إن الحديث عن “عمر الجاوي” الشخصية الوطنية المناضلة والتي ينبغي ان تورّث خصالها للاجيال القادمة , هو حديث عن الإرث المجيد الذي نعتزّ به ونفخرفي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين , ولان الامر كذلك فإننا وعلى الرغم من الظروف المأساوية الدموية التي نمر بها نتفيأ ظلال روحه المحلقة في عليائها ونستلهم من قبسها ذلك الوهج الذي تبثه في أرواحنا عزما وبسالة .
أي عمر, لقد غمرتنا بكبريائك , ومجدك لأنك قامة استثنائية في زمن الجدب قامة تنحني لها المحكّات , كنت صوت الحق في زمن الباطل والبهتان , كنت ضمير الشعب , زعيما وطنيا لايبارى في وطنيته , كنت مناضلا نقابيا ووأديبا وصحفيا ثائرا مبدعا .رجل مبادرات وإيثار. لروحك السلام في عليائها , إن الحديث عنك هو حديث عن قصة هذه البلاد , لأن روحك قد تماهت معها منذ ولادتك في قرية الوهط بمحافظة لحج، ( جنوب) في العام 1938م، ثم انتقالك الى تعز ( شمال ) ,- لقد كنت موحدا منذ صباك – , ثم سفرك الى مصر المحروسة لتدرس مرحلتي الإعدادية والثانوية و لتسهم بفعالية في تأسيس اتحاد الطلبة اليمنيين عام 1956 , الى ان غادرت مصر بصورة قسرية بسبب ظهور وتنامي ميولك اليسارية , أنت وعدد من زملائك في تلك المرحلة . وصولا الى سفرك مرة أخرى من تعز الى “الاتحاد السوفيتي “لتدرس في موسكو الصحافة , ثم عودتك بعد الحصول على شهادة الماجستير عام 1966 , لقد كنت ياسيدي جامعا للمجد من أطرافه منذ بواكير سيرتك العطرة ( جهويا , وطنيا , عربيا , أمميا ) . وهو الأمر الذي تجلى في باقي مسيرتك في السنوات اللاحقة حيث تصدرت في العام 1967م رأس تحرير صحيفة «الثورة»، وشاركت في تأسيس أول وكالة أنباء يمنية في منتصف الستينيات .
وكنت من الرعيل الأول من مؤسسي اتحادنا العتيد اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين في سبعينيات القرن الفارط وترأسته لاحقا , كنت حكيما كالشمس فيما دونت من كتب في الصحافة والشعر والترجمة , وكانت حكمة الاتحاد ( المجلة ) تكتفي بافتتاحيتها التي كنت تخطها بحكمة وايمان حقيقي تهتز له عروش السلطة اليمنية في الشمال وفي الجنوب , كنت النخلة الوارفة الظلال التي نتفيأ بها , كنت زاهدا في المناصب والامتيازات والكراسي التي يتمتع بها معظم أدعياء النضال في السلطة والمعارضة و كنت شجاعا مقداما في عرض آرائك والمجاهرة بها والدفاع عنها , رائعا في اصطفافك الى جانب قضايا الحق والخير والجمال , غير آبه لما قد يحدث لك بسبب ذلك الاصطفاف .
نم ايها الحبيب فمثلك لايموت لأنه شعاع شمس تطل على روابي البلاد كل يوم . نفتقدك كثيرا ياصاحبي , ان غيابك ملآن بالحضور . نم ايها الأعزل الا من صوت الشعب .
– الأعزل في غيابه –
حاضر كالسرعة في الجريان
كالمباغتة في السواحل التي لا رادع لها
كالتفريط في محبة الآخر ….
لكنه لعنة كالغد ….
و ليلة تحتطب الجميع. ” *
لم يعرف الوهن والخوف في حياته ولهذا يظل اسم ” العم ” عمر الجاوي كما ألفنا ان نسميه , خالدا في عروق الحركة الوطنية , وافكاره ينبوع ضوء لنا , في هذا الزمن الحالك السواد لقد غادرنا جسدا في 23 ديسمبر 1997 في مدينة عدن الباسلة المبروكة لكن روحه لمّا تزل ترفرف على البلاد كلها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
*من نص مشترك بعنوان : ( حق الأعزل ) للشاعرين مبارك سالمين و جمال الرموش
قصيدة مهداة إلى السقّافين : أبي بكر السقاف وعمر الجاوي .