ما هي الرّسالة الصّادمة التي حملتها صواريخ المُقاومة وضربت أسدود وعسقلان إلى نِتنياهو وجِنرالاته؟ وهل ستُعلِن رسميًّا دفن القبب الحديديّة؟ ولماذا لا نَستبعِد مُفاجأةً فِلسطينيّةً على غِرار نظيرتها اليمنيّة تُغيّر كُل قواعد الاشتِباك وتُنهِي شهر عسل الغطرسة الإسرائيليّة؟ وما السّيناريوهات المُتوقّعة..!
بقلم/ عبدالباري عطوان
بالأمس وصلت سبعة من صواريخ المُقاومة إلى القدس المحتلّة في السّاعة السادسة مساءً بالدّقيقة والثّانية، مِثل ساعة “بيغ بين” الشّهيرة، وربّما أدَق، تضامنًا مع انتفاضة القدس الشبابيّة، ويوم الثلاثاء ضربت 137 صاروخًا مدينتيّ عسقلان وأسدود المُحتلّتين شِمال قِطاع غزّة، ودمّرت عدّة عمارات، وأسفرت عن مقتل مُستوطنين، وإصابة العشَرات ودفعت بمِليونيّ إسرائيلي إلى الملاجئ رُعبًا وهلعًا، في تغييرٍ غير مسبوق في قواعد الاشتِباك.
ما نُريد قوله، وتوضيحًا لما تقدّم، إنّ فصائل المُقاومة، وكتائب القسّام على وجه الخُصوص التي وعدت وصدقت، باتت تتبنّى خطّة قتاليّة عملياتيّة جديدة عُنوانها الرّئيسي استِخدام صواريخ “السجّيل” المُزوّدة برؤوسٍ مُتفجّرة، ذات قُدرة تدميريّة عالية جدًّا، وبكثافةٍ ضخمة، ومُزوّدة بأجهزة تضليل مُتطوّرة، قادرة على تجاوز القبب الحديديّة والوصول إلى أهدافها بدقّةٍ مُتناهية، جنبًا إلى جنبٍ مع صواريخ “سرايا القدس” وكتائب “أبو علي مصطفى” والقائمة تطول.
صواريخ أسدود وعسقلان، وقريبًا جدًّا مطار اللّد الدولي، حسب ما كشفته لنا مصادر عالية المُستوى في المُقاومة، تحمل رسالة قويّة لبنيامين نِتنياهو وحُكومته وجِنرالاته ومُستوطنيه، تقول مُفرداتها، سنَضرِب عماراتكم وبناكم التحتيّة وسننتقم وبسُرعةٍ لكُل شهيد يسقط في قِطاع غزّة، أو أيّ مكان آخَر في فِلسطين التاريخيّة المُحتلّة، وهذه البِداية فقط، والقادم أعظم.
في الماضي القريب، كانت استراتيجيّة المُقاومة تعتمد على تجنّب قتل المدنيين، والتّركيز على العسكريين والتّرهيب المعنوي، لكن وحسب مصادرنا تغيّرت هذه الاستراتيجيّة لسببين:
الأوّل.. وصول تكنولوجيا الصّواريخ الدّقيقة القادمة من محور المُقاومة إلى قِطاع غزّة، والثّاني.. إجبار العدوّ على التّفكير ألف مرّة قبل قصف المدنيين ومنازلهم من خِلال ترهيبه، وضربه في الخاصرة التي تُوجعه، للحيلولة دُون وقوع خسائر بشريّة ضخمة على غِرار ما حدث في حرب عام 2014.
من يقود حركة حماس هذه الأيّام، ويضع خططها العسكريّة والسياسيّة هي كتائب عز الدين القسّام (الجناح العسكري)، والسيّدين يحيى السنوار أحد مُؤسّسي هذا الجناح، وإلى جانبه عدد من المُساعدين المُتشدّدين الميدانيين، علاوةً على المُجاهد محمد الضيف، رئيس هيئة أركان هذا الجناح، وزعيمه الفِعلي، وهؤلاء جميعًا يتواجدون الآن في غُرفة عمليّات مُحصّنة تحت الأرض لإدارة العمليّات، ولا يتعاملون مُطلقًا بأيّ مِن أجهزة التّكنولوجيا الحديثة، ولا يردّون على الاتّصالات الهاتفيّة، ووسيلة الاتّصال معهم مُعقّدة وبدائيّة جدًّا يَصعُب رصدها.
الجديد في هذه المُواجهة المُتصاعدة، وبشَكلٍ تدريجيّ محسوب من قبل فصائل المُقاومة وقِياداتها الميدانيّة، أنّ أبواب الوِساطات والسّماسرة العرب باتت مُغلقة، لا بل مُحكَمة الإغلاق، بعد أن تبيّن أنّ مُعظم هؤلاء يعملون “الوُسطاء” على خدمة الأجندات الإسرائيليّة، وإنقاذ أرواح المُستوطنين وليس أرواح الفِلسطينيين، ومن أجل تحسين عُلاقاتهم مع أمريكا ودولة الاحتِلال الإسرائيلي، والحِفاظ على استمراريّة الوضع الرّاكد العَفِن لأطول فترةٍ مُمكنة.
