تخمة تركيا المائية.. سلاح جيوسياسي ضد العراق..!
أبين اليوم – أخبار دولية
استفادت تركيا من تخمتها المائية فحولتها الى سلاح جيوسياسي في تعاملها مع العراق لمتمرير اوراقها واجندتها السياسية والدبلوماسية على هذا البلد.
منذ عام 1936 وعلى مدى 5 عقود تقريباً، بدأت وعملت تركيا على العمل على الاستفادة من مصادر المياه بوضع خطط إقامة السدود كان اوضحها وابرزها تنظيماً ما طرحته في عام 1980، عندما وضعت مخططاً عاما شاملاً يربط عدداً من المشروعات المائية، سُمِّيَ “مشروع جنوب شرقي الأناضول الكبير”، حيث منبع نهري دجلة والفرات.
قبل ذلك نصت المادة 109 من معاهدة لوزان 1923 على ضرورة تشكيل لجنة مشتركة بين تركيا وسوريا والعراق بهدف حل النزاعات المحتملة التي يمكن أن تثيرها المشاريع المائية لهذه الدول.
بالتالي، تجد تركيا نفسها في هذه المادة ملزمة بإبلاغ العراق بمخطط أي بنية تحتية جديدة لمشروعات تنوي القيام بها على طول الأنهار، هذا التأكيد (التزام تركيا تجاه العراق) جاء مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية من خلال معاهدة “الصداقة وحسن الجوار 1946”.
انه بروتوكول يتعلق بتنظيم استخدام مياه الفرات ودجلة الموقّع بين تركيا والعراق، ثم تلتها اتفاقيات عدة دولية وثنائية، لكن هذه الاتفاقيات لم تلزم تركيا عمليا، وأقدمت على تجاهل كل القواعد والأحكام التي تنظم استخدام المياه المشتركة.
مشروع (Gap) الكبير جنوب شرقي الأناضول:
عودة إلى “مشروع جنوب شرقي الأناضول الكبير”، حيث يُعرّف المشروع على موقعه الإلكتروني الرسمي بأنه أكبر مشروع في تاريخ تركيا نفذته بحجة تطوير المشروعات الزراعية والإنمائية، وهو يتكون ممّا لا يقل عن 22 سدا و19 محطة للطاقة الكهرومائية منتشرة على نهري دجلة والفرات، الأمر الذي سبب قلقا لدى سوريا والعراق بسبب ضخامة المشروع الذي سيقلل من تدفق المياه إلى ضفاف الأنهار بنسبة كبيرة جداً، فشُكلت لجنة تقنية ثلاثية في عام 1983، لكنها بعد تسع سنوات كانت قد عقدت أكثر من 14 اجتماعا من دون التوصل إلى أي اتفاق “ثلاثي” حول تنظيم استخدام مياه الفرات. إذ كانت تركيا معارضة لترتيب متعدد الأطراف، باعتبار أن لا سلطة لها على تحديد مقدار المياه التي تجري من سوريا إلى العراق، وأن ذلك غير مرتبط بالضرورة بمقدار المياه التي تجري من تركيا إلى سوريا.
ضمن مشروع Gap السالف الذكر تم بناء 8 سدود، وفي عام 2006 وُضع حجر الأساس لأكبر مشروع في تركيا وثالث أكبر مشروع من نوعه في العالم، وهو سد “إليسو” الأكبر على الإطلاق في حجم تهديده لمستقبل العراق.
سد إليسو التركي ومخاوف العراق:
في تقرير نشرته وكالة الأناضول في الشهر الخامس أيار/مايو من هذا العام 2021، عرضت فيه بعض التصريحات التي تضمنتها كلمة الرئيس التركي في مراسم تفعيل التوربين الأول (واحد من ستة توربينات) في محطة الطاقة الكهرومائية على سد “إليسو” الضخم على نهر دجلة بولاية ماردين جنوب شرقي تركيا، والذي سيزيد من مخاوف العراق لانه سيخفض منسوب نهر دجلة بشكل كبير.
