أربعة أسباب تَكمُن خلف حالة الرّعب التي تسود تل أبيب بسبب هزيمة أمريكا وانتِصار طالبان.. ما هي؟ ولماذا العُمَلاء الأفغان الذين تعلّقوا بعجلات الطّائرات الأمريكيّة في مطار كابول قد يكونون أفضل حظًّا من نُظرائهم المُستَوطنين في فِلسطين المُحتلّة..!
بقلم/ عبدالباري عطوان
تُراقِب القِيادة الإسرائيليّة بشقّيها السّياسي والعسكري تطوّرات الأوضاع الرّاهنة في أفغانستان بقَلقٍ غير مسبوق، خاصّةً أنّها لم تتعاف بعد من حالة الصّدمة التي لَحِقَت بها من جرّاء حرب غزّة (سيف القدس) التي مُنِيَت فيها بهَزيمةٍ عسكريّة ومعنويّة.
يُمكِن تلخيص هذا القلق وشرح أسبابه في النّقاط التّالية:
أوّلًا: انتِصار حركة طالبان الإسلاميّة الأُصوليّة بعد عشرين عامًا من المُقاومة للاحتِلال الأمريكي، وانتقامًا لتدمير إمارتها الإسلاميّة الأُولى التي تأسّست عام 1996.
ثانياً: ردّ الاعتِبار بصيغةٍ جديدةٍ أقرب إلى ثقافة المُقاومة في وَقتٍ ازدهرت فيه ثقافة الاستِسلام والتّطبيع في الكثير من الدّول العربيّة والإسلاميّة، والخليجيّة خاصَّةً.
ثالثًا: تنامي العُلاقة بين حركة طالبان المُنتَصرة وحركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” نظيرتها في فِلسطين المُحتلّة، واتّصال السيّد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السّياسي للحركة الفِلسطينيّة، برئيس الحركة الأفغانيّة الملا عبد الغني برادر مُهَنِّئًا بهزيمة الولايات المتحدة الأمريكيّة، ونُؤكِّد أنّ اتّصالات سريّة وعلاقات شخصيّة تمّت بين الرّجلين أثناء تواجدهما سَويًّا في الدوحة.
رابعاً: الهزيمة الكُبرى التي لَحِقَت بالولايات المتحدة، وتضاعفت أخطارها بالمشهد الفضائحي المُعيب في مطار كابول ودلالاته، وخاصَّةً الشّق المُتَعلِّق بتخلّي أمريكا عن عُملائها، وتركهم يُواجِهون الدّهس تحت عجلات الطّائرات، أو السُّقوط منها بعد إقلاعها، وهو مَشهَدٌ وصفه الرئيس الألماني بالعار لأمريكا والغرب.
من المُؤكَّد أنّ الإسرائيليين كانوا الأكثر قلقًا ورُعبًا من مُتابعة المنظر المأساوي لعُملاء أمريكا في مطار كابول، وبدأوا يتَحسَّسون رؤوسهم لأنّهم قد يُواجِهون الموقف نفسه فيما هو قادمٌ من الأيّام، مع فارقٍ رئيسيّ عدم وجود مطار يهربون منه، أيّ الإسرائيليين، إلى الملاذات الآمنة في أوروبا وأمريكا.
نشرح أكثر هذه النّقطة بالتّذكير بأنّ حرب غزّة التي استغرقت 11 يومًا، حقّقت سابقةً خطيرةً جدًّا تتمثّل في إغلاق صواريخ المُقاومة لجميع المطارات الإسرائيليّة، ممّا أحدث شَللًا وحِصارًا كامِلًا على دولة الاحتِلال، ومنع القُدوم أو المُغادرة مِنها وإليها.
الهزيمة الأمريكيّة في أفغانستان، وانهِيار الحُكومة، الأفغانيّة والجيش، وهرَب الرّئيس بأمواله، وإجلاء الدّبلوماسيين والرّعايا الأجانب، كلّها عناصر سيناريو قد يتَكرَّر قريبًا في العِراق وسوريا، ممّا سيُبقِي على “إسرائيل” دولة احتِلال وحيدة في العالم بأسْرِه، كما أنّ هذه الهزيمة وكُل فُصول مشاهدها قد تكون “بروفة” لهَزيمةٍ قادمةٍ لها في ظِل ازدِياد قوّة محور المُقاومة في حُدودها من الجِهات الثّلاث.
الرئيس الأمريكي جو بايدن أكّد في خِطابه الذي ألقاه بعد اكتِمال فُصول الهزيمة، أنّه لن يدفع بأيّ جُندي أمريكي واحد إلى الموت دِفاعًا عن شعب دولة هرب رئيسها، ويُمكِن أن يُكَرِّر الرئيس الأمريكي الذي سيَخلِفهُ العبارة نفسها إذا ما تكرَّر المشهد نفسه في دولة الاحتِلال الإسرائيلي فيما هو قادِمٌ من أيّام.
الهزيمة المُذلِّة للولايات المتحدة عسكريًّا وسياسيًّا وأخلاقيًّا، أكّدت أنّ الدّور الوظيفي لأمريكا كشُرطي العالم سقَط في ظِل تراجعها في جميع الجبَهات، وصُعود قِوى عالميّة وإقليميّة جديدة على رأسِها التّحالف الصيني الروسي عالميًّا، وإيران والهند وباكستان وتركيا إقليميًّا.
العصر الأمريكي يَلفُظ أنفاسه الأخيرة سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، وانتِصاراتها التي حقّقتها في الثّمانينات والتّسعينات على الإمبراطوريّة الشيوعيّة المُنهارة أساسًا، وجدار برلين، وثورة السّليكون، كُلّها تبَخَّرت كُلِّيًّا، وخرج من وسَط رمادها قِوى عملاقة بديلة.
“إسرائيل” التي كانت أكبر المُتَمَتِّعين “بفضائل” العصا الغليظة للشّرطي الأمريكي في الشّرق الأوسط ربّما تكون هي وحُلفاؤها المُطَبِّعين العرب، أكثر الخاسرين من هذه المُتغيّرات المِحوريّة، ولن يَجِد مُستوطنوها مطارات أو طائرات ليتَعلّقوا بعجلاتها عندما تحين لحظة الهُروب الكبير.. والأيّام بيننا.