هل ستتحقّق نُبوءة بايدن بمنع إيران من إمتلاك أسلحة نوويّة؟ ولماذا بدأ اسم نائبته هاريس يتردّد كبَديلٍ وشيك على أرضيّة حرب الاستِنزاف في العِراق؟ وكيف نقرأ تداعيات الضّربة “الحشديّة” الانتقاميّة في حقل “العمر” النّفطي السوري..!
بقلم/ عبد الباري عطوان
نُبوأتان مُتّصلان صدرا الأُسبوع الماضي عن رئيسين، الأولى لجو بايدن رئيس الدولة الأعظم (حتّى الآن) في العالم التي قال فيها إنّه لن يسمح لإيران بامتِلاك أسلحة نوويّة طالما بقي في البيت الأبيض، أمّا الثّانية فجاءت على لسان السيّد إبراهيم رئيسي، رئيس إيران الدّولة الإقليميّة العُظمى، التي أكّد فيها أنّه لن يلتقي الرئيس بايدن، ويُصافحه بالتّالي، حتّى لو تمّ التوصّل إلى اتّفاقٍ في مُفاوضات فيينا للعودة إلى الاتّفاق النووي مع إيران
فُرص تحقّق هاتين النبوءتين تبدو كبيرةً للغاية لثلاثة أسباب:
الأوّل: تتزايد التّقارير الصحافيّة التي صدر آخِرها عن مجلّة “ناشونال إنترست” التي تُفيد أنّ صحّة بايدن تتزايد تدهورًا، وأنّ قُدرته على التّركيز تَضعُف وتتآكل لتقدّمه في السّن (حواليّ 79 عامًا)، واحتِمالات نقل السّلطة إلى نائبته كاميلا هاريس تتزايد.
الثّاني: أنّ الرئيس الإيراني المُنتخب رئيسي لن يُصافِح نظيره الأمريكي فِعلًا، سواءً تنازل عن السّلطة أم لا، لأنّ إيران تحت قيادته، وبدَعمٍ من المُرشد الأعلى السيّد علي خامنئي، باتت في قبضة “الجناح الثّوري” الذي يُعارض العودة إلى الاتّفاق النووي مع الدّول السّت العُظمى، والعودة بالتّالي إلى مرحلة ما قبله، أيّ تخصيب اليورانيوم بدَرجاتٍ أعلى، وامتِلاك تكنولوجيا إنتاج القنبلة النوويّة كقُوّة ردع، ولهذا يُطالب بتنازلاتٍ “تعجيزيّة” من الطّرف الأمريكي.
الثّالث: الولايات المتحدة باتت تُواجه تحدّيات خطيرة جدًّا من قِبَل الحلف الصيني الروسي القويّ، الذي باتت إيران أحد أضلاعه الأربعة الرئيسيّة (الضّلع الرّابع كوريا الشماليّة) ولهذا تحتاج قيادة قويّة قد تتجسّد بالسيّدة هاريس نائبة الرئيس.
تبادل القصف المدفعي والصّاروخي وبالطّائرات المُسيّرة الذي وقع في الأيّام القليلة الماضية على الحُدود العِراقيّة السوريّة بين الولايات المتحدة وفصائل في الحشد الشعبي العِراقي المدعوم من إيران يُؤكّد أنّ الولايات المتحدة تَنْجرِف بسُرعةٍ إلى حربِ استِنزافٍ، مُباشرةٍ أو غير مُباشرة مع إيران، ودُون مُشاركة أو مُصادقة الكونغرس، الأمر الذي أثار القلق في أوساط السّلطة التشريعيّة الأمريكيّة، والجناح الدّيمقراطي فيها خاصّةً.
أكثر ما يُقلِق المُشرّعين الأمريكيين في الكونغرس عدّة أمور أبرزها أنّ دائرة هذه الصّدامات تتوسّع وتتضخّم مِثل كُرَة الثّلج مع تقدّم الأيّام، وتدخل مُعادلة الانتِقام والانتِقام المُضاد الأخطر، والأمر الآخَر أنّ فصائل الحشد الشّعبي العِراقي التي يلعب هذا الحشد رأس الحربة فيها، باتت تملك صواريخ دقيقة، وطائرات مُسيّرة مُتطوّرة جدًّا مُجهّزة بمعدّات تكنولوجيّة تجعل من الصّعب رصدها، وبالتّالي تدميرها قبل الوصول إلى أهدافها.
القوّات الأمريكيّة الموجودة في العِراق حاليًّا (2500 جندي) تنحصر مهمّتها حسب الرّواية الرسميّة في مُواجهة تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”، واضحًا أنّها أصبحت تُواجه عدوًّا أخطر وأحدث تسليحًا، أيّ الحشد الشّعبي العِراقي، الأمر الذي سيضع القِيادة الأمريكيّة أمام خِيارين، الأوّل: زيادة عدد هذه القوّات ممّا يعني خسائر أكبر، وهذا مُستَبعدٌ والثّاني، تكثيف وتصاعد الغارات الجويّة والصّاروخيّة، ممّا يعني التّورّط في حَربٍ بالنّيابة ضدّ إيران، وهذا الخِيار هو الأكثر ترجيحًا.
حرب إخراج القوّات الأمريكيّة ليس من العِراق فقط، وإنّما من سوريا أيضًا، قد بدأت وبغطاءٍ روسيّ ودعمٍ صينيّ، والضّربة الأخيرة والأحدث التي استهدفت “حقل العمر” النّفطي والغازي شرق مدينة دير الزّور، من قِبَل وحَدات تابعة لفصائل في الحشد الشّعبي، هي المُؤشِّر الأوضح والأخطر في هذا المِضمار.
التوتّر يتصاعد، والتورّط الأمريكي في “حربِ استنزافٍ ساخنة” يتعمّق، واحتِمالات التوصّل إلى اتّفاقٍ نوويّ تتّجه هُبوطًا بسُرعةٍ نحو الصّفر، والحُدود السوريّة العِراقيّة قد تتحوّل إلى مِصيَدةٍ قاتلة لأمريكا وحُلفائها، سواءً داخِل البلدين، أو في منطقة الشّرق الأوسط برمّتها.. وانتَظروا الجولة المُقبلة والوَشيكة من المُواجهة.. والأيّام بيننا.