لماذا تنشر حكومة “إسرائيل” الجديدة وثائق تدمير مفاعل تمّوز النّووي العِراقي الآن؟ هل هي رسالة تحذير من هُجومٍ وشيك على المُفاعلات الإيرانيّة؟ وكيف سيكون ردّ فِعل صدّام لو اطّلع عليها؟ وما هي الأسباب الأربعة التي تَكشِف النّوايا الحقيقيّة للرئيس “الثّوري” الإيراني الجديد..!
بقلم/ عبد الباري عطوان
أربعة تطوّرات مُهمّة لها علاقة بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر، بالمِلَف النووي الإيراني ومُفاوضاته بعد فوز “الثّوري” السيّد إبراهيم رئيسي في الانتِخابات الرئاسيّة يوم الجمعة الماضي، وسنشرح أسبابنا لاحقًا.
الأوّل: إقدام الحُكومة الإسرائيليّة الجديدة على نشر حُزمة من الوثائق والصّور المُتعلّقة بغارتها الجويّة على مفاعل تمّوز العِراقي (أوزيراك) في السّابع من حزيران (يونيو) عام 1981 الذي كانت إسرائيل تخشى من استِخدام الرئيس العِراقي الراحل صدام حسين لإنتاح وتطوير أسلحة نوويّة.
الثّاني: إعلان الرئيس الإيراني الجديد السيّد رئيسي بأنّه لن يلتقي الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن سواءً تمّت العودة للاتّفاق النووي أو لم تتم.
الثّالث: تصريح “غامض” لمسؤول إيراني نقلته وكالة “رويترز” الدوليّة يقول فيه إنّ حُكومة بلاده ستُقَرِّر الخميس ما إذا كانت ستُمَدِّد الاتّفاق مع وكالة الطّاقة الذريّة حول تفتيش مُنشآتها النوويّة أمْ لا.
الرابع: استِيلاء الحُكومة الأمريكيّة تنفيذًا لقرار قضائي على 36 موقعًا إلكترونيًّا تابعًا لمنصّات تابعة أو مُموّلة من قبل إيران، من بينها قناة العالم الإخباريّة، وقناة المسيرة اليمنيّة وقناة اللؤلؤة البحرينيّة المُعارضة.
نشر الحُكومة الإسرائيليّة وثائق قصف مفاعل تمّوز النّووي قبل أربعين عامًا، لا يُمكِن أن يكون من قبيل الصّدفة، ويأتي في اعتِقادنا في إطار الحرب النفسيّة الإسرائيليّة المُتصاعدة ضدّ إيران، وربّما رسالة تحذير قويّة أيضًا، لتزامن هذه الخطوة مع تصريحات وردت على لِسان نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الجديد، هدّد فيها بأنّه لن يسمح لإيران بامتِلاك أسلحة نوويّة وأُخرى أكثر وضوحًا، على لِسان الجِنرال بيني غانتس، وزير الحرب، أكّد فيها “أنّ انتِخاب رئيسي المُتطَرِّف رئيسًا للجمهوريّة الإيرانيّة يَعكِس مُضيّ إيران قُدُمًا نحو التّطوير المُستمر لأسلحة الدّمار الشّامل التي تُهَدِّد إسرائيل والمنطقة بأسْرِهَا”.
إغلاق إدارة بايدن 36 موقعًا إلكترونيًّا تابعًا لمنصّات إعلاميّة إيرانيّة أو تُمَثِّل دول وكيانات تنضوي تحت لواء محور المُقاومة، ربّما جاء نتيجة انطِباع يستند إلى معلومات بأنّ ايران ليست في عجلةٍ من أمرها للعودة إلى الاتّفاق النووي بعد استِلام السيّد رئيسي مهامه رسميًّا في مطلع آب (أغسطس) المُقبل”، وهذا الإغلاق الذي وصفه سعيد خطيب زادة المتحدّث باسم الخارجيّة الإيرانيّة بأنّه بلطجة”، وعمل غير قانوني، ربّما رسالة تصعيديّة من قِبَل إدارة الرئيس بايدن، تتبعها خطوات أُخرى مُماثلة في الأسابيع المُقبلة.
ولعلّ مُجاهرة الرئيس الإيراني الجديد بعدم رغبته في لقاء الرئيس بايدن يَصُب في التّحليل نفسه، أيّ زيادة احتِمالات عدم العودة للاتّفاق النووي إيرانيًّا، وربّما لأنّ السيّد رئيسي يتَطلّع لخِلافة السيّد علي خامنئي، المُرشد الأعلى، ويُريد السّير على نهجه ونهج الإمام روح الله الخميني بعدم مُصافحة أيّ مسؤول أمريكي.
