الأستاذ المجاهد.. وطن اليمنيين يغادر وطن مكلوم..!
بقلم/ رياض الزواحي
ان كان لنا بقية وطن فها هو الأستاذ والمعلم والأب محمد عبدالرحمن المجاهد رحمة الله تغشاه في جنات الفردوس.. كان هو الوطن..
من يعرفون من هو الأستاذ محمد عبدالرحمن المجاهد يدركون ما أعني.
لطالما اشتاقت أرواحنا لرؤيته وتقبيل رأسه وحتى قدميه.. لكن خطفه الموت فجأة فأي وطن سنبكي عليه اليوم أكثر.
كل ما في الضمير من قيم وأخلاق ونبل هي الأخرى تعرف من هو المجاهد الأب والمعلم والإنسان.. فكان رحمه الله هو من يعلم الجميع معنى هذه القيم.. ويبذر بذورها في نفوس من عرفوه وتتلمذوا على يديه..
قبل وبعد توليه رئاسة مجلس إدارة مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة والنشر.. ورئاسة تحرير صحيفة الجمهورية في بعض المراحل من تاريخ اليمن المعاصر.. كان هو التاريخ بانصع صورة.. وهو المعلم القدوة والإنسان الذي تفيض روحه بأسمى معاني الإنسانية والإخلاص لوطنه وشعبه وناسه.
يا للهول.. أي كلمة عقيمة يمكن أن توصف الأستاذ محمد المجاهد وفاجعة رحليه.. فهو فوق الكلام.. وفوق قدرة التعبير.. لم أستطع أن أصف هذا العملاق سوى بالوطن.. نعم إذا لم يكن الأستاذ محمد المجاهد هو الوطن. فمن الوطن..! يا من خنتم الوطن والدين والضمير ودمرتم ما بقى من الوطن..!
رحل الأستاذ محمد المجاهد آخر الشرفاء الأوفياء في وطن يتقاسمة اللصوص فيعلموا الأجيال القادمة المعنى الحقيقي للخيانة..
لم يكن مجرد صحفي نزيه وصادق.. فقد كان رحمه الله تعالى مدرسة للقيم والأخلاق والوطنية والشجاعة.
الأستاذ والأب والمعلم محمد عبدالرحمن المجاهد إستثناء فريد.. يبني الإنسان بكل معنى الكلمة.. فهو كان يعرف كيف يربي الأجيال.. ويصنع القادة.. ويصون الأمانة تجاة الجيل والمجتمع..!
فتخرج من تحت يديه المئات من أنجح الصحفين والقامات الإعلامية.. وأي لغة يتحدث بها كانت أصدق وأشرف من كتابات المتسلقين والباحثين عن فضلات ومناصب السلاطين والمسؤولين.. وكانت دروسه عملية بعيداً عن التنضير وادعاء المثالية الزائفة.. ورصد العبارات المنمقة.. والشعارات الكاذبة..
كان وطن كبير لقلوب كل اليمنين.. وهذا ما بدى عليه الوطن محمد عبدالرحمن المجاهد رحمه الله تعالى طوال أكثر من ثلاثين عاماً.. وهو في رأس هرم مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة والنشر.. ورئاسة تحرير صحيفة الجمهورية..
فكانت الجمهورية الصحيفة والكادر الرقم الأول والأصعب والأهم في تاريخ الصحافة اليمنية المعاصرة.. وتاريخ الصحافة والإعلام في شبه الجزيرة العربية دون أي مبالغة أو تضخيم..
كيف لا والقاعدة التي انطلقت منها كان الأستاذ محمد المجاهد الذي ارتبط اسمه بأذهان مختلف شرائح المجتمع اليمني والعربي كهامة وطنية وإعلامية وانسانية قلما جاد بها الواقع اليمني والعربي على مدى عقود ماضية..
ولن يستوعب البعض ماذا يعني لي الأستاذ والمعلم والأب محمد المجاهد.. وماذا يعني لكبار الصحفيين في اليمن والمحيط العربي.. فكان حفظه الله هو الجامعة التي أخرجت كبار الصحفين في اليمن منذ فجر الثورة اليمنية..
فكان بسلوكه وقيمه ونزاهته هو المنهج العملي الذي تشبعت منه أجيال من عمالقة رسالة الإعلام معاني النزاهة والإخلاص وشرف الكلمة..
له مواقف مشرفة على الصعيد المهني والإنساني والوطني.. ستظل خالدة في ذاكرة الأجيال جيلاً بعد جيل..
أتذكر كتابات الأستاذ محمد عبدالرحمن المجاهد خلال ما كانت تسمى الفترة الإنتقالية بعد الوحدة.. وما رافقها من توترات واغتيالات وقمع ومخاوف.. فكانت كتاباته سوط على رؤوس القيادات التي كادت أن تغرق الوطن في مستنقع الضياع..
