً عن ازهاقها.
المؤسسات القضائية الرسمية التي يمكن الرُّجوع إليها في حال الشعور بعدم الإنصاف أو الرضا متوفرة، كما أن هناك وسائل إعلامية ومواقع تواصل إجتماعي باتت تُشكّل سلطة لا يُستهان بتأثيرها في المجتمع، قادرة على خلق رأي عام وتشكيل ضغط لإستعادة الحقوق، لا أن يتم التعامل بهكذا طريقة تُشير إلى المخزون الإجرامي المتخلِّف الذي لا زال لا يُبارح عقلية البعض من (حُمران العيون) وكأننا نعيش في العصر الحجري.
أتفهَّم شخصيا مظالم كثير من المواطنين وأنا أحدهم، فلا تكاد تتحدث مع البعض حتى يشكو لك من ظُلم أو ما شابَه، وبالتأكيد نقف إلى جانب تلك المظالم سيّما التي مضى على بعضها عقود، أو البعض الآخر ممن غادر أصحابها الحياة الدنيا دون أن يستعيد حقّه، أو من صدرت لصالحه أحكام نافذة لكنها لم ترَ النُّور لأن تنفيذها يصطدم بمطامع بعض حُمران العيون!!
بيد أن تلك المطالب لا تُعطي لأصحابها المبرِّر تحت أي ظرف كان التعدِّي على مؤسسة لها قدسيتها أو على أحد منتسبيها، فإسقاط هيبة القضاء لا يعني إسقاط لأهم مرجعية يمكن أن تستند عليها الدولة وحسب، بل يعني إسقاط لهيبة الدولة بأسْرها، ودولة لا يُحتَرم فيها القضاء لا يُتوقَّع أن تنال احترام شعبها.
أعتقد أن حادثة كهذه لا ينبغي أن تمُر مرور الكرام، فما قبل هذه الحادثة النَّكراء يجب أن لا يكون كما بعدها، وعلى الأجهزة المسؤولة تعقُّب الجُناة وكل من له صلة في ذلك وتسليمهم إلى القضاء لينالوا عقابهم الرادع جزاء بما اقترفت أيديهم.
قد تكون هذه الحادثة نقطة تحوُّل في صالح القضاء والمواطن لتصحيح العلاقة فيما بينهما، وإعادة إصلاح المؤسسة القضائية التي شابها كثير من اللغط خلال عقود مضت فقدت فيها الثقة ما أدى إلى تشويهها..
نقطة تحول في تاريخ القضاء اليمني نأمل من خلالها أن يتم معالجة أوضاع المتخاصمين، وأن يُعاد للقضاء اليمني هيبته، وأن يُفعَّل دور هيئة التفتيش القضائي، ويتم تنفيذ الأحكام القضائية بلا مُواربة أو تأجيل، والبت في القضايا المستعجلة، على أن تكون بداية مرحلة جديدة لعلاقة تُستعاد من خلالها الثقة بين الحاكم والمحكوم وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية..
فدماء القاضي حُمران – رحمه الله – قد تُدشّن لعهد جديد يُعاد للقضاء مكانته، ويُعاد للمظلوم حقَّه دون مماطلة، وتُعامَل الأحكام القضائية باحترام، لا أن تظل حبيسة الأدراج كما هو دارج اليوم تجاه بعض الأحكام القضائية، ما لم فلْنتوقع ما هو أسوأ من ذلك، فما أهلك الذين من قبلنا إلا أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشَّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد كما جاء في الحديث الشريف.