إنتخابات ليبيا.. تهديد دولي وانقسامات داخلية وترشح “أعداء“ الأمس..!

3٬816

أبين اليوم – الأخبار الدولية

على الرغم من أن القوى الدولية والإقليمية تدعم إجراء الإنتخابات الليبية البرلمانية والرئاسية في موعدها المقرر في 24 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، وتؤكد ضرورة خروج القوات الأجنبية والمسلحين وفق جدول زمني واقعي وبما لا يؤثر على إجراء الانتخابات في موعدها المعلن، فإن الداخل الليبي يبدو منقسماً حيال إجراء الإنتخابات الرئاسية على وجه التحديد.

ففي مؤتمر باريس الذي عقد في 12 من الشهر الجاري هددت الدول المشاركة بالمؤتمر بتوقيع عقوبات دولية على المعترضين على نتائج الإنتخابات أو من يشككون في نتائجها، وهو ما أكده السفير الأميركي لدى ليبيا، معتبراً الانتخابات مدخلاً لإعادة توزيع الثروة بين الليبيين، على حد قوله.

أهمية الضغوط الدولية لا تقبل المناقشة، لكنها تفتقر إلى حدٍّ ما إلى آلية عملية تسمح بدفع العملية السياسية إلى الأمام بأكبر قدر من التوازن والفاعلية، ولعل تأخر تطبيق قاعدة خروج المسلحين المتفق عليها قبل أكثر من عام يجسد فجوة الفاعلية الدولية من جانب، ويكشف الغطاء عن القوى الدولية المستفيدة من المسلحين والمرتزقة على الأرض الليبية من جانب آخر، وهو ما يزيد من تعقيدات الحالة الليبية بشكل عام، ويُخفض من ثقل الضغوط الدولية، ولكن لا ينكر أهميتها وضرورتها معاً.

الأمم المتحدة، قالت من جهتها، إن مفوضية الإنتخابات الليبية ستحسم بنفسها القضايا المتعلقة بالموافقة على ترشح الأشخاص لانتخابات الرئاسة.. وأكد نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق خلال مؤتمر صحفي إن المنظمة الدولية تدعم “كالسابق السلطات الليبية في تحضيرها للانتخابات البرلمانية والرئاسية”، مضيفاً أن “بعثة الأمم المتحدة موجودة على الأرض وتتعامل مع كافة الأطراف الليبية المعنية للمساعدة على تحقيق التوافق بشأن تنظيم تصويت شامل ذي مصداقية وفي الوقت المناسب”.

وأكد أن “من صلاحيات مفوضية الإنتخابات الليبية قبول وثائق الترشح من المرشحين وتحديد معايير تجاوب المرشحين مع الإطار القانوني”.

وفي تطور لافت، تقدم المشير خليفة حفتر اليوم الثلاثاء، رسمياً بأوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية الليبية، وقال في كلمة متلفزة: “أترشح للانتخابات لقيادة الشعب في مرحلة مصيرية وليس طلباً للسلطة”.

كما تعهد بالدفاع عن “ثوابتنا الوطنية الراسخة وعلى رأسها وحدة ليبيا وسيادتها واستقلالها”، وبدء ما أسماه “مسار المصالحة والسلام والبناء” في حال فوزه في الانتخابات، والتي قد تشهد أيضاً ترشح كل من عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وفتحي باشاغا وزير الداخلية السابق.

وحفتر هو ثاني مرشح رسمياً إلى الإنتخابات الرئاسية بعد سيف الإسلام القذافي الملاحق قضائياً في ليبيا ومن قبل المحكمة الجنائية الدولية والذي قدّم الأحد ترشيحه رسميا للانتخابات.

ترشح حفتر وسيف الإسلام للإنتخابات الرئاسية في ليبيا أثار غضباً لدى شريحة من الشعب الليبي الذي خرج إلى الشارع وعبر عن رفضه لهما متهماً إياهما بإرتكاب جرائم وإنتهاكاته إنسانية بحق الشعب الليبي.

ويأمل الليبيون أن تساهم الانتخابات المرتقبة في إنهاء صراع مسلح عاناه لسنوات البلد الغني بالنفط، وفي طي صفحة عقد من الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي عام ألفين وأحد عشر وتُنهي الانقسامات والنزاعات بين معسكرين متنافسين.

وقبل أسبوع أعلن رئيس مفوضية الانتخابات عماد السائح أن الإنتخابات الرئاسية ستجرى على جولتين، موضحاً أن الأولى ستجري في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول القادم بينما الثانية ستتزامن مع الانتخابات البرلمانية بعد شهر وفق القانون.

يذكر أن مفوضية الانتخابات الليبية أعلنت في صفحتها على “فيسبوك”، يوم الإثنين، رفضها ترشح سيف الإسلام القذافي للرئاسة، لكنها حذفت هذا الإعلان بعد نشره بدقائق.

من جانبه قال رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة أمام تجمع طلابي مساء الاثنين إن قرار ترشحه للانتخابات “بيد الشعب الليبي”، وأضاف أنه سيعلن موقفه منها في اللحظة الحاسمة، واضاف: “نريد الانتخابات ولكننا لن نرضى بالقوانين المعيبة والمفصلة على (مقاس) أشخاص ولا نرضى بغير الدستور”. وأشار إلى أنه أكد في مؤتمر باريس الخاص بليبيا “على ضرورة وجود قاعدة دستورية في البلاد”.

