كيف فرضت ناقلات النفط الإيرانيّة حُضور سوريا اجتِماع وزراء الطّاقة الرّباعي في عمّان وتجميد قانون “قيصر” جُزئيًّا؟ ولماذا ينتظر “النفطيّون” و”الكهربائيّون” العرب الأوامر الأمريكيّة لإنقاذ أشقائهم في لبنان..!

4٬344

بقلم/ عبد الباري عطوان

مِن المُؤلِم أنّ الاجتِماع الرّباعي الذي ضمّ وزراء الطّاقة في الأردن ومِصر وسوريا ولبنان في العاصمة الأردنيّة يوم الأربعاء من أجل بحث كيفيّة إيصال الغاز المِصري والكهرباء الأردنيّة، إلى لبنان جاء بتَعليماتٍ أمريكيّة، تمامًا مثلما كان عليه الحال في مُؤتمر بغداد لدُول الجِوار السّوري الذي استثناها قبل أُسبوعين فقط.

أزمة المحروقات، والكهرباء، مُتفاقمةٌ في لبنان مُنذ ستّة أشهر إن لم يَكُن أكثر، ولكن هذه الدّول، وغيرها من الدّول العربيّة لم تتحرّك مُطلقًا لتخفيف مُعاناة الأشقّاء في لبنان، ولكن بمُجَرَّد أن لجَأ السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” لحليفه الإيراني مُستَنْجِدًا، ولبّى هذا الحليف النّداء فورًا، وجهّز ثلاث ناقلات، أُصيبت السّفيرة الأمريكيّة دوروثي شيا بحالةٍ من السُّعار، وخاطبت الحُكومتين الأردنيّة والمِصريّة لتَأمين الغاز والكهرباء للبنان، ليس حُبًّا باللّبنانيين الذين توقّفت مُحرّكات مُستشفياتهم، وأفران مخابزهم، وعاشُوا في ظَلامٍ دامِس، وإنّما جزعًا ورُعبًا من النّفط الإيراني وناقلاته، وفي مُحاولةٍ لإجهاض قطع الطّريق على مُبادرة حزب الله وزعيمه.

كُنّا نتمنّى لو أنّ هذا الاجتماع الرّباعي انعقد بمُبادرةٍ عربيّة تَحَدِّيًا للغطرسة الأمريكيّة، وانحِيازًا لنُصرَة الشّعب اللّبناني الشّقيق، ولكنّ التّمنّي شيء، وما يجري على أرض الواقع شيء آخر، الأمر الذي يُؤكِّد أنّ مُعظم القادة العرب، إن لم يَكُن كلّهم، لم يسمعوا بانتِصار حركة الطّالبان الأفغانيّة بسِلاح الإرادة والصّمود على الولايات المتحدة، ومرمغة أنفها وكرامتها في التّراب، وهزّ صُورتها كدَولةٍ عُظمى، وإجبارها على الرّحيل من بِلادها بطَريقةٍ مُهينة، ستَظلّ علامةً فارقةً في تاريخ الهزائم لقُرونٍ قادمة.

جُرأة السيّد حسن نصر الله وشجاعته وكسره للحِصار الأمريكي على لبنان وسورية معًا باستِجلاب النّاقلات الإيرانيّة، ومنحه الأولويّة للمُستشفيات وأفران الخُبز لتَوزيع المحروقات ودُونَ أيّ تمييز طائفي غيّرت كلّ المُعادلات في المنطقة، وأجبرت وَفدًا لُبنانيًّا برئاسة السيّدة زينة عكر، نائبة رئيس الوزراء لشدّ الرّحال إلى دِمشق بعد قطيعةٍ استمرّت عشر سنوات.

المحروقات الإيرانيّة ستَصِل إلى المُستَهلك اللّبناني حتمًا في الأيّام القليلة القادمة، لأنّ الغاز المِصري، والكهرباء الأردنيّة سيحتاجا إلى ثلاثة أشهر على الأقل للتَّدفُّق إلى وجهتها النهائيّة عبر الأراضي السوريّة، بعد تجهيز الخُطوط والأنابيب اللّازمة، وإصلاحها، ويبدو أنّ الولايات المتحدة التي دمّرت هذه الخُطوط سواءً بشَكلٍ مُباشر، أو عبر أدواتها في ذروة المُؤامرة على سورية، ستُوَفِّر الأموال اللّازمة في هذا الإطار عبر قَرضٍ من صندوق النقد الدولي.

السيّدة هالة زواتي وزيرة الطّاقة والثروة المعدنيّة الأردنيّة، أكّدت هذه الحقائق المَذكورة آنفًا عندما قالت في مُؤتمر صحافي عقدته بعد اختِتام أعمال هذا الاجتِماع الرّباعي “أنّ هدف الاجتِماع كان وضع خطّة عمل، وخريطة طريق، والتَّأكُّد من جاهزيّة البُنى التحتيّة، بدءًا من مِصر وانتهاءً بلبنان، من أجل إيصال الغاز المِصري”.

أمريكا وحُلفاؤها العرب، وخاصَّةً اللّبنانيين منهم، خرجوا الخاسِر الأكبر من هذه الأزمة، ولمصلحة إيران، عزّزوا، بسبب جُبنهم، وتردّدهم، نُفوذها في المنطقة الذي يدّعون أنّهم يعملون على مُحاصرته ومنع انتِشاره، إيران مَحظوظةٌ فِعلًا بهكذا خُصوم على هذه الدّرجة من الذّكاء.

سوريا أثبتت عُروبتها مُجَدَّدًا، ووقوفها إلى جانب الأشقّاء لمُساعدتهم لمُواجهة المِحَن والأزَمات التي يُواجهونها، رُغم الحِصار الأمريكي الخانق الذي تُواجهه تحت ما يُسمّى قانون “قيصر”، مثلما أثبتت ترفّعها على الصّغائر، عندما وافقت على مُرور الغاز المِصري، والكهرباء الأردنيّة، واستِقبال الوفد اللّبناني الزّائر، رُغم أنّ هذا الغاز، وهذه الكهرباء هي بحاجةٍ ماسّةٍ إليها أيضًا، في ظِل أزَمة المحروقات التي تُواجهها مُنذ سنوات.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com