هل يَشُن نِتنياهو عُدوانًا على إيران لمنع اقتِلاعه من السّلطة؟ وما صحّة التّسريبات الصحافيّة حول استِدعاء بايدن للجِنرال غانتس وزير الحرب الإسرائيلي على وجه السّرعة لإجهاض هذه “المُقامرة”؟ وماذا لو جاء هذا الاستِدعاء مُتأخِّرًا واشتَعل فَتيلُ الحرب فعلًا..!
بقلم/ عبد الباري عطوان
بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي باتَ مِثل “ضرس العقل” لا يُمكِن انتِزاعه من السّلطة إلا بعمليّة جراحيّة دمويّة، فهذا الرّجل مُستَعِدٌّ أن يفعل أيّ شيء من أجل البقاء في الحُكم لأطولِ فترةٍ مُمكنة تَجَنُّبًا للانتِهاء خلف القُضبان، مُهانًا، ومُدانًا، بجرائم الرّشوة والتّزوير وسرقة المالِ العام.
نِتنياهو يعيش حالةً من الهوس اسمها “إيران” وبرنامجها النّووي، ونجح في دفع الرئيس الأمريكي السّابق عبر صِهره ومُستشاره الصّيهوني جاريد كوشنر في الخُروج من الاتّفاق النّووي عام 2018 فجاء هذا الخُروج في مصلحة إيران التي امتصّت العُقوبات، وأبطلت مفعولها، وطوّرت ترسانةً عسكريّةً صاروخيّةً جبّارة، ورفعت نسبة تخصيب اليورانيوم بشَكلٍ مُتَدرِّج إلى 62 بالمِئة، وباتت على بُعد مسافة قصيرة جدًّا من إنتاج رؤوس نوويّة..
وإذا صحّت الأنباء التي نشرها موقع “واللا” الاستِخباري حول استِدعاء إدارة الرئيس بايدن وزير الحرب الإسرائيلي الجِنرال بيني غانتس على عجل لمنع نِتنياهو من شنّ عُدوانٍ ضدّ إيران لتعطيل تشكيل حُكومة ائتلافيّة تُطيح به من السّلطة، وهي تنطوي على الكثير من الصحّة، لأنّ راديو الجيش الإسرائيلي بثّها في نشراته الإخباريّة، فنِتنياهو بات مِثل “النّمر” الجريح يَضرِب في كُلّ الاتّجاهات قبل حُلول نهايته، خاصّةً أنّه خارجٌ للتّو من هزيمةٍ كُبرى مُهينة من حربٍ في قِطاع غزّة.
الهدف العلني لزيارة الجِنرال غانتس الوشيكة لواشنطن هو بحث تطوير منظومة القبب الحديديّة المُضادّة للصّواريخ بعد فشلها في اعتِراض 4000 من صواريخ المُقاومة “الغزّاويّة” التي هطَلت كالمطر على مُعظم المُستوطنات والمُدن الفِلسطينيّة المُحتلّة، واستنزفت مخزون هذه القبب من الصّواريخ، ومُحاولة وضع خطط طوارئ أمريكيّة لتعويض النّقص، ولكنّ هذه المسائل ليست عاجلةً، ويُمكِن أن تنتظر بضعة أسابيع أو حتّى أشْهُرًا، ممّا يُرجِّح أنّ منع العُدوان على إيران هو الهدف الرئيسيّ لهذه الدّعوة، حسب آراء مُراقبين عسكريين إسرائيليين وغربيين.
نِتنياهو آثار مخاوف الإدارة الأمريكيّة الجديدة عندما قال يوم الثلاثاء في حفلِ تنصيب الرئيس الجديد لجهاز “الموساد” “إذا اضطّررنا للاختِيار بين الخِلاف مع صديقتنا الكُبرى (أمريكا)، وبين إزالة التّهديد الايراني الوجودي، فإنّ إزالة التّهديد الوجودي سيكون لهُ الغلبَة”.
السّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ: هل يستطيع نِتنياهو الإقدام على هذه المُقامرة الخَطِرَة، وإشعال فتيل حرب إقليميّة دُون التّنسيق مع أمريكا ومن أجل منع خُصومه، الذين توحّدوا خلف قرار الإطاحة به، وحُكومته، وإعلان حالة الطّوارئ للبقاء في السّلطة لأطولِ مُدَّةٍ مُمكنة؟”.
ليس من السّهل الإجابة عن هذا السّؤال، ولكنّ نِتنياهو الذي يتولّى السّلطة مُنذ 16 عامًا، وضع رجاله في المفاصل الحسّاسة للدّولة، في الجيش وأجهزة المُخابرات، والأمن الدّاخلي، ومُعظمهم من اليمين المُتطرّف الذي يُدين له بالولاء، علاوةً على أكثر من نِصف أعضاء الكنيست (البرلمان) على الأقل، ممّا يعني أنّ الاعتِداء على إيران، الذي يَظَلُّ آخِرَ رَصاصةٍ في جُعبته، ما زال غير مُستَبعد نظريًّا وربّما عمليًّا أيضًا.
الأيّام القليلة القادمة حاسمةٌ بالنّسبة إلى الدّولة العبريّة، في ظِل الأزمة السياسيّة، والانقِسامات الحادّة التي تعيشها، وتَراجُع الثّقة إلى مُستوياتٍ مُتدنّية بمُؤسّستها العسكريّة، التي تُشَكِّل عمودها الفِقريّ، وبوليصة أمنها واستِقرارها، وعلينا أن نتذكّر أنّ نِتنياهو ليس لديه ما يخسره، وأنّ البديل هو إنهاء آخِر ما تبقّى من حياته في السّجن.
خِتامًا.. نقول إنّ نِتنياهو وغانتس وكوخافي وكُل جِنرالات جيشهم فَشِلوا في اجتِياح قطاع غزّة وهزيمة فصائل المُقاومة فيه، فكيف سيكون الحال لو فجّروا حربًا مع إيران التي تَملُك أكثر من 300 ألف صاروخ، وحزب الله الذي يَملُك نِصف هذا العدد، وسوريا التي يَملُك جيشها خبرةً قتاليّة تمتدّ لعشر سنوات، ناهِيك عن فصائل المُقاومة في القِطاع، و”أنصار الله” في اليمن؟
كثيرون في محور المُقاومة يتمنّون أن يُقدِم نِتنياهو على هذه “الحماقة” التي قد تُشَكِّل نهاية الدّولة العبريّة، والوجود الأمريكي في المِنطقة، وتُعيد ملايين اليهود إلى بُلدانهم الأصليّة في أوروبا، ولِسان الحال يقول بِضاعَتُكُم رُدَّت إليكُم.. واللُه أعلم.