وأضاف “نريد برلمانا’ نزيهاً يخدم كل الليبيين وانتخابات تقوم على أساس قاعدة دستورية وقوانين عادلة”، واعتبر الدبيبة أن “الانتخابات تمر بمشكلة كبيرة جدا، والشعب الليبي لا يمكن أن يرضى إلا أن يختار سيادته ورؤساءه عبر الانتخابات”.

الانقسام أو الاختلاف بين فريقين تجاه قضية ذات طابع جدلي وتنافسي هو أمر معتاد لا سيما بشأن انتخابات سوف تفصل بين مرحلتين تاريخيتين في تاريخ البلاد، الانتقالية والدائمة. بيد أن الأمر يأخذ أبعاداً أخرى إذا لمّح أو هدد أحد الفريقين بعدم قبول النتائج والاعتراض عليها من غير الأسلوب القانوني. وهنا تكمن مشكلة الانتخابات الليبية المتعلقة بالقبول العام والشرعية أمام الداخل والخارج على السواء.

والواضح من خريطة المواقف الليبية أن الانقسام المجتمعي والمناطقي هو سيد الموقف. فهناك فريق ذو وزن سياسي ومناطقي يعيش في غرب البلاد يعتقد أن الانتخابات سوف تأتي بمرشح من الشرق الليبي، لديه رؤية ليست مقبولة لهم، ستغير الواقع وتُنهي كثيراً من مظاهر التسلح غير القانوني، وتقضي على مصالح شخصية ومناطقية عديدة استقرت طوال العقد المنصرم، وثمة خشية من فقدانها.

ويعكس هذا الاعتراض الافتراضي نوعاً الاعتراف المُسبق بالخسارة، ومن ثم فالأفضل لديهم هو منع الانتخابات والاعتراض عليها، أو تأجيلها إلى ما شاء الله، وبقاء الأوضاع كما هي من انقسام مؤسسي ومظاهر ضد السيادة وتفريط في مصالح البلاد العليا.

وتدل خطوة المجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري، بالاعتراض على قانون الانتخابات والادعاء بفقدانه قاعدة دستورية توافقيه، والمطالبة بتأجيل الانتخابات حتى مارس (آذار) المقبل أو ما بعده، على أن المجلس الأعلى يقود حملة تشكيك في مجمل العملية السياسية، وأن أعضاءه يتخوفون من نتائج الانتخابات، ويعملون على تعطيلها قدر الإمكان.

وبغضّ النظر عن مدى واقعية هذا التوجه الاعتراضي، يتجاهل هؤلاء أن الانتخابات تطرح فرصة الاختيار بين أكثر من شخص مرشح، بعضهم بالتأكيد سينتمي إلى الغرب الليبي، ومنهم من لديه فرصة كبيرة للفوز بمنصب الرئاسة مقارنةً بمرشحين آخرين من الشرق والغرب معاً. ويُشار هنا إلى فرصة عبد الحميد الدبيبة بالفوز إذا ما ترشح لانتخابات الرئاسية، استناداً إلى أدائه المقبول كرئيس لحكومة الوحدة الوطنية من شريحة عريضة من الليبيين في الغرب ومناطق في الجنوب. كما أن فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق، من المرشحين المحتملين ولديه تأييد شعبي وازن.

انقسام الغرب الليبي وإعلاء مصالح شخصية والميل إلى وقف العملية السياسية برمّتها، ليس وحده السبب الذي يدعو إلى القلق، فثمة أخطاء حدثت في عملية إقرار قانون الانتخابات، كان يمكن تداركها، وبالتالي إجهاض حجج المعترضين في المهد. فالقانون الصادر من مجلس النواب لم يناقشه النواب أصلاً، مما يدفع البعض إلى التشكيك في دستوريته وفي شرعية اعتماده قانوناً مقبولاً لانتخابات مصيرية تحدد مستقبل البلاد. ولم يلتزم القانون بفرض إجراء الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية في اليوم ذاته وفصلَ بينهما، إذ أعطى الأولوية للرئاسية وأخّر البرلمانية إلى ما بعد اعتماد نتائج الرئاسية بثلاثين يوماً.

كما أن القانون وفقاً لما صرح به رئيس مفوضية الانتخابات عماد السائح لم يتضمن أحد بنود مقررات الحوار الوطني، وهو البند الخاص بعدم أحقية أعضاء حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي برئاسة المنفي الترشح للانتخابات الرئاسية، بل صدر القانون خالياً من هذا البند ومن ثم تجاوز عن أحد بنود الإطار التوافقي لمجمل العملية السياسية، وبهذا يتيح القانون عملياً لعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية فرصة الترشح للانتخابات الرئاسية، وهو ما أكده رئيس مفوضية الانتخابات.

المعترضون يركزون أيضاً على البند الخاص في القانون المتعلق بإمكانية أن يترشح أي مسؤول للانتخابات الرئاسية بشرط أن يتخلى عن ممارسة أعباء وظيفته قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات، على أن يعود إلى منصبه في حال عدم فوزه. وهو البند الذي تراه قوى سياسية مصمماً لإتاحة الفرصة لترشح حفتر مع إمكانية بقائه في منصبه حال خسارته.

فهل ستصبح الإنتخابات الليبية أزمة جديدة تضاف الى ازمات هذا البلد؟

المصدر: العالم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com