عطوان: هل تمخّضت زيارة بوتين لبكين ولقاء قمّته مع زعيمها شي جين بينغ عن تحالفٍ عسكريّ لمُواجهة أمريكا في أوكرانيا وتايوان؟ ولماذا لا نستبعد النظريّة الجديدة التي تُريد تحويل أوكرانيا لمِصيَدةٍ “أفغانيّة” جديدة لروسيا وإطلاق حركة “مُقاومة” أوكرانيّة وحُكومة منفى بزعامة زيلنسكي؟ وهل “سيُؤدِّب” الرئيس الروسي الأخير؟
بقلم/ عبد الباري عطوان
تعكس القمّة التي انعقدت بين الرئيسين الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة الماضي في بكين على هامِش افتتاح الألعاب الأولمبيّة، والبيان المُشترك الذي صدر عنها، قُرب تحقّق الخطر الكبير والوجودي على أمريكا والغرب الذي حذّر منه هنري كيسنجر، أيّ التحالف بين هاتين القُوّتين العُظميين.
الرئيس بوتين، وحسب القراءة لبُنود البيان المُشترك، عاد إلى موسكو مُسلَّحًا بدعمٍ صينيّ صريح ومُلزم في مُواجهة أيّ حرب مع الولايات المتحدة وحِلف الناتو في إطار الأزمة الأوكرانيّة المُتفاقمة.
الفقرة الأهم، في هذا البيان تقول “دعا الرئيسان الصيني والروسي إلى حقبةٍ جديدة في العلاقات الدوليّة، ووضع حدٍّ للهيمنة الأمريكيّة على مُقدّرات العالم”، وأكّد الزعيمان مُعارضة بلديهما “لأيّ توسّع لحلف الناتو مُستَقبلًا” وتشكيل تحالف جديد بين البلدين عُنوانه “أمن واحد لا يتجزّأ” وندّدا “بحلفيّ الناتو وأوكوس (يضم أمريكا وبريطانيا وأستراليا) باعتبارهما يُشَكّلان تقويضًا للاستقرار والسّلام العادل في العالم”.
التوتّر بين الولايات المتحدة وروسيا يتصاعد بشَكلٍ مُتسارع، فالأولى أقامت جسرًا جويًّا لدعم أوكرانيا بالسّلاح الحديث المُتطوّر، وحشدت آلاف الجُنود لمُواجهة أيّ هُجوم روسي على إقليم دونباس شرق أوكرانيا حيث تُوجد حركة التمرّد المُوالية لروسيا، بينما تنفي روسيا أيّ نوايا لها في هذا المِضمار، ولكنّها تُواصل في الوقت نفسه حشد أكثر من 130 ألف جندي بمعدّاتهم الثّقيلة على الحُدود الجنوبيّة لروسيا المُجاورة، لشرق أوكرانيا، والبَدء في مُناوراتٍ عسكريّة بكُل الأسلحة البحريّة والجويّة والبريّة في بيلاروسيا المُحاذية يُشارك فيها 30 ألف جندي، ابتداءً من العاشر من شهر شباط (فبراير) الحالي وحتى العشرين منه.
الخبير الأمريكي جيمس ستافريديس وهو أدميرال بحري مُتقاعد صرّح لوكالة بلومبيرغ للأنباء أنه يتوقّع مِثل جِنرالات آخرين، أن يقدّم الرئيس بوتين على غزو أوكرانيا، ويُرجّحون أن تتوقّف قوّاته في الجُيوب المُوالية لروسيا، وبما يسمح له بإعلان استِقلال إقليم دونباس ولكنّه لم يستبعد في الوقت نفسه أن تُواصل القوّات الروسيّة زحفها إلى كييف العاصمة للإطاحة بالنظام، ولكن ألكسندر نازاروف الخبير الروسي القريب من السّلطة، يعتقد “أن المُناورات والتدريبات العسكريّة الروسيّة المُتواصلة التي تعكس استِعدادًا للحرب ليس ضدّ أوكرانيا فقط، وإنّما لمُواجهة أمريكا وحلف الناتو.
النظريّة الأحدث التي تسود حاليًّا، وبدأت تُروّج لها وسائل الإعلام الأمريكيّة والأوروبيّة تقول بأنّ أمريكا تُريد توريط روسيا في حربِ استنزافٍ في شرق أوكرانيا أو حتى في أوكرانيا كلّها على غِرار حرب أفغانستان في الثّمانينات من القرن الماضي، وتشكيل “حركة مُقاومة” أوكرانيّة على غِرار المُجاهدين الأفغان يتم تزويدها بكُل الأسلحة المُتقدّمة، وخاصَّةً صواريخ “ستينغر” المحمولة على الكتف، والمُضادّة للطائرات، وتشكيل حُكومة منفى في أحد دول الجِوار بقيادة الرئيس الاوكراني الحالي فولديمير زولنسكي، على غِرار حُكومة “فرنسا الحُرّة” التي تزعّمها شارل ديغول بعد الاحتِلال النازي.
شهر شباط (فبراير) الحالي قد يكون حاسمًا على صعيد الأزمة الأوكرانيّة، حربًا أو سلمًا، ولعلّ تقاطر الزّعماء الأوروبيين إلى كُل من موسكو وكييف هذه الأيّام يعكس حرصًا على الحيلولة دون الانفِجار العسكري، حيث وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الاثنين إلى العاصمة الروسيّة، ومنها إلى العاصمة الأوكرانيّة، ويليه المُستشار الألماني أولاف شولتز أوائل الأسبوع المُقبل لإجراء مُباحثات مُماثلة مع الرئيس بوتين.
أكثر ما يُقلق الولايات المتحدة والقادة الأوروبيين كون الرئيس بوتين، خرّيج أكاديميّة “كي جي بي” الروسيّة، من الزّعماء القلائل في العالم الذي لا يتردّد في اتّخاذ قرار الحرب، مثلما فعل في جورجيا وشبه جزيرة القرم الأوكرانيّة عام 2014، ولعلّه الآن، وبعد أن حصل على دعم الصين لسِياسته في أوكرانيا، ومُعارضته حزب الناتو لضمّها قد يُصبِح أكثر قوّةً وتصميمًا على “تأديب” الرئيس الأوكراني الذي طعن روسيا بخِنجَرٍ مسموم وقرّر الانضِمام إلى حلف الناتو، والاتحاد الأوروبي، فتح بلاده للصّواريخ النوويّة الأمريكيّة.. واللُه أعلم.