السيّد زياد النخالة أمين عام حركة “الجهاد الإسلامي” التي رفضت وتَرفُض خوض أيّ انتِخابات تحت الاحتِلال، فضح نوايا الوسطاء العرب، وأدوارهم، وأبرزها إنقاذ نِتنياهو وحُكومته من الهزيمة، والصّمت على اختِراقه كُل الاتّفاقات والضّمانات التي جاءت للحِفاظ على استِمرارها، وأكّد السيّد النخالة قبل يومين أنّ حركته لن تقبل بأيّ وقف لإطلاق النّار عبر الوسطاء العرب، ولن يُلدَغ من جُحرَهم مرّةً أُخرى.
نِتنياهو يُهَدِّد بالتّصعيد، ويحشد الدبّابات على حُدود القِطاع، ويستدعي ست فرق احتِياط في مُحاولةٍ للسّيطرة على الموقف في الضفّة الذي بات يخرج عن قبضته وقوّاته الحديديّة، ومن المُرجّح، بل ربّما من المُؤكّد، أنّه يرتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبه سلفه إيهود أولمرت، وسُوء تقديره لقوّة المُقاومة الإسلاميّة في جنوب لبنان، قد يُواجِه هزيمةً أكبر إذلالًا ومَهانةً.
ما لا يُدركه نِتنياهو المُرتبك، المَهزوز، وجِنرالاته أنّ انتِفاضة القدس يقودها الجيل الثّالث من الشّباب الذين كفَروا بالمُطبّعين العرب والسّلطة الفِلسطينيّة معًا، وأرادوا أن يضعوا حدًّا لسنوات المهانة العشريّة، وبَدء صفحة جديدة عُنوانها الكرامة وعزّة النّفس، ولديهم منسوب عالٍ للتّضحية والشّهادة.
دُخول الشّباب العرب من الأراضي المُحتلّة عام 1948 بزخمٍ كبير من الجنسين يُشكّل إضافةً نوعيّةً لانتفاضة القدس، لأنّ هذا الدّخول معناه إكمال ضلع مُثلّث المُقاومة الفِلسطيني، أيّ القدس الضّلع الأوّل، وقِطاع غزّة وصواريخه الضّلع الثّاني، ولا نَستبعِد أن تكون المُفاجأة المُقبلة انضِمام الضّلع الرّابع، أيّ أهالي الضفّة الغربيّة المحتلّة في المُستقبل القريب وإسدال السّتار نهائيًّا على مأساة اسمها السّلطة الفِلسطينيّة وتنسيقها الأمني.
المشهد الجديد، ما زال في بداياته، والمُواجهة الكُبرى ربّما باتت وشيكةً، فنحن على أبواب انتِفاضة مُسلّحة قد تستمر أشهر، انتفاضة على غِرار الانتفاضة المُسلّحة الثّانية، مع فارقٍ أساسيّ أنها مدعومة بالصّواريخ وليس بالحِجارة والأسلحة الفرديّة فقط، وقد تفتح الأبواب أمام انتِقالها، أيُ الصّواريخ، من قِطاع غزّة إلى الضفّة الغربيّة، وهُنا مقتل الدولة العبريّة الحقيقيّ وبَدء العدّ التنازليّ لنهايتها.
نحن لا نَكتُب تمنّيات هُنا، وإنّما نُقدّم قراءةً دقيقةً للأحداث تستند إلى أبحاث ومعلومات من مصادر ميدانيّة تتناول تطوّرات وفُصول خطّة مُقاومة مدروسة بعناية، ومثلما فاجَأ الصّمود اليمني التّحالف السّعودي الإماراتي بعد سِت سنوات من الصّمود، وألحق به هزيمةً كُبرى، من غير المُستَبعد أن يتكرّر السّيناريو نفسه في الأراضي الفِلسطينيّة المحتلّة، فالمِحور واحد.
الشابة مريم العفيفي التي سارت على خُطَى ابنة عقيدتها وجلدتها مريم المجدليّة، وتصدّت للمُستوطن الذي اقتحم بيتها واحتلّه في حيّ الشيخ جراح، وردّ عليها بصَفاقةٍ بأنّه إذا لم يَسرِق بيتها سيأتي من يَسرِقه في غطرسةٍ استفزازيّة، لم تَدرِ أنّها بصرختها المُجلّلة هذه التي وصلت إلى مُختلف أنحاء العالم بالصّوت والصّورة، ستكون الشّرارة التي تُفجّر انتِفاضة القُدس المُباركة، وتُغيّر كُل المُعادلات القائمة في الشّرق الأوسط برمّته.
شهر العسل الإسرائيلي ربّما يقترب من نهايته، وصواريخ المُقاومة باتت تملك اليَد العُليا، وأهل الرّباط قادمون بقُوّةٍ من وسط رماد التّطبيع والاستِسلام.. والأيّام بيننا.