هل سنرى صور إلهان عمر قريبًا مُعلّقةً في شوارع صنعاء وميادينها الرئيسيّة جنبًا إلى جنب مع صور “السيّد” وقرداحي.. لم لا؟
بقلم/ عبد الباري عطوان
يبدو أنّ شوارع صنعاء وباقي المُدن الشماليّة الأُخرى، وربّما الجنوبيّة لاحقًا، ستكون مُزدحمةً فيما هو قادم من أيّام بصُور الشخصيّات العربيّة والدوليّة التي تُعارض التّحالف السعودي في اليمن، وتُطالب بإيقاف هذه الحرب “العبثيّة” فورًا ودون تردّد.
فبعد الوزير اللبناني جورج قرداحي الذي شرّع في تصريحات له حق حركة “أنصار الله” في الدّفاع عن النفس، ها هي السيّدة إلهان عمر النائبة الأمريكيّة الصوماليّة الأصل، تتقدّم بمشروع قانون الجمعة إلى مجلس النواب لمنع بيع صفقة صواريخ “جو جو” للمملكة العربيّة السعوديّة بقيمة 650 مِليون دولار، وتضم 280 صاروخًا، بسبب جرائم الحرب التي يرتكبها التحالف في اليمن، وسِجِل المملكة العربيّة السعوديّة السّيء جدًّا في ميدان حُقوق الإنسان، (إلهان عمر وزميلتها رشيدة طليب استنكرتا بقُوّةٍ اغتيال الصحافي جمال خاشقجي).
السيّدة إلهان عمر التي تتمتّع بشخصيّةٍ قويّة، وصلابة غير مسبوقة برّرت موقفها بوقف هذه الصّفقة بقولها “يجب أن لا نبيع أبدًا (أمريكا) أسلحة لمُنتهكي حُقوق الإنسان، فاليمن يُواجه أزمةً إنسانيّة تتحمّل المسؤوليّة عنها دول التّحالف بزعامة المملكة العربيّة السعوديّة، والكونغرس يتمتّع بصلاحيّاتٍ قويّة تُؤهّله لمنع هذه الصّفقة وعلينا كنوّاب أن نُمارس هذه السّلطة”.
صحيح أنّ حُظوظ عرقلة مُرور صفقة الصّواريخ هذه تبدو ضئيلة، لأنّ إقرارها في مجلس النواب لو تم لن يكون كافيًا، ولا بُدّ من رفعها إلى مجلس الشيوخ للتّصويت عليها، وحُصولها على الأغلبيّة المُطلقة بالتّالي للمُصادقة عليها، وهذا صَعبٌ في ظِل اللوبي الإسرائيلي المُسيطِر عليه، وتظل العقبة الكُبرى تتمثّل في “الفيتو” الذي يملكه الرئيس بايدن في نهاية المطاف، ولكن الصّحيح أيضًا، أنّ هذا التحرّك في الكونغرس بزعامة نائبة مُسلمة لمنع هذه الصّفقة، يُؤشِّر إلى بداية بُروز لوبي تشريعي أمريكي قوي ضدّ الحرب في اليمن مُتضامن مع ضحاياها الذين زاد عددهم حتّى الآن عن 300 ألف شهيد وما يَقرُب من المِليون جريح نسبة كبيرة منهم من الأطفال.
هذه السيّدة العصاميّة باتت تُشَكّل مع زميلاتها وزملائها من الحزبين الرئيسيين في أمريكا، الديمقراطي والجمهوري، كتلة تنمو بسُرعةٍ غير مسبوقة، وتفرض نفسها بقُوّةٍ على النخبة السياسيّة الأمريكيّة الحاكمة، وهي كُتلة فشل اللوبي الإسرائيلي الذي بات مدعومًا عربيًّا في كسرها وإرهابها، رغم حملات التّشويه التي وصلت في بعض الأحيان إلى خوضٍ في الأعراض، والهُبوط في الخُصومة إلى مُستوياتٍ مُتدنّية، خاصَّةً من قبل دونالد ترامب زعيم هذا اللّوبي الأعظم، وها هو ترامب يرحل وتُلاحقه القضايا بالفساد والفضائح، وتبقى السيّدة إلهان عمر مرفوعة الرأس.
هُناك أكثر من 300 ألف مُهاجر صومالي لجأوا إلى اليمن في ذروة الحرب الأهليّة الصوماليّة، ووجدوا الحاضنة الدّافئة في وطن اللّجوء، مثلما وجدوا من يتقاسم معهم لقمة الخُبز من أشقّائهم اليمنيين رُغم الحِصار والمجاعة وضنك العيش، ولا بُدّ أنّ السيّدة إلهان تملك أقارب وأصدقاء من بين هؤلاء يُزوّدونها بالمعلومات الدّقيقة عن الوضع الإنساني المُتدهور وجرائم الحرب في اليمن، وخاصَّةً صور الأطفال “شِبه الأحياء” الذين تحوّلوا إلى هياكل عظميّة بسبب الجُوع وسُوء التّغذية، وانتِشار الأوبئة، وشُحّ الأدوية.
اليمنيّون في صنعاء رفعوا صور الوزير جورج قرداحي في شوارعهم وميادينهم الرئيسيّة، مثلما رفعوا قبله صور السيّد حسن نصر الله، زعيم المُقاومة، وآخَرين وقفوا في خندق الصّمود اليمني في وجه الحرب والتّحالف الذي يقودها تقديرًا، وعُرفانًا بالجميل، في وَقتٍ تخلّى مُعظم العرب عنهم انحِيازًا للمُعتدين الأثرياء، ولا نستبعد أن نرى صور السيّدة إلهان عمر قريبًا جدًّا تُجاور هؤلاء بعد وقفتها القويّة هذه في الكونغرس ضدّ بيع بلادها الصّواريخ للمُعتَدين، وبما يُؤدّي إلى إطالة عُمر الحرب، وتضاعف أعداد الضّحايا، وسنكون من أبرز المُؤيّدين لهذه الخطوة المُستحقّة.