محتلو اليمن على موعد مع 30 نوفمبر جديد.. “تقرير“..!
أبين اليوم – تقارير
عام 1835، بعثت بريطانيا بالكابتن هينز إلى منطقة خليج عدن لاستطلاع المنطقة وتقديم دراسة عن الموقع الجغرافي. نَصّ التقرير الذي تقدم به هينز على ضرورة إحتلال عدن نظراً لموقعها الإستراتيجي خاصة لناحية الممرات والمضائق البحرية الدولية المتصل بها، وأهميته الكبرى في حركة التجارة البحرية الدولية.
بعد 3 سنوات جنحت سفينة بريطانية قبالة الشواطئ اليمنية، استغلت لندن هذه الحادثة التي لا يمكن وضعها ضمن إطار المصادفة، لتتخذ قرار إحتلال عدن والمناطق المحيطة بها وسيطرت عليها بالفعل في 19 كانون الأول 1839.
بعدما وجهت إتهامات لسكان هذه المناطق بنهب السفينة، وتذرعت بضرورة تواجدها لحماية السفن التجارية الأخرى من اعتداءات مماثلة.
استغلت بريطانيا واقع شتات الجغرافيا اليمنية بين مشيخات وقبائل وسلطنات في ذلك الوقت، وعملت على تكريس مبدأ التحالفات لتعزيز سيطرتها عبر توثيق علاقتها ببعض السلطنات وتقديمها على انها “قوى حليفة” تبعاً لسياسة “فرّق تسد”.
وعلى مدى عقود أربعة، قامت بتوقيع عدد من الاتفاقيات مع ما يمكن تسميتها “كيانات جهوية” كبيرة ولها مكانتها بين القبائل وتطمح بالتالي في الحكم، لتكسب بذلك ايضاً شرعية لوجودها مقابل تقديم الحماية لهم إضافة للمكاسب المالية، الأمر الذي نتج عنه ولادة سلطنات أخرى فيما سُمي بالـ “النواحي التسع” ومنها العوالق السفلى والحواشب ويافع السفلى.
في خمسينيات القرن الماضي، ومع الحضور القوي للقومية العربية في تلك الفترة، عملت لندن على ركوب موجة “الوحدة العربية”، بإيهام الزعامات اليمنية والمشيخات بتحقيق الوحدة واتمام مشروع الشريف حسين، وبالتالي زرع بذور التفرقة بين المناطق الشمالية والجنوبية عبر استغلال الخلافات وتغذية النزعة الانفصالية واستهداف النسيج اليمني.
وبدأت فعلياً بطرح هذه المشروع عام 1952 بترويجها لإقامة كيانين اتحاديين فيدراليين يكون حسب التقسيم الإداري، ثم توحيدها فيما يسمى “دولة الجنوب العربي الاتحادية”. يقوم هذا المشروع على ان يتألف هذه الاتحاد من المندوب السامي، يتمتع بصلاحيات واسعة ويتسلم الرئاسة والعلاقات الخارجية وله القرار الأول في أي حالة طوارئ (أي له الكلمة الفصل في الحرب)، ومجلس رؤساء الداخلية للبلاد ومجلس تشريعي وآخر تنفيذي.
وقد أعلن هذا الإتحاد رسمياً في 19 شباط 1959. وسعت جاهدة لكسب إعتراف الدول العربية بهذا الإتحاد، لكنها لم تنجح نظراً لتطور الأحداث لغير صالحها. لكنها سعت من جديد لإقامة دولتين اتحاديتين وخلق محميات شرقية وغربية إضافة لعدن.
24 أيلول /سبتمبر 1962 كانت الثورة اليمنية في مسار متصاعد، حيث شهدت كريتر مسيرة كبرى أطلق عليها اسم “الزحف المقدس” من أولى أهدافها الوقوف ضد دمج عدن في الاتحاد الفدرالي وضد الاستعمار برمته.
عام 1963م انطلقت شرارة الثورة الأولى، والتي قابلتها القوات البريطانية بعملية عسكرية على مختلف المناطق في الضالع وردفان. بعد أشهر على الانطلاقة وفي المواجهات التي حدثت في مطار عدن، أقدم خليفة عبدالله حسن خليفة على رمي قنبلة يدوية أسفرت عن إصابة المندوب السامي كيندي ترافيسكس وقتل نائبه جورج هندرسن إضافة لجرح 53 من القوات والموظفين البريطانيين، لتبدأ بذلك مرحلة الكفاح المسلح التي انتهت بإعلان استقلال عدن والمحميات الشرقية والجنوبية في 30 نوفمبر 1967، وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
رحلت بريطانيا عن اليمن وبقيت عيونها شاخصة إليه، فهذا المشروع الاستعماري لم يسقط بالتقادم. تغيّرت الوجوه والأدوات والذرائع وعاد الاحتلال مرة أخرى. تواجد البريطانيين اليوم في المهرة والأميركيين في شبوة والمكلا، والإسرائيليين في جزيرتي سقطرى وميون وفي المناطق السعودية الحدودية مع اليمن، والسعودية والامارات في عدد من المناطق والمحافظات الجنوبية، هو مشهد يفسّر تركيبة المشروع الاستعماري الجديد الذي خططت له الولايات المتحدة ونفّذته السعودية والامارات وباركته بريطانيا و”إسرائيل”.
غير ان القبائل اليمنية التي أخرجت بريطانيا قبل أكثر من 53 عاماً من اليمن، قادرة على اليوم على تكرار هذا الأمر، ليس فقط بالتحرر من الاحتلال العسكري، بل بالقضاء على براثن الاحتلال ومشاريعه التقسيمية الالغائية.
المصدر: الخنادق