أردوغان تحدث عن ضرورة حماية الموارد المائية لبلاده في عالم يتجه نحو نقص المياه ملوحا الى ان المستقبل سيكون لتجارة المياه لا لتجارة النفط “في إشارة ضمنية لرؤيته الطموحة”، لذا فقد اهتم كثيرا ببناء سد “إاليسو” وباشر بناءه عام 2006 وأفتتح جزئيا بفبراير 2018 وبدأ ملء خزاناته في الأول من حزيران/يونيو 2018، وهو ثاني أكبر سد في تركيا بعد سد أتاتورك على نهر الفرات، ارتفاعه 135 مترا وعرضه عند القمة 15 مترا وعند القاعدة 610 أمتار وسعته 11 مليار متر مكعب.
قال أردوغان إن بلاده “كانت تملك 276 سداً حتى عام 2002 وإن إجمالي عدد السدود ارتفع إلى 585 في غضون السنوات الـ 18 الماضية (منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في البلاد)”، خاتماً “سنفتح 17 سدا إضافيا أيضا، يفصل بين افتتاح كل منهم شهر أو أقل من ذلك”.
احتجاج سوري عراقي:
مع حبس مياه نهر الفرات لملء خزان اتاتورك “اكبر سدود تركيا” وإعاقة تدفق المياه لشهر كامل حتى شحت مياه نهر الفرات وبات التدفق لا يتجاوز 45 مترا مكعبا في الثانية الامر الذي أثر مباشرة على المحطات الزراعية والاستخدام المنزلي في البلدين الجارين سوريا والعراق، الامر الذي دفعهما إلى الاحتجاج على الضرر الذي نزل باقتصادهما، بينما زعمت تركيا إن السدود التي أقامتها وسوف تقيمها على نهري دجلة والفرات، لن تسهم بتلبية احتياجاتها من الطاقة ومياه الري فحسب، بل ستوفر أيضاً إمدادات منتظمة من المياه إلى جيرانها.
والحال ان التقارير والإحصاءات تُنذر بأن السد التركي سيؤدي إلى خفض المياه الواردة إلى العراق عبر نهر دجلة إلى 47% من الإيراد السنوي الطبيعي، الأمر الذي سيهدد مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية إضافة إلى تصحرها، ويجده الكثير من المختصين تهديدا للأمن القومي العراقي، ويرى آخرون أن تركيا تستغل الأزمات السياسية والاقتصادية التي يمر بها العراق لتسيير الأمور لصالحها، هذا اضافة الى نوعية المياه الواردة الى العراق وقد تأثرت سلبا بنسبة كبيرة من الملوحة والتلوث نتيجة تدويرها في المحطات الزراعية االتركية، الامر الذي تسبب في تضرر مباشر للعديد من الأراضي الزراعية العراقية بسبب ارتفاع الملوحة، وكذلك تضرر المنشآت الصناعية ومعامل معالجة المياه للاستعمالات المنزلية.
العراق من جانبه، إحتج مرارا على مشاريع السدود التركية التي تتجاهل القوانين الدولية الخاصة بالأنهر المشتركة، واثر تراكم مخاوفه من أن يكون هدف أردوغان تعطيش العراق لفرض إملاءات عليه، وطالب عن طريق وزارة الموارد المائية العراقية، إجراء مباحثات مع الجانب التركي، وبحسب المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية حميد النايف، فإن العراق حاول التوصل إلى تفاوض جدي وواضح للحصول على مستحقاته.
لجأ العراق الى حظر زراعة الأرز منذ 2017 بسب نقص المياه، فيما هجر عدد كبير من المزارعين العراقيين أراضيهم التي تصحرت بسبب نقص المياه، وباتت مخاوف العراق اليوم من أن يؤدي سد “إليسو” التركي لكارثة غذائية ونقص حتى في مياه الشرب، فيما قال مراقبون “ان العراق مقبل على كارثة بيئية بسبب المشاريع المائية التركية”، وان هذه الرؤى المائية التركية تهدد البيئة الطبيعية في المنطقة بشكل عام”.
نزاعات سياسية.. وراء الاكمة ما وراؤها:
وخاتمة القول ليس هناك أزمات مائية في المنطقة والعالم بل هناك نزاعات مفتعلة حيث بنيت سدود مسبقا على نهري دجلة والفرات بمساعدة مالية أمريكية، فرنسية، كندية وإسرائيلية وهناك 67 شركة إسرائيلية تعمل على مشروع السدود في تركيا.
المصدر – العالم