كيف فضح شابان عربيان جزائري وسوداني افلاس عملية التطبيع ووجها صفعة قوية للمطبعين الرسميين العرب القدامى منهم والجدد؟ ولماذا اختارا الكرامة والوطنية على الميداليات الذهبية والفضية واحلام العمر؟ وهل تقتدي بهما زميلتهما السعودية ام تمنعها حكومتها؟

2٬599

بقلم/ عبد الباري عطوان

وجه اللاعبان الجزائري فتحي نورين والسوداني محمد عبد الرسول صفعة قوية للمطبعين، العرب الجدد والقدامى، عندما رفضا بإباء وشمم مصافحة خصميهما الإسرائيليين ومنازلتهما في دورة طوكيو للألعاب الاولمبية، واعلنا انسحابهما من المسابقة، وانتصارهما للقضية العربية المركزية الأولى، وقيم العروبة والإسلام، والمأمول ان تسير على خطاهما زميلتهما اللاعبة السعودية تهاني القحطاني التي من المفترض ان تقابل غريمتها الإسرائيلية راز هيرشكو يوم بعد غد الجمعة، وقرارها سيكون مؤشراً على موقف حكومتها من التطبيع سلباً او إيجاباً.

تخيلوا معي ان يُقدم شابان عربيان مسلمان في مقتبل العمر وريعان الشباب، مشاعرهما الوطنية والأخلاقية وثوابتهما الدينية والعربية والتخلي عن احلامهما بالفوز بالميداليات الذهبية والفضية، ويتخذان هذه الخطوة المشرفة وكان لسان الشاب نورين بليغا ومعبرا عندما سُئل عن دوافعه لاتخاذ هذا القرار بقوله “انني لا اريد ان الوث يدي بمصافحة خصمي الإسرائيلي وقررت الانسحاب”.

هناك سوابق عديدة في هذا المضمار يصعب سردها في هذا الحيز الضيق، ولكننا لا يمكن ان ننسى في هذه العجالة الرياضي المصري سلام الشهابي الذي اتخذ الموقف نفسه، ورفض مصافحة، ومنافسة غريمه الإسرائيلي اور ساسون في دورة أولمبياد ريو عام 2016، وأثار ضجة عالمية كبرى رغم معاهدة “السلام” التي وقعتها حكومته مع “إسرائيل” وقيل في حينها انه رفض ضغوطاً كبيرة من مدربه للتراجع عن قراره.

هذه المواقف الوطنية المتعاظمة، والمتزايدة، تؤكد زيف معاهدات السلام، وكل الادبيات المروجة للتطبيع، ورفض الغالبية الشعبية الساحقة لها، وبقاءها باردة معلبة على ارفف الحكومات التي وقعتها فقط، ولنا في الشعوب المصرية والاردنية والفلسطينية وأخيرا المغربية والبحرينية والاماراتية والسودانية خير مثال.

الكرامة الشخصية والوطنية اغلى بكثير من كل ميداليات الذهب والفضة الملوثة بدنس التطبيع، هذه هي الرسالة التي أراد اللاعبان الجزائري والسوداني ان يوجهانها ليس فقط الى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وانما أيضا الى الحكومات العربية المطبعة، ولكل الأجيال القادمة من اللاعبين الشبان من مختلف الدول العربي والاسلامية.

صحيفة “يديعوت احرونوت” الإسرائيلية كانت مصيبة تماما عندما وصفت انسحاب هذين اللاعبين بأنه مؤشر على افلاس عملية التطبيع مع الدول العربية، فقبل أسابيع صوت مندوبا السودان والبحرين لصالح قرار في المجلس العالمي لحقوق الانسان يطالب بتشكيل لجنة تحقيق في جرائم الحرب الاسرائيلية في قطاع غزة اثناء عدوان الـ 11 يوما الأخير، الامر الذي أصاب حكومة الاحتلال بخيبة الامل، خاصة ان تطبيع البلدين ما زال طري العود، وفي اشهره الأولى.

“صندوق ابراهام” الذي اسسه ترامب وصهره كوشنر لتمويل مشاريع التطبيع اغلق ابوابه، وخط انابيب “ايلات عسقلان” الذي كان من المفترض ان ينقل 400 الف برميل يوميا من النفط الاماراتي الى الناقلات العملاقة في مينائي حيفا واسدود على البحر المتوسط، وكان من المفترض ان يكون بديلا لقناة السويس ويأخذ 16 بالمئة من وارداتها، جرى تجميده، وربما الغائه، بحجة اخطاره على البيئة (الشعب المرجانية في البحر الأحمر)، حسب الإعلان الرسمي، لكن هناك رواية غير رسمية تقول ان الاحتجاجات الرسمية المصرية هي السبب الحقيقي.

ختاما نتقدم بكل الشكر، والتهاني الحارة في الوقت نفسه الى الشابين السوداني والجزائري على موقفيهما المشرفين، والسير بثقة وصلابة على درب الكرامة بقوة وثبات، وتلقين الحكومات العربية المطبعة اقوى الدروس في هذا الميدان، ومن المؤكد انه ليس مئات الملايين من العرب والمسلمين يرفعون رؤوسهم عاليا افتخارا بهم فقط، وانما مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والاسرى أيضا، وهذا تكريم اضخم وابقى من كل الميداليات.

اللاعبان البطلان فتحي نورين ومحمد عبد الرسول ليسا الاولين ولن يكونا الأخيرين، فالأمة ولادّة بالرجال الرجال الذين يضحون بأرواحهم ودمائهم، وليس بالميداليات فقط، من اجل قضاياهم العادلة، وانتصار غزة الأخير كان اول الغيث.. والأيام بيننا.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com