جهنّم تنتقل إلى لبنان وليس العكس.. كيف يحفظ جيشه الأمن والاستِقرار وهو يستجدي “حرفيًّا” رغيف الخبز من فرنسا وأمريكا؟ ولماذا نَجْزِم بأنّ المُشاورات النيابيّة المُقبلة قد لا تَجِد البديل للحريري؟ وهل الجُوع أقصر الطُّرُق لرأس المُقاومة؟ ومتَى نهايته؟
بقلم/ عبد الباري عطوان
ترأس الرئيس اللبناني ميشال عون يوم الاثنين المجلس الأعلى للدّفاع الذي يَضُمّ كِبار القادة العسكريين والأمنيين، وناقش معهم عدّة قضايا أبرزها جُهوزيّة القِوى العسكريّة والأمنيّة للمُحافظة على الأمن والاستِقرار وهذا مُجَرَّد تمنّيات، فالمسألة أكبر من الجيش والقِوى الأمنيّة، فكيف يُمكِن أن يحفظ جيش الاستِقرار، ويُسيطِر على الأمن ومُرتّب ضبّاطه انكمش إلى 80 دُولارًا شهريًّا، وتَستجدِي قيادته العُليا المُساعدات من أمريكا وفرنسا والسعوديّة ليَسُدّ جُوعه، وهو أمْرٌ لم يَحدُث في أيّ مكانٍ آخَر في العالم وعلى مَرِّ العُصور.
تسعة أشهر والسيّد سعد الحريري مُكَلَّفٌ بتشكيل الحُكومة، قضاها مُتَنقِّلًا بين فرنسا وأمريكا وعواصم عربيّة وعاد إلى لبنان فجأةً ليس من أجل أن يحل أزمة بل لكيّ يُفَجِّرها، ويُقَدِّم اعتِذاره عن فشله تشكيل الحُكومة، مُحَمِّلًا الرئيس عون، والسيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله مسؤوليّة هذا الفشَل.
بَلَدٌ تذهب فيه سفيرتا فرنسا وأمريكا إلى الرياض للتّشاور مع قِيادتها على كيفيّة الخُروج من الأزمة السياسيّة وتشكيل حُكومة قرارها مَرهونٌ للخارج، وهاتان السّفيرتان ودولتيهما هُما الحُكّام الفِعليين، ولا تملك نُخبته السياسيّة، ومُعظم أحزابه، وتكتّلاته، الاستقلاليّة والحدّ الأدنى من القرار السّيادي الذي مِن المُفترض أن يُقَدِّم مصلحة لبنان على كُلّ المصالح الشخصيّة والطائفيّة الأُخرى.
مُعظم المُحلّلين والسّياسيين في لبنان يتَوقّفون عند القضايا الصّغيرة والثّانويّة، ويخرجون من استوديو تلفزيون إلى آخر، يُكَرِّرون الطُّروحات والتّحليلات نفسها، ولا يقتربون من القضيّة الجوهريّة التي تَقِف خلف جميع أزَمات لبنان على مدى أكثر من عشرين عامًا وهي مُعضلة سِلاح المُقاومة اللبنانيّة حاليًّا، مثلما كان سِلاح المُقاومة الفِلسطينيّة قبلها.
نعم.. يُوجَد مأزقٌ سياسيّ في لبنان لا جِدال في ذلك، ولكنّه مأزقٌ من صُنع أمريكا وفرنسا وإسرائيل بأدواتٍ داخليّة، وغِطاء إقليمي عربي، ولن يتم الوصول إلى مخرج منه إلا إذا تَمّ نَزعُ سِلاح حزب الله، وتوفير الاطمِئنان لدولة الاحتِلال، وترسيم الحُدود بِما يضمن لها الحصّة الأكبر من نفط وغاز اللّبنانيين.
تفجير مرفأ بيروت كانَ الإنذار الأول المُمَهِّد للانفِجار الأكبر في لبنان، وعندما لم يُعطِ هذا الإنذار مَفعوله، ويُوصِل الرّسالة إلى أصحابها المُستَهدفين، بدأت عمليّات التّجويع والتّركيع وخلق الأزمات للشّعب اللّبناني وتحويل 80 بالمِئة منه تحت خطّ الجُوع، والقادم أعظم.
سوريا تعيش حربًا مُنذ عشر سنوات تُشارك فيها أكثر من 65 دولة بزعامة أمريكا وأكثر من 30 بالمِئة من أراضيها واحتِياطاتها من الغاز والنّفط تحت الاحتِلال الأمريكي وعُملائه، ومع ذلك صمَدت عُملتها واستَقرّت تحت 3000 ليرة للدّولار، بينما فقدت نظيرتها اللبنانيّة أكثر من 90 بالمِئة من قيمتها في أشهرٍ معدودة، والأهم من ذلك أنّهم، أيّ الأمريكان، فَشِلُوا في إسقاط النّظام السوري بالحرب، وضخ 150 مِليار دولار، بينما أسقطت أمريكا النّظام اللّبناني دُونَ أن تُطلِق رصاصةً أو تدفع دُولارًا.
ليس صُدفةً أن تُجري القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة المُناورة تِلو الأُخرى قُرب الحُدود اللبنانيّة الجنوبيّة وفي المِياه اللبنانيّة في البحر المتوسّط، ويُهَدِّد رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد باجتِياحٍ برّيٍّ للبنان على غِرار عام 1982، فالسّيناريو القادم قد يتَكوّن من شقّين، الأوّل استِنزاف المُقاومة في حَربٍ أهليّة، أو باجتِياحٍ إسرائيليّ برّي وجوّي بغِطاءٍ أمريكيّ فرنسيّ، أو الاثنان معًا.
الطّبقة السّياسيّة اللبنانيّة التي هُناك إجماع على فسادها وعَفَنِها لن ترحل طَوعًا، وإنّما جَبْرًا، ولهذا تلتقي جميع أطيافها على أرضيّة استِمرار التّأزيم واستِفحال الفوضى وصولًا للانفِجار الشّعبي المَأمول، فلا تَنقُصها المِليارات ولا التّحشيد الطّائفي، ولا الأسياد، في الغرب.
خُذوها مِنّا صريحةً وواضحةً: ستَتعثّر المُشاورات النيابيّة لإيجاد بديل للسيّد الحريري، وتشكيل حُكومة إنقاذ للبنان التي من المُفتَرض أن تبدأ الاثنين المُقبل، طالما أنّ هُناك 150 ألف صاروخ، نسبة كبيرة منها دقيقة، ما زالت تُشَكِّل سيفًا مُسَلَّطًا على رُؤوسِ الإسرائيليين، وتَقُضّ مضاجعهم، ومن يَقِفُون خلف مشروعهم، وماذا يُمكِن أن يفعل أيّ رئيس وزراء جديد أكثر ما يفعله حاليًّا حسان دياب، طالما أنّ النُّخبة نفسها، والبرلمان نفسه، والمُؤامرة نفسها؟
الأسابيع والأشهر المُقبلة ستُؤكِّد ما نقول.. والأيّام بيننا.