هل سيَلجأ “حزب الله” إلى النّاقلات الإيرانيّة كخِيارٍ أخير لإنقاذ اللبنانيين من الموت جُوعًا أو عَطَشًا؟ وكيف سيكون الرّد الأمريكي الإسرائيلي.. ضربها في عرض البحر وإشعال فتيل حرب إقليميّة بالتّالي؟ ولماذا قد يكون استِشارات الرئيس عون البرلمانيّة المُؤشِّر لمُفاجآت المرحلة المُقبلة..!
بقلم/ عبدالباري عطوان
لم نُبالغ عندما قلنا في مقالةٍ سابقة نشرناها في هذا المكان قبل أسبوع بأنّ اعتِذار السيّد سعد الحريري عن عدم تشكيل الحُكومة اللبنانيّة الجديدة يأتي بتَحريضٍ أمريكيّ لزيادة حدّة التّأزيم في البِلاد، وبِما يُسَرِّع من انفِجار الحرب الأهليّة لاستِنزاف المُقاومة، وإشغالها عن الخطر الإسرائيلي الأكبر الذي يُهَدِّد لبنان والمنطقة، فحزب الله وصواريخه هو قوّة الرّدع الأكبر لهذا الخطر.
اليوم الجمعة حدَث تطوّران مُهِمّان يُؤكِّدان فصلين جديدين من فُصول هذا السّيناريو:
الأوّل: تحذير منظمة “اليونيسف” التّابعة للأمم المتحدة من انهِيارٍ وشيكٍ جدًّا في شبكة إمدادات المِياه نتيجة توقّف مضخّاتها عن العمل لعجز الحُكومة عن تسديد تكاليف الصِّيانة بالدّولار، ونفاد المحروقات اللّازمة لتشغيلها، ممّا يعني أن أربعة ملايين لبناني ومِليون لاجِئ سيُواجِهون احتِمالات الموت عَطَشًا، والكلام لليونيسف.
الثّاني: تحذير اتّحاد المخابز من حُدوث أزمة خبز طاحنة اعتِبارًا من أوّل الأُسبوع المُقبل، نتيجة توقّف المخابز لعدم توفّر المازوت، وإذا توفّر ففي السّوق السّوداء وسعره ثلاثة أضعاف السِّعر الحُكومي (أيّ دولارين تقريبًا).
بعد انهِيار قطاع الكهرباء والاتّصالات، ووصول سعر اللّيرة إلى 25 ألفًا مُقابل العُملة الأمريكيّة، بات الشّعب اللبناني أو أكثر من 80 بالمئة منه تحت خطّ الفقر، ومُواجهة الموت عَطَشًا أو جُوعًا أو الاثنين معًا.
الإدارة الامريكيّة الجديدة وعُملاؤها في المنطقة، والدّاخل اللّبناني تحديدًا يَقِفون خلف هذا المخطّط التّأزيمي، فهذه الإدارة التي باتت سفيرتها في بيروت تتصرّف كمندوب سام تُوَزِّع الأوامر على مُعظم النّخبة السياسيّة في لبنان، وتُحَرِّض على الحرب الأهليّة بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر، وتُسافِر إلى الرياض لبحث الأزمة اللبنانيّة مع المسؤولين فيها، هذه الإدارة هي التي تمنع وصول المحروقات إلى لبنان، وتُهَدِّد بفرض عُقوبات قاسية في حالِ استِيراده للنّفط الإيراني لحلّ الأزمة.
السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله أعلن في أكثر من خطاب في الأيّام الأخيرة عن استِعداده لترتيب وصول ناقلات نفط إيرانيّة إلى مرفأ بيروت مُحَمَّلة بملايين البراميل من المازوت والبنزين ودفع قيمتها باللّيرة اللبنانيّة، ولكنّ الحُكومة اللبنانيّة رفضت هذا العرض خَوفًا من العُقوبات الأمريكيّة.
هُناك أنباء تتردَّد بقوّة هذه الأيّام في بيروت تُؤكِّد أنّ اللُّجوء إلى ناقلات النّفط إلايرانيّة قد يكون بمثابةِ آخِر العِلاج لمنع حُدوث الكارثة، وإنقاذ الشّعب اللبناني، ووضع حَدٍّ لآلامه التي لم تَعُد تُطاق.
والسّؤال الذي يطرح نفسه يظَل يدور حول ردّ الفِعل الأمريكي والإسرائيلي المُتَوقَّع في هذه الحالة، وهل سيتم احتِجاز هذه السّفن في البحر، أو قصفها في مرفأ بيروت، وكيف سيكون ردّ إيران وحزب الله على أيّ هُجوم؟
لا نملك أيّ إجابة على هذه الأسئلة الافتراضيّة، ولكن ما نعرفه أنّ أيّ مُحاولة لضرب هذه النّاقلات أو احتِجازها سيُواجَه بِرَد فِعلٍ قويّ، تمامًا مثلما حدث عندما حاولت السّفن والطّائرات الأمريكيّة اعتِراض ناقلات إيرانيّة تحمل نِفْطًا إلى ميناء بانياس السوري، في ذروة أزمة محروقات مُماثلة، حيث رافقت سُفُن حربيّة روسيّة هذه النّاقلات لحِمايتها من أيّ اعتِداء، ووصلت الرّسالة، وابتَعلت الحُكومتان الأمريكيّة والإسرائيليّة تهديداتهما، واختَفت أزمة المحروقات، وتراجع طُول طابور السيّارات أمام محطّات الوقود السوريّة.
“حزب الله”، وحسب معلومات مصادر مُقرَّبة من قيادته أكّدت لنا أنّ قيادته واعية تمامًا لهذا السّيناريو الأمريكي، ولهذا لن تنجر إلى مِصيَدته الكُبرى، أيّ الحرب الأهليّة، وتَهبِط إلى مُستَوى الأدوات المحليّة التي قد تُشْعِل فتيلها، ولكنّها ستَرُد على رأسِ الأفعى، أيّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي، ولعلّ إطلاق صاروخيّ كاتيوشا قبل العيد على مُستوطنات إسرائيليّة في الشّمال الفِلسطيني المُحتَل، هو أحد الإنذارات المُهِمَّة في هذا المِضمار.
بعد انتِصار “سيف القدس” الكبير والتّاريخي، وإلحاق فصائل المُقاومة الفِلسطينيّة في قِطاع غزّة هزيمة مُذلّة بجيش الاحتِلال، وإجبار قِيادته على الهرولة إلى واشنطن والقاهرة استِجداءً لوقفٍ سريع لإطلاق النّار، لم يَعُد قرار إعلان الحرب أو وقفها في يد الإسرائيليين وإنّما في يد رجال محور المُقاومة، وإنّ حاجِز الخوف أو التَّردُّد من تَبِعات البَدء في إطلاق الصّواريخ قد انكَسَر.
المُقاومة اللبنانيّة التي هزمت إسرائيل مرّتين، الأُولى عام 2000 والثّانية عام 2006 لن تسمح بمَوتِ اللّبنانيين جُوعًا أو عَطَشًا، وإلا ما فائدة سِلاحها في هذه الحالة، ولا نَستبعِد أن يكون الأُسبوع المُقبل أُسبوع الحسم في لبنان ولعَلّ الاستِشارات التي سيُجريها الرئيس عون مع الكُتَل البرلمانيّة اللبنانيّة ستَكون البلّورة السّحريّة التي قد تُعطِي المُؤشّرات أو التّنبّؤات لملامح المرحلة المُقبلة، تهدئةً أو حربًا.. واللُه أعلم.