لم يخشى رحمه الله أحد في السلطة.. وكل من كانوا في السلطة كانوا يعرفون نزاهة وحياد الأستاذ المجاهد.. ويعرفون حرصه على وطنه بإخلاص دون إكتراثه بمنصبه كرئيس مجلس إدارة لأكبر وأهم مؤسسة صحفية حكومية في اليمن..
الأستاذ محمد عبدالرحمن المجاهد كان بالنسبة لي المعلم والأستاذ والأب الحنون الذي وقف معي في كثير من الأحداث والمشاكل التي واجهت عملي كمحرر صحفي في صحيفة الجمهورية..
وفي أحد المواقف أصدر الأستاذ حسين العواضي قرار بتوقيفي عن العمل.. وكان العواضي يومها في القاهرة مشاركاً في إحدى المؤتمرات واتصل بالأستاذ محمد علي سعد رحمة الله تغشاه ليوقفني عن العمل.. لأني تناولت في مقالي فساد السفارة السعودية في صنعاء..
ومتاجرتهم بالفيز والإقامات للمغتربين اليمنين عن طريق سماسرة في السفارة وخارجها..
فكان الأب الذي لا يمكن أن أنسى فضله الذي اعترض على القرار واستدعاني وقال لي استمر في عملك ما دامك تتحدث عن الحق ولديك ما يثبت اتهاماتك للفاسدين وأنا معك.
ومواقف أخرى كثيرة لا يتسع الوقت لسردها..
قبل سنوات اتصل بي زميلي وأخي اياد عبدالله سعد.. أخبرني بأن الأستاذ محمد المجاهد يبحث عني وعن رقم هاتفي.. يريد أن يتحدث معي.. فكنت سعيداً ومفزوعاً من هذا الأمر.. فقلت يا الله.. وانا ابحث أيضاً عن رقم هاتفه لأطمئن عليه..
لأني اشتقت إليه بشكل كبير.. وإلى كلامه ومع هذا فزعت كما قلت وانتابتني الكثير من الأفكار.. وما هي إلا ساعة أو أقل واتفاجأ باتصال الأستاذ محمد عبدالرحمن المجاهد.. رحمه الله.. واقسم بالله بأني سمعت صوته رحمه الله وفاضت عيني بالدموع.. وانتابتني مشاعر لا يمكن أن أستطيع وصفها..
كأني كنت في غربة وسمعت صوت أبي رحمه الله.. وفاضت مشاعري أكثر عندما تحدثت مع الأستاذ المجاهد وقال لي كيف حالك يا رياض.. أنت بخير.. واولادك بخير.. واسرتك بخير.. تلعثمت.. وقلت له بصوت متشحرج الحمد لله يا أستاذ.. نحن في خير لا ينقصنا إلا رؤياك.. والاطمئنان عليك..
مشاق كثير لك يا أستاذ.. والله الشاهد.. فقال لي وأنا كذلك.. اتصلت بك لاني حلمت حلم عنك وقلقت عليك.. وبحثت عن رقمك لأطمئن عليك وعلى أولادك..
أقسم بالله بأني لم أنسى ذلك اليوم يوماً واحداً.. كان اتصال الأستاذ محمد المجاهد رحمه الله تعالى يعني لي الكثير.. نعم الكثير الكثير..
كنت أقول في نفسي من انا حتى يتصل بي الأستاذ محمد المجاهد رئيس مجلس إدارة مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة والنشر.. من أكون حتى يهتم بي ويطمئن على صحتي..
وعندما حدثت أبي رحمة الله تغشاه.. قال لي ياولدي الأستاذ محمد المجاهد أب لنا جميعاً.. عشنا معه سنوات طويلة.. ولم نجد منه سوى الخير والحب للجميع..
مازالت اكتب هذه السطور ودموعي تملئ عيناي وقلبي يقطر دماً على رحيل ابي محمد المجاهد.. وأشعر أني لم أصل الى مرحلة الحديث عن الأستاذ محمد المجاهد.. فأي كلام يمكن ان يعبر عن هذه القامة الإعلامية والوطنية الكبيرة التي لم يصل إليها أي إنسان إلا من رحم ربي..
رحمة الله تغشاك يا أستاذ محمد المجاهد في جنات الفردوس مع الشهداء والأنبياء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً..
وأسأل الله تعالى أن يعصم قلوبنا وقلوب أسرته ومحبيه بالصبر والسلوان إنه سميع مجيب..
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
وإنا لله وإنا إليه راجعون..!
وللحديث بقية اذا كان في العمر متسع..!