تمديد اتّفاق وكالة الطّاقة الذريّة الدوليّة المُتعلّقة بالتّفتيش على المُنشآت النوويّة كأحد بُنود الاتّفاق النّووي الإيراني غير مُستَبعد، وقد يأتي في إطار سياسة كسب الوقت الإيرانيّة من خِلال إظهار بعض المُرونة في اتّفاقات فيينا الحاليّة، لحين تولّي الرئيس الجديد وحُكومته مهامه كاملةً.
القِيادة الإسرائيليّة الجديدة تتبنّى السّياسات نفسها التي كان يتبنّاها بنيامين نِتنياهو، إن لم يَكُن أكثر تَشَدُّدًا، أيّ بَذل كُل جُهد مُمكن لعرقلة العودة إلى الاتّفاق النووي، وضرب المُنشآت النوويّة الإيرانيّة بالتّالي، سواءً بضُوءٍ أخضر أمريكي أو بغِيابه، لإثبات يمينيّتها المُتطرِّفة، وإطالة بقائها في الحُكم.
ما يُقلِق القِيادة الإسرائيليّة أنّ إيران باتت تتملك الخُبرات، وكميّات اليورانيوم المُخَصَّب الكافية لإنتاج قنبلة نوويّة في أسابيع معدودة إذا اتّخذت القرار أوّلًا، ولأنّ العودة إلى الاتّفاق تعني فكّ التّجميد عن 110 مِليار دولار في البُنوك الأمريكيّة والأوروبيّة، واستِئناف الصّادرات النفطيّة والعسكريّة الإيرانيّة، الأمر الذي يُعطِي اقتِصادها دُفعةً كبيرة، ويَمْلأ جُيوب حُلفائها بالمال والسّلاح.
فإذا كانت إيران، ورُغم الحِصار الخانق المفروض عليها أمريكيًّا وأوروبيًّا مُنذ 40 عامًا، استطاعت أن تُمَوِّل وتُسَلِّح أذرعها الضّاربة الحليفة وتُسيطِر على مُعظم منطقة الشّرق الأوسط، وتُشَكِّل تهديدًا وجوديًّا حقيقيًّا لإسرائيل، فكيف سيكون الحال لو جرى رفع جميع العُقوبات تجاوبًا مع الشّروط الإيرانيّة التي ستُصبِح أقوى وأصلب مع وصول الرئيس الجديد.
الثّورة الإسلاميّة الإيرانيّة تعود بقُوّةٍ، اتّفق البعض مع إيران أو اختلف، وباتت السّلطات الثّلاث التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة مُوحَّدة تحت قِيادة المُرشد الأعلى السيّد خامنئي لأوّل مرّة مُنذ رُبع قرن، سواءً بالعودة إلى الاتّفاق النووي أو لا، ولعلّ أوّل اعتِراف بهذه الحقيقة تخلّي إدارة بايدن عن حُلفائها العرب في السعوديّة والخليج والأردن والعِراق وسحبها لمنظومات “ثاد” و”باتريوت” منها، وتركها تُواجِه مصيرها وحدها، لأنّ أولويّاتها القُصوى مُحاولة الحِفاظ على زعامتها في مُواجهة التّحالف الصيني الروسي الصّاعد، ونُفوذه خاصّةً في شرق آسيا.
إيران اليوم ليست عِراق عام 1981 لأنّها تملك قوّة ردع صاروخيّة هائلة، وحُلفاء أقوياء قادرون على تدمير “إسرائيل” بمخزونهم الصّاروخي الضّخم، ومِن المُؤسِف أنّ الرئيس الرّاحل صدام حسين خذله حُلفاؤه العرب وخانوه تواطئًا مع أمريكا، وسمَحوا للطّائرات الإسرائيليّة المُغيرة بالمُرور عبر أجوائهم في وضَح النّهار بطَلبٍ أمريكيّ، وثِقَتُه بهؤلاء، وخوضه الحرب لحِمايتهم من إيران كانت خطيئةً كُبرى.
كُنّا، وما زِالنا، نَقِف دائمًا في الخندق المُقابل لأمريكا ودولة الاحتِلال الاسرائيلي، وكم مَرّة حذّرنا حُلفاء أمريكا من عدم الوثوق بها، والرّهان على حِمايتها لهُم، فتاريخها حافِلٌ بالعديد من الأمثلة التي تخلّت فيها عن أمثالهم في العِراق وأخيرًا في أفغانستان، ومقصلة التّخلّي الأمريكيّة عنهم باتت قريبةً جدًّا من أعناقهم.. والأيّام بيننا.